16 أكتوبر 2015
لن يؤدي القصف الجوي الروسي لمواقع عديدة في سوريا سوى للمزيد من المحن للشعب السوري الذي عانى ويلات الحرب على مدار خمس سنوات. فبعد عام من القصف الجوي للولايات المتحدة وحلفاءها في سوريا - أكثر من سبعة ألاف هجمة جوية ضد داعش - أدرك أوباما أن ضرباتة لن تحقق أي أهداف وبالتالي فالتدخل الروسي لن يحقق اكثر مما فعلتة الولايات المتحدة.
يعاني الإقتصاد الروسي بسبب العزلة الدولية فضلاً عن العقوبات الإقتصادية التي فرضها المجتمع الدولي في أعقاب ضم شبة جزيرة القرم العام الماضي, لذلك فالتدخل العسكري يعني تشغيل للمصانع الحربية و إتاحة فرص عمل للروس وبالتالي يساهم ذلك في تعافي الإقتصاد الروسي من ناحية و كسر حالة العزلة المفروضة على روسيا من الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى, وهذا ما تسعى الى فعله الولايات المتحدة دائماً, فالدول التي تصنع السلاح تعتمد على الحروب لتشغيل مصانعها وإخراج إقتصادها من حالة الركود. وفي مقابلة مع خبير ا فى الحد من التسلح في معهد بروكينجز في واشنطن والسفير السابق للولايات المتحدة في أوكرانيا ستيفين بايفر قال إن ما تفعلة موسكو حاليا في سوريا ما هو إلا عملية إحلال وتجديد لأسلحة قديمة لم تستطع روسيا تجديدها منذ التسعينيات بسبب نقص الموارد المالية وقتئذً, "فروسيا تريد ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد, من ناحية دعم نظام الأسد وفي الوقت ذاتة إستخدام تلك الأسلحة لتجديدها."
لكن مع إمتداد وطول أمد الحرب في سوريا سيضطر بويتن في النهاية لوقف القصف وأعتقد أن بوتين ليس بالجنون الذي يجعلة يقحم قوات برية على الأرض في سوريا لحسم المعركة, فالواقع السياسي يقول أنة ليس هناك منتصر في الغزوات العسكرية, فالقوات الأمريكية الأكثر قوة في كافة النواحي لم تحقق نصر في أي حرب دخلتها بل تكبدت خسائر كبيرة في فيتنام والعراق, ولم يستطع الاتحاد السوفيتي سابقا بالرغم من قدراتة العسكرية الكبيرة من تحقيق أي نصر في أفغانستان. ولو تدخل بوتين بقواتة البرية فلن تكون سوريا إلا أفغانستان جديدة للروس.
موسكو تدخل الحرب بعد طرح سؤال لم يستطع الغرب الإجابة علية والسؤال هو " ماذا بعد الأسد" أو بمعنى أخر " ما هي إستراتيجية ما بعد الأسد؟" والرسالة التي تريد موسكو إرسالها لواشنطن " الربيع العربي لم يخلف سوى عدم الإستقرار بسبب مقامرتكم السياسية وقصر النظر, أعطونا الفرصة وسنثبت لكم أنكم كنتم مخطئين وإننا الأجدر بلعب دور على الساحة العالمية"
إذاً ما الهدف من مغامرة بوتين في سوريا؟ التصريحات الروسية تفيد أن القصف يستهدف داعش, لكن على الأرض يستهدف القصف دعم نظام الأسد وإعادة سيطرة الأسد على المناطق التي فقدها, وهذا معناة أن نظام بشار في مأزق وليس لة اليد العليا في الحرب في سوريا. إذاً فكل الأطراف في ساحة المعركة متساوية, هناك قوات بشار و قوات الجيش الحر المعارضة للنظام وقوات جبهة النصرة الموالية للقاعدة وقوات داعش وقوات أحرار الشام وقوات الأكراد الإنفصاليين, وغيرها من القوى الأخرى الامر الذى يجعل من الصعب تحديد مصير الحرب, فالحرب في سوريا تدور في دائرة مفرغة, ولن تؤدي عمليات القصف سواء من الجانب الروسي ومن قبلها الجانب الأمريكي الأكثر تطوراً الى حسم او تحديد شكل المعركة.
أصبحت كل الأطراف حالياً فيما عدا جيش بشار تحت نيران القوات الروسية, لكن من الصعب الوصول لتلك القوى أو تحديدها, فهي عبارة عن ميليشيات غير نظامية موجودة في مناطق مكتظة بالسكان, وهذا يعكس الكم الهائل من الخسائر البشرية المتوقع في صفوف المدنيين دون تحقيق أي أهداف عسكرية, ومع طول الحرب, ستضطر روسيا الإنسحاب بعد ضغوط من المجتمع الدولي ومن قبلة الرأي العام الروسي.
لذلك, من المتوقع فشل بوتين في لعب دور يناطح به الولايات المتحدة, فشلة في حسم المعركة في سوريا يعني تراجع وإنتكاس للدور الروسي التي تحاول أن تلعبة مع دول الربيع العربي, وهذا يعني بالضرورة إنتصار لواشنطن دون الدخول في مستنقع من الدماء وهذة هي سياسة أوباما, تحقيق المكاسب دون التورط المباشر أو القضاء على الخصوم بإقحامهم في ساحة معركة لن ينتصر فيها أحد.
أما الدول العربية فهي في شتات, دول الخليج تعارض التدخل الروسي, مصر وإيران يساندان التدخل الروسي. ويرجع التأييد المصري إلى علاقة السيسي ببوتين ومصلحته التي تتمثل في صفقات أسلحة للجيش المصري من روسيا. لكن الدول العربية جمعاء لا تفعل سوى التصريحات ولم تتحرك إلا بقصف جوي مشابة للقصف الروسي حالياً لقوات داعش, وذلك بعد تبلور وتزايد الخطر من داعش, وتلك السياسة أيضاً شابها الكثير من عدم الحكمة, فالقرار السياسي يجب إعتبار الأزمة السورية ككل مشكلة, فالأصل هي وجود أزمة وداعش ما هي إلا نتيجة لتلك الأزمة, لكن العرب فشلوا ومثلها الولايات المتحدة عندما قلصت الأزمة ككل في داعش وتعاملت مع داعش على أنها هي الأزمة. وعندما ظهرت داعش ظل العرب والمجتمع الدولي ساكناً ولم يتحرك إلا بعد تمدد وتوحش داعش بشكل لم يعد من السهل القضاء علية.
على المستوى العسكري, هناك أزمة فى النظام السوري الذى لا يفهم أنه غير مرغوب بة ويحاول بإستماتة أن يظل في الحكم حتى ولو على حساب شعبة, هناك قوى إسلامية متطرفة لا يهمها إلا عقيدتها وفرض سيطرتها, هناك الثورة التي فقدت شعلتها عندما حملت السلاح وتخلت عن سياسة مقاومة اللاعنف, هناك مجتمع دولي ظل صامتاً مع إرتكاب بشار لجرائم ضد الإنسانية في حق مدنيين وحتى الأن لم تدينة المحكمة الجنائية الدولية, مما إضطر الثوار لحمل السلاح وتكوين الجيش الحر, هناك أزمة لاجئين ونازحين هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية هذا بعدما وصل عدد القتلى لأكثر من 250 الف وتتزايد حصيلة الموتى يوم بعد يوم, توقفت منظمات الإغاثة عن العمل بسبب تعقد الموقف على الأرض وخطورتة على حياة العاملين في مجال الإغاثة. الكل يبحث عن مصلحتة على المدى القريب, ليس هناك إستراتيجية بعيدة المدى لحل الأزمة مما سمح لروسيا بالتدخل, لكن تدخلها سيكون نهايتة الفشل بعد تفاقم الأزمة أكثر واكثر, وستصبح سوريا يوماً ما بلا شعب ولن تكون إلا ساحة للحرب لكن لن يكون هناك منتصر في نهاية المطاف بل ستكون هناك خسائر فقط, لكن تلك الخسائر ستطول الجميع وأولها الدول المحيطة.