- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
اللبنانيون متعبون من استضافة اللاجئين السوريين
عاد وفدٌ من "فريق العمل الأمريكي من أجل لبنان" لتوّه من زيارة إلى لبنان التقى خلالها بأكثر من مئة شخص من الحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع المدني والسلك الأكاديمي، وتخللت الزيارة أيضًا رحلة إلى مخيّم للاجئين السوريين في البقاع. ولم تكن الأزمة الإنسانية المتدهورة هي وحدها ما أثار صدمتنا، إنما أيضًا كثرة اللبنانيين الذين يحمّلون اللاجئين مسؤولية الأعباء التي يرزح تحتها بلدهم. وفى ظل غياب أي شراكة بين الولايات المتحدة ولبنان والمجتمع الدولي، برز هناك تخوف من أن هؤلاء اللاجئين المكروبين والمجتمعات المحلية المضيفة، قد يتتكبدون خسائر أكبر في أي صراع أوسع قد ينشب في المنطقة.
من أهم ما طالعنا خلال الزيارة هو المغالطات في الوقائع المتعلقة بوضع اللاجئين وما قد تتسبب به من تفاقم التوتر في البلاد. ولكن ثمة حقيقة واحدة لا يمكن نكرانها، وهي أن عدد اللاجئين والنازحين السوريين في لبنان واللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا يفوق المليون ونصف المليون، أي ما يعادل قدوم سكان كندا ومعظم سكان المكسيك إلى الولايات المتحدة خلال فترة زمنية قصيرة. وللمقارنة، نذكر أن الولايات المتحدة وطّنت 62 لاجئًا سوريًا في العام 2018.
يقول البعض إن اللاجئين يتلقون الكثير من المساعدات المالية ما يثنيهم عن مغادرة لبنان. وهذا بعيدٌ عن الصحة. فغالبية اللاجئين السوريين يعيشون بأقل من ثلاثة دولارات في اليوم. وقد أحاطتنا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين علمًا بأن العائلة اللاجئة المتوسطة تدفع لاستئجار الأرض التي تقيم عليها ملاجئها المؤقتة من المالكين المحليين مبلغًا يفوق ذلك الذي تتقاضاه من المفوضية. وفي هذا السياق فاتحتنا إحدى الأمهات اللاجئات التي قابلناها قائلةً: "في البداية رحّب بنا اللبنانيون، ولكنهم الآن ما عادوا يريدوننا هنا. وأنا أريد العودة". بحسب استطلاع أجرته المفوضية، تريد نسبة 89 في المائة من اللاجئين السوريين العودة إلى ديارها، فيما يرغب خمسة في المائة منهم في الذهاب إلى دول أخرى، وأعطى خمسة في المائة إجابات أخرى. ويبقى الأمن، سواء الشخصي أم الاقتصادي، هو السبب الرئيسي وراء تردّدهم في العودة.
فضلاً عن ذلك، يشعر اللبنانيون أن السوريين يسلبونهم فرص العمل لأنهم يعملون بأجرٍ أقل. ولكن بحسب إحدى المنظمات غير الحكومية التي التقيناها في لبنان، كانت البلاد تنتج نحو 3800 فرصة عمل جديدة في السنة قبل العام 2011. ومنذ بدء أزمة اللجوء، بات لبنان يخلق نحو عشرة آلاف وظيفة في السنة، بما في ذلك الارتفاع الصافي في وظائف المدرسين اللبنانيين وغير ذلك من المهارات.
في المقابل، أفاد حاكم مصرف لبنان أن اللاجئين السوريين يكبّدون لبنان تكاليف مباشرة تقارب المليار دولار سنويًا وتكاليف غير مباشرة تبلغ 3,5 مليار دولار، وهذه مبالغ أكثر بكثير من الأموال البالغة قيمتها 1,1 مليار دولار التي تلقاها لبنان عام 2018، مع أنها لا تشمل الأثر المضاعف الاقتصادي لمساعدات الجهات المانحة.
كما أن المسؤولين الأمنيين في الدولة أخبرونا بأن عدد الجرائم المتضخم والمنسوب إلى اللاجئين ارتفع فعليًا بنسبة تقل عن واحد في المائة. والواقع أن معظم الموقوفين السوريين لا يُحتجزون لجرائم بسيطة ولا خطيرة بل لمجرد عدم امتلاكهم الأوراق الرسمية اللازمة. وبما أن نحو 190 ألف لاجئ من الذين عادوا إلى سوريا لم يكونوا مسجلين لدى المفوضية، تمثلت "جريمتهم" في محاولة دخول لبنان أو العبور إلى سوريا بدون حيازة المستندات اللازمة.
خلال محادثاتنا غير الرسمية مع مسؤولين في الأمم المتحدة، قيل لنا إن الوقت ربما حان لإيجاد محفزات في سوريا تشجّع بعض اللاجئين على العودة إلى وطنهم. وباعتقادهم أنه على روسيا والدول الأوروبية أن تناقش مع النظام السوري مسألة إعفاء اللاجئين العائدين من الخدمة العسكرية، مع أن فعالية هذه الخطوة قد تكون محدودة في البداية، بالإضافة إلى تعديل القوانين بما يسهّل على اللاجئين استعادة منازلهم وإعادة بنائها ويسهّل بشكل خاص على المفوضية الوصول إلى العائدين لتلبية احتياجاتهم.
مع ذلك، تعتبر الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية أن عودة اللاجئين بأعدادٍ كبيرة من لبنان لن تحدث ما لم تحصل تسوية سياسية تضمن عودتهم السالمة وتفتح المجال أمام تدفق أموال إعادة الإعمار إلى سوريا. وإلى ذلك أضاف العديد من دبلوماسي الولايات المتحدة والأمم المتحدة أن هذا الأمر لن يحدث طالما أن الحكم بيد الأسد، أقله لسنوات عدّة. لكن أحد الاقتراحات المطروحة في هذا الإطار ينص على تحرير الأموال المجمّدة المخصصة لمشاريع إرساء الاستقرار في شرق سوريا حيث تتواجد القوات الأمريكية.
يبدو أن الأزمة المتعاظمة في لبنان لا يمكن أن تستمر على هذا الحال، حيث تستوجب من القيادات الأمريكية إيجاد حلول لا تقتصر على تقديم المساعدات والدعوة إلى عودة اللاجئين الآمنة والطوعية فقط، بل عليها أن تنظر أيضًا في اقتراحات أخرى كفيلة بتخفيف الأعباء عن كاهل كافة الأطراف.
ومن بين الجهود التي ينبغي مناقشتها على الطاولة، والتي يجب على المجتمع الدولي، بما فيه روسيا وأوروبا والولايات المتحدة القيام بها، هو الضغط على سوريا لدراسة طروحات تشجع اللاجئين على العودة طوعًا إلى وطنهم وتضمن سلامتهم وإمكانية حصولهم على الدعم الدولي. كما يجب طمأنة هؤلاء اللاجئين بأنهم يمكنهم العودة إلى دياريهم، وان من منهم في سن الخدمة العسكرية لن يتم تجنيده.
كما يجب على الولايات المتحدة تحرير الأموال المجمّدة المخصصة لإرساء الاستقرار في مناطق سوريا الشرقية الواقعة تحت حمايتها من أجل إعادة إعمار تلك المناطق، مع إعطاء الأولوية للاجئين القادمين من لبنان والراغبين في الانتقال طوعًا إلى سوريا.
وفى حين يجب على المجتمع الدولي أن يشجع عودة اللاجئين في نهاية المطاف إلى سوريا، إلا أن هناك أيضا مسئولية كبيرة تقع على عاتق المانحين الدوليين والولايات المتحدة، وهي تزويد لبنان بالمساعدات من أجل دعم المجتمعات المحلية المضيفة واللاجئين، على أن تعادل هذه المساعدات التكاليف الفعلية التي يتكبّدها الاقتصاد اللبناني.
كما يجب أن تتحمل الحكومة اللبنانية مسئوليتها في لجم ردود الفعل السلبية والمتنامية التي يبديها اللبنانيون تجاه اللاجئين، فالخطاب السلبي من قبل قادة الحكومة يمكن أن يغذى ويؤجج المشاعر المعادية للاجئين. وعوضا عن ذلك، ينبغي على قادة الحكومات موازنة هذه الآراء بفهم، مع تشجيع العودة الآمنة والطوعية للاجئين وفقًا للمعايير الدولية، وفي الوقت عينه، يجب أن تعمل الحكومة على دعوة المانحين الدوليين لدعم البرامج التي تساعد المجتمعات المضيفة واللاجئين في تلك المحنة.
ولا بد لكل من لبنان والولايات المتحدة أن يبيّنا لأحدهما الآخر وجود حلول مرضية ومفيدة لكافة الأطراف، فيعملا معًا للتوصل إلى حلٍّ منصف وعادل وطوعي وآمن وحسن التوقيت لهذه الأزمة.