- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأغلبية الفلسطينية ترفض حلّ الدولتيْن، لكن تدعم التسويات التكتيكية
في ما بين إطلاق خطة ترامب للسلام في 28 كانون الثاني/يناير والانتخابات الإسرائيلية في 2 آذار/مارس، تُظهر بيانات استطلاعية جديدة أنّ معظم الفلسطينيين يقولون الآن إنهم يفضّلون "استعادة كامل فلسطين التاريخية" على السلام الدائم مع إسرائيل. إلا أن الأغلبية في كلٍّ من الضفة الغربية وغزة يعربون عن آراءٍ واقعيةٍ أكثر بكثير تعتبر أن حل الدولة الواحدة أو عودة اللاجئين أو النضال المسلّح ضدّ إسرائيل ليست حلولًا عملية.
إن هذا التجاذب بين المواقف الشعبية المتناقضة على ما يبدو، القصيرة المدى المعتدلة نسبيًّا إنما الطويلة المدى المتطرفة، لا بدّ من أن يشكّل أساسًا لسياسةٍ أكثر فعالية. وهي ستشدد على مكامن الانفتاح الحالي على التسوية والتعاون العملي، فيما تأخذ احتياطاتها من الإغراءات المستقبلية التي تدفع إلى العنف أو الوحدوية – وربما تخفف تدريجيًّا هذه الإغراءات. ونظرًا إلى هذه الآراء الفلسطينية المختلطة جدًّا، من المنطقي توقُّع أنّ الاندفاع المتسرّع نحو "حل الدولتيْن" قد لا يؤدي فعليًّا إلى السلام الدائم. وفي الوقت نفسه، إنّ ردع الخطوات الإسرائيلية الاستفزازية نحو ضم الأراضي سيخفف خطر ردة الفعل الشعبية العنيفة التي تُنذر بها نتائج هذا الاستطلاع.
ما زال القليلون يدعمون حل الدولتين: ما يثير السخرية هو أنه فيما ينسب البعض الرفض الفلسطيني لخطة ترامب إلى قيودها الجديدة على نموذج الدولتين التقليدي، يرفض معظم الفلسطينيين الآن ذلك النموذج أيضًا. فبعد طلب اختيار "الأولوية الوطنية الفلسطينية الأساسية في خلال السنوات الخمس القادمة"، اختار ثلثا (66 في المئة) سكّان الضفة الغربية ""استعادة الفلسطينيين لكامل فلسطين التاريخية"؛ ولم يختر سوى 14 في المئة "إنهاء احتلال الضفة الغربية وغزة، من أجل تحقيق حل الدولتيْن". وما يثير الدهشة هو أنّ الغزّاويين كانوا أكثر اعتدالًا بقليل: فأراد 56 في المئة منهم كامل فلسطين، فيما اختار 31 في المئة منهم حل الدولتين.
تنعكس هذه التطلعات المتطرفة الطويلة المدى أيضًا في الإجابات على الأسئلة الأخرى في الاستطلاع. فمثلًا، عند طرح السؤال حول الخطوات التالية "إذا تمكّنت القيادة الفلسطينية من التفاوض بشأن حل الدولتين"، لا يقول سوى 26 في المئة من سكّان الضفة الغربية إنه "عليها إنهاء النزاع مع إسرائيل". وفي غزة، يرتفع هذا الرقم ليبلغ 40 في المئة. ويقول حوالي 60 في المئة في كلا المنطقتيْن إنه "يجب ألا ينتهي النزاع، ويجب أن تستمر المقاومة حتى يتم تحرير كامل فلسطين التاريخية".
لكن لا تكثر الآراء الداعمة لحل الدولة الواحدة: في الوقت نفسه، على عكس المفهوم الخاطئ الشائع، لا تلقى فكرة الدولة الثنائية القومية، أو النضال المدني لتحقيق المساواة، دعمًا فلسطينيًّا شعبيًّا كبيرًا. فلا يقول سوى حوالي 10 في المئة سواء في الضفة الغربية أو غزة إن أولويتهم هي "تحقيق حل الدولة الواحدة، حيث يتمتع العرب واليهود بالحقوق المتساوية في دولة واحدة من النهر إلى البحر". ويفضّل حوالي 10 في المئة فحسب في المنطقتيْن أن يصبحوا "مواطنين إسرائيليين، يتمتعون بحقوق ومسؤوليات متساوية"، بدلًا من أن يصبحوا مواطنين في دولة فلسطينية.
بعض الواقعية الشعبية حول الخيارات العمليّة: تعكس هذه الآراء تقييمًا لعراقيل العالَم الواقعي أمام أيٍّ من هذيْن الهدفيْن السياسييْن الكبيريْن. فيوافق الثلثان في كلٍّ من الضفة الغربية وغزة على هذا التكهّن: "لن تقبل إسرائيل أبدًا حل الدولة الواحدة الذي يعطي الفلسطينيين حقوقًا متساوية، ولو أصبحوا يومًا ما أغلبيةً واضحةً". ومع ذلك، من الناحية العملية، يقول ثلث سكّان الضفة الغربية إنه "من الأفضل لنا لو كنّا جزءًا من إسرائيل وليس من الأراضي التي تحكمها ’ السلطة الفلسطينية ‘أو ’ حماس‘". وترتفع هذه النسبة بين الغزّاويين بشكلٍ ملحوظٍ لتبلغ 40 في المئة من السكّان المحليين.
الاستسلام بشأن كلٍّ من اللاجئين الفلسطينيين والمستوطِنين الإسرائيليين: في ما يخص إحدى المسائل ذات الصلة، يوافق 71 في المئة من سكّان الضفة الغربية، أقلّه نوعًا ما، على هذا التوقع: "بغض النظر عمّا هو صحيح، الواقع هو أنّ معظم المستوطِنين الإسرائيليين سيبقون على الأرجح في مكانهم، ومعظم اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا إلى أراضي 1948". وفي غزة، تنخفض هذه النسبة بشكلٍ ملحوظ، لكنها تبقى أغلبيةً صغيرةً تبلغ 52 في المئة. وعلى المستوى الشخصي، يقول مجرّد 5 في المئة سواء من سكّان غزة أو الضفة الغربية إنهم قد يذهبون في الحقيقة إلى إسرائيل "إذا توافر أمامك خيار الانتقال إلى موطنٍ جيدٍ بالقدر نفسه في إسرائيل، أو البقاء في فلسطين".
دعم محلي محدود للانتفاضة، لكنّ ضم الأراضي سيثير الغضب: بعد طلب الاختيار من بين عدة أنواع استجابة للمأزق الحالي، لم يختر سوى 22 في المئة من سكّان الضفة الغربية "تصعيد المقاومة أو الانتفاضة ضد إسرائيل، ولو أنها تصعّب الأمور حاليًّا". لكن أدّى أحد الأسئلة المباشرة حول الاستجابات لضم إسرائيل المحتمل للأراضي إلى ردة فعل أقسى. فتوافق الأغلبية الصغيرة (56 في المئة) على أنّ "الفلسطينيين يجب أن يركّزوا على معارضة أي محاولات إسرائيلية جديدة لضم أيٍّ من أراضي الضفة الغربية، ولو بالقوة إذا لزم الأمر"، وتشمل هذه الأغلبية 25 في المئة من الذين يراودهم "بقوة" ذلك الشعور.
عامة الناس أكثر اعتدالًا من "السلطة الفلسطينية" حول السجناء والتطبيع: في ما يخص المنافع التي تقدّمها "السلطة الفلسطينية" إلى الإرهابيين المحكوم عليهم في السجون الإسرائيلية، يختلف عامة الناس في الضفة الغربية بشكلٍ لافتٍ مع القادة السياسيين. فيوافق ثلثا سكّان الضفة الغربية الآن (68 في المئة)، وهي زيادة ملحوظة بالنسبة إلى السنوات الثلاث الماضية، أقلّه "نوعًا ما"، على هذا الاقتراح: ""يجب أن توقِف "السلطة الفلسطينية" المدفوعات الخاصة إلى السجناء، وأن تمنح عائلاتهم منافع اجتماعية عادية كأي أحدٍ آخر – وليس مدفوعات إضافية بناءً على أحكامهم أو عملياتهم المسلَّحة".
على نحوٍ مماثل، يرفض عامة الناس في الضفة الغربية فعليًّا سياسة "السلطة الفلسطينية" الرسمية ضد "التطبيع" مع الإسرائيليين. ومجددًا، يوافق ثلثا سكّان الضفة الغربية (67 في المئة)، أقلّه "نوعًا ما"، على هذا التصريح: "يجب أن يشجّع الفلسطينيون الحوار والتواصل الشخصي المباشر مع الإسرائيليين، من أجل مساعدة معسكر السلام الإسرائيلي في تأييد حلٍّ عادلٍ". وترتفع هذه النسبة بين الغزاويين إلى القدر نفسه تقريبًا لتبلغ 61 في المئة.
ملاحظة منهجية: أُخِذت هذه النتائج من استطلاعٍ أجراه "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي"، الذي يقع مقره في بيت ساحور في الضفة الغربية، وهو يشمل مقابلاتٍ أُجريت وجهًا لوجه مع عينة تمثيلية ضمّت 500 مستطلَعٍ من الضفة الغربية و500 من غزة، في خلال الفترة الممتدة بين 23 كانون الثاني/يناير و11 شباط/فبراير 2020. وسمح هذا الاستطلاع، برعاية "معهد واشنطن"، للكاتب بالسفر إلى المنطقة من أجل الإشراف شخصيًا على إطلاقه، والمساعدة على ضمان سرية المستطلَعين التامة والكفاءة التقنية وضوابط الجودة. ويبلغ هامش الخطأ للعينتيْن الفرعيتيْن المنفصلتيْن من الضفة الغربية وغزة حوالي 4 في المئة. ويمكن توفير تفاصيل منهجية إضافية عند الطلب.