- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الصفقات مع داعش نهج إيراني بامتياز
20 ديسمبر/ كانون الأول 2017
برزت مؤخرا العديد من التصريحات التي تدعي هزيمة الدولة الإسلامية عسكريا في معاقلها في الموصل والرقة وفي البوكمال على الحدود السورية العراقية. كما تطرح اليوم تساؤلات متجددة، حول دلائل هزيمة تنظيم "داعش" من جثث وأسلحة ومعسكرات ومعتقلين. هذا الغموض أوجد مساحة واسعة لهؤلاء الذين لا يمتلكون أدلة كافية باتهام جهات عديدة بالوقوف وراء التنظيم ودعمه، خاصة أن قوافل داعش تجوب الصحراء مكشوفة بين سوريا والعراق، بما فيها قوافل النفط. وفي ظل العودة السريعة لداعش إلى المناطق التي يتم الإعلان عن هزيمتها فيها، وحجم الصفقات الواسعة التي تعقد مع التنظيم، يتم تامين منافذ تنتقل بموجبها داعش إلى مناطق أخرى، بحماية خصومها.
فعلى مدى الشهور القليلة الماضية تم تبادل اتهامات بين الخصوم في العراق وسوريا بعقد صفقات مع داعش ، يشترك فيها جميع الخصوم ( إيران وحزب الله والنظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية وتركيا وأمريكا) بعضها معلن كما في صفقة حزب الله وصفقات نظام الأسد مع داعش، وأخرها ما تردد عن صفقة بين الجيش السوري وداعش ، مقابل إطلاق سراح جنود سوريين وقعوا في كمائن داعش، وصفقة تركيا في العراق لإطلاق سراح جنود أتراك، والعديد من الصفقات ما بين الحشد الشعبي العراقي-الذى تهيمن عليه ايران- وداعش في العراق، بإشراف من قاسم سليماني والحرس الثوري الإيراني.
ومن المعروف أن تلك الصفقات مستمرة منذ فترة طويلة، وقد طرحت الكثير من الشكوك، منذ حزيران عام 2014، حينما اجتاحت داعش مساحات واسعة في شمال ووسط العراق ووصلت بعض قطاعاتها إلى مشارف بغداد، بعد انهيار هوليودي لقطاعات الجيش العراقي، إبان قيادة نوري المالكي للحكومة العراقية، وكان رد ترويكا الحكم الشيعي العراقي، اندفاعه سريعة بتشكيل “الحشد الشعبي العراقي" بفتوى صدرت عن المرجع الديني آيات الله علي السيستاني. وتم تشريع هذا الحشد الذي يضم حوالي 70 مليشيا مسلحة، تؤكد معلومات خبراء عراقيين أن ما يزيد على نصفها موال للمرشد الأعلى للثورة السيستاني تمويلا وتسليحا وتدريبا، وتلتزم بأوامر وتعليمات المرشد، ولا يملك رئيس الوزراء العراقي أية سلطة عليها، وخاضت هذه المليشيات غالبية الحروب مع داعش في العراق، وانتقلت إلى سوريا، تحت قيادة قائد فيلق القدس " قاسم سليماني".
يجمع خبراء الإرهاب والحرب أن إمكانيات داعش البشرية والعسكرية، لم تكن لتؤهلها حينما اجتاحت حوالي نصف مساحة العراق، لتحقيق ذلك لولا أن هناك مساعدات قدمت من طرف ما ساهمت على الأقل في فتح الطريق لداعش للقيام بهذه الخطوة، خاصة وان تحقيقات مع قادة التشكيلات العراقية لاحقا، أدانت قادة عراقيين كبار بتهمة التهاون في مقاومة داعش. ومعلوم أن اجتياحات داعش تزامنت مع احتجاجات واسعة في غرب العراق على طائفية حكومة المالكي، واحتجاجات في مناطق الجنوب ضد التكتلات السياسية " الشيعية" في الحكم، على خلفية فشل الحكومات في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وظهور شعارات تتمنى عودة أيام نظام البعث السابق "صدام حسين". ولم يكن بالإمكان ظهور الحشد الشعبي العراقي لولا ظهور داعش.
ربما تشكل تلك الصفقات أحد جوانب الإجابة على التساؤلات المطروحة حول غياب أثار المعارك التي يعلن عنها بانتصارات على داعش، إذ أن المشترك في الصور التي تعرضها وسائل الإعلام في المناطق المحررة من داعش بقايا مدن تم تدميرها وتسويتها بالأرض، فيما لا جثة لمقاتل ولا لبندقية مكسورة ولا آلية معطوبة، ثم ما تلبث أن تظهر بعد أيام في منطقة مجاورة. وعلى هامش تلك الصفقات يلاحظ أولا: يعلن المتصارعون في سوريا جميعهم أنهم يحاربون داعش، وتتعرض داعش لضغوطات عسكرية لأكثر من حملة، تشترك فيه كل من أمريكا وروسيا وحلفائهما، في غمار حرب إعلامية حول تسجيل السبق بقتل أبو بكر البغدادي الذي يفترض انه مات أو تم إلقاء القبض عليه أكثر من مرة في سوريا وفي العراق. وثانيا: باستثناء ما يتردد عن صفقة سوريا الديمقراطية مع داعش- والتي أنكرتها قوات قسد واعتبرتها "ادعاءات وأكاذيب تهدف للنيل من سمعة قوات سوريا الديمقراطية ورفع معنويات الإرهابيين"، فان بقية الصفقات تمت من قبل حلفاء إيران خاصة الجيش السوري وحزب الله اللبناني.
إن الصفقات التي تقوم بها تلك المجموعات في ساحات العمليات في سوريا والعراق ، استراتيجية ثابتة في العقل الإيراني، منذ الصفقة الإيرانية الكبرى مع القاعدة عام 2001 بعد حرب أفغانستان باستقبال قيادات وكوادر القاعدة في طهران ، وفي العراق لاحقا حيث زودت إيران القاعدة بالأسلحة مقابل عدم التعرض للمراقد المقدسة وقد وفرت القاعدة لإيران أسباب إنشاء الحشد الشعبي العراقي والسيطرة على العراق، وحولت الثورة السورية من ثورة شعبية ضد الظلم والفساد إلى مواجهة بين النظام السوري والإرهاب ،وقد أصبح واضحا أن وكلاء إيران هم من يخططون لانتشارات داعش ويوفر لها الملاذان الآمنة ، بما يضمن إبقائها مهددا ، لان أي استقرار في العراق أو سوريا ، يعني فتح ملفات إيران وأسباب تواجدها.
وفي الخلاصة فان عقد صفقات مع داعش في مسرح العمليات في سوريا والعراق، من قبل وكلاء إيران يطرح تساؤلات عميقة حول نجاعة استراتيجيات مكافحة الإرهاب، في ظل شكوك عميقة بإمكانية تحقيق نجاحات ملموسة، ويؤشر لإمكانية بقاء داعش والقاعدة في ظل علاقتهما مع إيران، ومن المرجح أن تفتح القاعدة ساحات قتال جديدة في مناطق أخرى، خارج سوريا والعراق، لإبقاء الإرهاب عنوانا دوليا.