- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
إعادة هيكلة مؤسسات الأمن القومي في حكومة السوداني
رغم صعوبة إجراء إصلاحات هيكلية في الأجهزة الأمنية العراقية، إلا أن هذه الإصلاحات ضرورية لتعزيز الأمن القومي للبلاد.
يشكل إعادة هيكلة مؤسسات الأمن القومي العراقي، والتي تشمل (قيادة العمليات المشتركة- وزارة الدفاع- وزارة الداخلية- جهاز المخابرات- جهاز مكافحة الإرهاب- جهاز الأمن الوطني- الاستخبارات العسكرية- مستشارية الأمن القومي- قيادة عمليات بغداد، أحد أبرز التحديات التي تواجه حكومة السوداني اليوم. ومن ثم، لا بد من وضع سياسات جديدة وإجراء إصلاحات جذرية لتلك المؤسسات حتى يشعر المواطن العراقي بسيادة الدولة وهيبة سلطانها وإنفاذ قوانينها، وليساهم ذلك في عودة العراق الى الساحة الإقليمية كركيزة مهمة في الأمن والاستقرار الإقليميين. ومن ثم، وحتى يتسنى تحديد الاستراتيجيات والحلول العملية اللازمة لتطوير هذه المؤسسات سياسياً و تنظيمياً، فمن الضروري بمكان أولاً فهم نقاط الضعف والفشل الحالية لهذه المؤسسات كما هي موجودة اليوم.
تعاني المؤسسات الأمنية الحالية في العراق من عدد من المشكلات التي يمكن إرجاع الكثير منها إلى التقاليد الطائفية والمحسوبية المتفشية في السياسة العراقية، فاغلب المؤسسات الأمنية تم تسيسها حيث يتم ترشيح قادة تلك المؤسسات من قبل الأحزاب الحاكمة، وبحسب الوزن الانتخابي للكتل السياسية في البرلمان العراقي، وبالتالي يضطر قادة هذه الأجهزة الى تنفيذ اجندة الأحزاب التي رشحتهم لهذه المناصب على حساب الوطنية والمهنية التي يفترض ان يتسم بها عمل هذه المؤسسات. علاوة على ذلك، لا توجد منافسة مهنية بين هذه المؤسسات لتحقيق اهداف استراتيجية الامن القومي العراقي (الغائبة عن التفكير والتخطيط والتنفيذ منذ نشأة الدولة العراقية عام ١٩٢١ وحتى الان) بل هناك منافسة على الصفقات والعقود والميزانيات المالية، فعلى سبيل المثال لا ترغب وزارة الدفاع بتشجيع التصنيع العسكري العراقي استجابة لرغبة تجار السلاح الذين يقدمون عمولات سخية لهذه الوزارة من اجل إبقاء العراق في حالة الاستيراد من الخارج.
علاوة على ذلك، لا يتمتع اغلب قادة المؤسسات الأمنية العراقية بالقدر اللازم من الكفاءة وهو ما انعكس بالطبع على ضعف مستوى الأداء الذي لا يتجاوز الخبرات العسكرية التقليدية والمحدودة لدى أفضل القادة، فوزارة الداخلية في عهد السوداني على سبيل المثال يقود مفاصلها ضباط عسكريون لا باع لهم في العمل الأمني والقانوني والشرطي! وجهاز المخابرات كان يقوده قاضٍ جنايات لا باع له في العمل الاستخباري. ونتيجة لذلك، لم ترتقي سياسات الأمن القومي العراقي الى مستوى المبادرة منذ عام ٢٠٠٣ الى يومنا هذا. وعوضا عن ذلك، بقي هذا الأداء ليكون رد فعل إزاء كل فعل، ففي مجال مكافحة الإرهاب مثلاً، بقيت خدمات مكافحة الإرهاب غير مرضية ، على أقل تقدير، إذ لايزال افضل جهاز متخصص (جهاز مكافحة الإرهاب) ينتظر معلومات (احداثيات) حول مواقع تواجد خلايا داعشية لينقض عليها ويعلن عن عملية نوعية ضد الإرهاب، وينسى ان مفهوم مكافحة الإرهاب هو أوسع واشمل من ان يقتصر على عمليات قتالية صغيرة ومحدودة، بل يتعداها الى تجفيف منابع تمويل الإرهاب، ومكافحة الخطابات المتطرفة، وتفكيك الظروف المساعدة على انخراط الشباب في صفوف الإرهاب، وكيف يتم تأهيل (عوائل الإرهاب) ودمجهم في المجتمع من جديد، اذ لم يُلمس أي دور لجهاز مكافحة الإرهاب سوى في نطاق العمليات القتالية.
بالإضافة الى ذلك، لم تسلم المؤسسات الأمنية من تفشي ظاهرة الفساد التي عمت جميع مفاصل الدولة العراقية بلا استثناء بسبب المحاصصة الحزبية لمناصب هذه المؤسسات، وغياب الدور الرقابي والمحاسبة القانونية الحقيقية، حيث ترتب على تغلغل الفساد في هذه المؤسسات، تراجع البنية التحتية من التقنيات والأسلحة والاجهزة المتقدمة التي تتطلبها عمليات الامن القومي، بسبب سوء توزيع المناصب القيادية العليا والوسطى، الذي كان من أبرز نتائجه عدم القضاء على خلايا داعش كليا لحد الآن رغم كل الإنجازات.
واستنادا إلى ما سبق، يتطلب برنامج إعادة هيكلة مؤسسات الأمن القومي العراقي عدة خطط سياسية، أهمها حصول رئيس الوزراء العرافي الجديد على توافق سياسي عام من جميع الكتل السياسية حول تفويضه بإصلاح المنظومة الأمنية جذرياً، دون أدنى اعتبارات حزبية أو محاصصاتية، وما يساعده في ذلك كونه يمثل الكتلة السياسية الأكبر داخل مجلس النواب العراقي. وعلى المستوى التشريعي، هناك ضرورة لوضع قانون وطني جديد لمستشارية الأمن القومي يوضح صلاحياتها ومسؤولياتها وأهداف بدقة متناهية، ويوضح أيضا مواصفات قادة أجهزة الامن القومي ومؤهلاتهم، ومتطلبات استراتيجية الامن القومي العراقي، وكذلك اليات التنسيق وتشارك المعلومات بين أجهزة الأمن القومي.
على المستوى التقني، يجب الاستعانة بكفاءات شبابية عالية المستوى في تخصصات نادرة في مجال الذكاء الاصطناعي والهاكرز والقرصنة وجميع مكونات الانترنت بنوعيه (العميق والمظلم) وتخصيص اقسام خاصة بهم يشرف عليها خبراء استخبارات المصادر المفتوحة. كما يجب وضع نظام رقمي خاص (مشفر) لتشارك المعلومات وتلبيتها بين أقسام الأجهزة الأمنية، ونظام أخر لإنتاج التحذيرات الحساسة والعاجلة، مع نظام اخر لأليات متطورة في عملية اتخاذ القرار في ظروف الازمات والكوارث. هناك أيضا ضرورة لتدشين أقسام للعمليات القتالية الخاصة والأمن السيبراني في جهاز المخابرات والامن الوطني والاستخبارات العسكرية ومكافحة الإرهاب مع توحيد الية قيادية لكل هذه الأقسام عبر تنسيق مشترك.
يجب أيضا أن يتم انتقاء القادة الأمنيين وفقا لمؤهلاتهم وخبراتهم الأمنية، التي تتوافق مع متطلبات المنصب وليس وقفا لخلفياتهم العسكرية بحيث يكون في المجمل أن هذا القائد لديه تناسبية عالية جدا مع هذا المنصب، وانه سيشكل إضافة جديدة في أداء الجهاز الأمني الذي سيتولى مهامه. ينبغي أيضا تدشين نظم جديدة لما يعرف في العراق بـ(أمن الدائرة) في جميع أجهزة الأمن القومي تعتمد على تقنيات حساسة ومعقدة لتحقيق امن الأفراد وامن الوثائق وامن المقرات وبمستوى عالٍ من الحرفية، مع وضع نظم اختبار الأفراد للتأكد من الولاءات والقدرة على الاحتفاظ بالأسرار.
وأخيراً تبدو ظاهرة عدم التوافق السياسي والصراعات السياسية، وضبابية المستقبل السياسي لحكومة السوداني، والفساد المستشري في العراق، وترهل النظام الإداري في العراق، وغياب التنسيق الاحترافي بين مؤسسات الأمن القومي، من اهم العوائق أمام حكومة السيد السوداني. وعلى الرغم من أن هذه الإصلاحات بطبيعتها واسعة النطاق ومعقدة، إلا أنها ستحدد ما إذا كان الأمن القومي العراقي يغرق أو يسبح وسط سياقات إقليمية وعالمية متزايدة التعقيد والقسوة.