- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
إدارة العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق: نحو الاستقرار والتعاون
يضطلع الجانبان بدور يلعبانه في تطوير علاقة بين الولايات المتحدة والعراق مبنية على رؤية السوداني لـ"التعاون المستدام"، وفي التعامل مع الجهات الفاعلة التي يمكن أن تحد من هذه الإمكانية.
قبيل زيارة السوداني لواشنطن، سلط المقال الذي تم نشره في مجلة "فورين أفيرز" من قبل رئيس الوزراء العراقي الضوء على الأهداف الرئيسية لاجتماعه مع الرئيس بايدن وأكد مبدأ "التعاون المستدام". بالنسبة إلى السوداني، تتضمن هذه الأجندة الوعد بإعادة إرساء الاستقرار والأمن في العراق والعمل على نزع سلاح الجماعات المسلحة. "لكن شيئاً فشيئاً، ومع استعادة الأمن والاستقرار، ستختفي الحاجة إلى السلاح الخارج عن سيطرة الدولة ومؤسساتها. ونحن نعمل بشكل متضافر لتحقيق هذه الغاية".لكن المقال وتصريحات السوداني اللاحقة لم تحدد من هي هذه الجماعات ولم تقدم سياسة واضحة حول كيفية تحقيق حكومته لهذا الهدف. وبدون تفاصيل وإرادة سياسية واضحة لدعم هذه التصريحات، ستبقى مجرد مزاعم. كما أن عجز السوداني الظاهر حاليًا عن السيطرة على هذه الجماعات يعيق قابلية تطبيق ذلك على أرض الواقع.
وفق تكهنات المراقبين العراقيين، قد يبرز السوداني كزعيم قوى قادر على قيادة العراق نحو السيادة الفعلية، شرط أن يتخذ خطوات جريئة الآن. لكن وفقًا لمقابلة اجراها المؤلفين مع إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي والأستاذ في جامعة بغداد، لن تؤتي زيارة السوداني التي طال انتظارها وجدول أعماله ثمارهما طالما أن الإدارة الأمريكية الحالية ترى أنه يعمل بصفته رئيسًا لحكومة منبثقة عن تحالف لفصائل مسلحة متحالفة مع إيران.
يرى المحللون في زيارة السوداني الرسمية إلى البيت الأبيض هذا العام فرصة لإبراز قيادته وحشد الدعم الدولي، ما قد يعزز فرص إعادة انتخابه بعد الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها العام المقبل. لكن صعود السوداني إلى السلطة تتخلله مزاعم بتزوير الانتخابات لصالح الفصائل المدعومة من إيران. فالنقاد المحليون والدوليون يعتبرون أن الدور الحالي الذي يلعبه السوداني رمزي إلى حد كبير، بحيث يشكل درعًا سياسيًا لهذه الفصائل.
يعتبر الشمري أن تركيز السوداني على بدء مرحلة جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق من خلال تجاهل العقود التي تطلبها بناء هذه العلاقة، يقوض جهود الحكومات السابقة منذ عام 2003. بالإضافة إلى ذلك، يشير إلى أنه في حين يبرر السوداني وجود الجماعات المسلحة كنتيجة للظروف السابقة، "هذه الجماعات هي مجموعات أسستها إيران، ولديها أهداف متعلقة بالسياسات العسكرية والأمنية والاقتصادية".
وكذلك، يؤكد إياد العنبر، الباحث وأستاذ العلوم السياسية العراقي في جامعة بغداد، في مقابلة معه، أنه عندما يتحدث السوداني عن توازن القوى من جهة ثم يعترف بوجود فصائل معينة وبفعاليتها من جهة أخرى، تطرح هذه التوصيفات إشكالية وتوحي بأنه يعمل في منطقة رمادية. فالسوداني يحاول التعامل مع مطالب الميليشيات المسلحة وأولوياته السياسية الخاصة بينما يؤجل اتخاذ قرار مواجهة هذه الجماعات. ويضعف هذا الموقف السوداني بشكل كبير ويقوض مصداقيته. ويعتبر العنبر أن هذا الواقع أفضى إلى عدة نتائج، من بينها عدم تقديم السوداني خارطة طريق واضحة لكيفية التعامل مع تحول في العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق من شأنه معالجة مخاوف الولايات المتحدة في هذا الصدد من خلال الإشارة إلى أنه سيعتمد نهجًا مباشرًا تجاه أولئك الذين قد يتمردون على موقف الحكومة العراقية بشأن العلاقات الثنائية مع واشنطن.
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك الإعلان الأخير عن تعليق "كتائب حزب الله" هجماتها على القواعد الأمريكية. فبينما عزت إدارة السوداني هذا التوقف إلى الجهود المكثفة التي تبذلها حكومته لكبح جماح الميليشيات، رأى الشمري أن هذا التوقف كان في الواقع قرار إيران، وأن رئيس الوزراء يستخدم هذا القرار لإثبات قدرته على كبح جماح هذه الميليشيات. وتزامن تحديدًا التوقف المفاجئ لهجمات "كتائب حزب الله" مع زيارة مسؤول عسكري إيراني رفيع المستوى إلى بغداد، وتفيد اقتراحات أن لفتة إيران تهدف إلى تجنب الانتقام الأمريكي، وليست نتيجة ضغوط بغداد، ما يؤكد رغبة طهران في الحفاظ على نفوذها الكبير في العراق وانسحاب القوات الأمريكية.
وتشير الحادثة إلى أنه في حين يرغب السوداني في تصوير نفسه على أنه قادر على السيطرة على الجماعات المسلحة العراقية، وعلى الرغم من خبرته الواسعة في السياسة العراقية، يجد رئيس الوزراء نفسه على الأرجح في قبضة الميليشيات والجماعات الإرهابية. وإلى أن يتحرر من هذه القيود، سيؤدي التدخل المستمر لهذه الجماعات في السياسة العراقية إلى تقويض قدرته على إحداث تغيير فعلي.
التعامل مع الديناميكيات السياسية في العراق
من أجل مواجهة هذه الضغوط، يحتاج السوداني إلى دعم دولي ومحلي قوي عندما يتخذ خطوات في سبيل فصل بغداد عن الضغوط الإيرانية. ويضطلع الجانبان بدور يلعبانه في تطوير علاقة بين الولايات المتحدة والعراق مبنية على رؤية السوداني لـ"التعاون المستدام"، وفي التعامل مع الجهات الفاعلة التي يمكن أن تحد من هذه الإمكانية. يتميز المشهد السياسي في العراق بتوازن دقيق للقوى، إذ تملك العلاقة مع الولايات المتحدة تأثيرًا كبيرًا على شرعية الطبقة السياسية الحاكمة واستقرارها. وللتعامل مع هذا المشهد بشكل ناجح، يتعين على القادة العراقيين إعطاء الأولوية للتواصل والتعاون المفتوحين مع نظرائهم الأمريكيين، على أساس الاحترام والتفاهم المتبادلين.
إن زيارات المسؤولين العراقيين إلى واشنطن ليست مجرد مجاملات دبلوماسية، بل يُنظر إليها على أنها فرص لتعزيز السلطة السياسية وتأمين الدعم الحيوي. وتعتبر هذه الزيارة مهمة لوضع أسس ما يشير إليه السوداني بـ"المرحلة الجديدة" من الشراكة الاستراتيجية في أعقاب التحول المعلن عنه مؤخرًا في المهمة العسكرية للتحالف الدولي لهزيمة "داعش" في العراق. وتمثل هذه الاجتماعات المستقبلية فرصة لإظهار الشفافية والالتزام الفعلي بمعالجة الاهتمامات والأولويات المتبادلة، بما يتجاوز المكاسب السياسية قصيرة المدى لصالح البلدين على المدى الطويل.
ويتعين على السوداني من جانبه فرض سلطته على مختلف الميليشيات العاملة داخل العراق، وتقديم نفسه على أنه الزعيم الشرعي للبلاد بالفعل وبالقول أيضًا. ويستلزم ذلك تحدي النفوذ غير المشروع لجماعات مثل "كتائب حزب الله" علنًا وتأكيد دور السوداني الدستوري باعتباره أعلى مسؤول في العراق. على وجه التحديد، ينبغي إقالة قادة الميليشيات الرئيسيين من مناصبهم في السلطة في الحكومة العراقية، بمن فيهم أفراد مثل عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ"أبو فدك"، وحسين فالح عزيز، المعروف باسم أبو زينب اللامي، الذين تهدد علاقاتهم بالمنظمات الإرهابية المصنفة استقرار العراق.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، يجب التوضيح أن واشنطن تحترم السيادة العراقية والوقائع السياسية المرتبطة بها، بينما تكثف جهودها لتفكيك الشبكات المالية والصناعية الداعمة لتلك الميليشيات التي تعيق استقلالية السياسة العراقية. ولتحقيق هذه الغاية، يمكن لواشنطن أن تستهدف القادة والشركات والكيانات المرتبطة مباشرةً بجماعات مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" لزيادة الضغط.
لكن المواضيع الحساسة مثل النفوذ الإيراني ووجود الجماعات المسلحة تتطلب التعامل معها بدقة وحذر وببراعة دبلوماسية. وتُعتبر الجهود التعاونية بين العراق والولايات المتحدة، والتي تقوم ربما على نُهج متعددة الأطراف مع أصحاب المصلحة الإقليميين، ضرورية لمعالجة هذه التحديات المعقدة بشكل فعال. وقد يكون لرد إيران على مبادرات السوداني الدبلوماسية تجاه الولايات المتحدة تداعيات كبيرة على الديناميكيات الإقليمية. لا بد من أن يحافظ العراق على قنوات اتصال مفتوحة مع إيران مع التأكيد على سيادته واستقلاله في علاقاته مع الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وكذلك، قد تؤدي التغييرات في الإدارات الأمريكية إلى ظهور بعض أوجه عدم اليقين في العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق، ما يؤكد أهمية النهج الاستراتيجي طويل الأمد الذي تلتزم به واشنطن على مستوى الحزبين. ويتعين على البلدين أن يسعيا جاهدين لبناء علاقة مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، مع تجاوز السياسات الحزبية والتركيز على الأهداف العامة المتمثلة بالاستقرار والأمن والازدهار في المنطقة. وللحفاظ على هذه العلاقة، يجب على العراق ضمان حماية القوات الأمريكية من خطر الهجمات الانتقامية من قبل إيران ووكلائها، لا سيما في سياق الحرب بين إسرائيل و"حماس".
وفي الختام، يتطلب التعامل مع تعقيدات العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق الالتزام بالحوار والتعاون والتفاهم المتبادل. ويتعين على الجانبين الحرص على التواصل الدبلوماسي مع احترام سيادة الطرف الآخر والوقائع السياسية الخاصة به، وتجنب الإجراءات التي قد تؤدي إلى تصعيد التوترات أو تقويض الثقة.
ومن خلال معالجة التحديات المشتركة وإعطاء الأولوية للمصالح الاستراتيجية طويلة الأمد، يمكن للبلدين المساهمة في الاستقرار والازدهار الإقليميين، ما يعزز العلاقة المبنية على الثقة والاحترام والتعاون، كما يتصورها السوداني في مقاله لمجلة "فورين أفيرز". وستكون الخطوات التالية بمثابة اختبار حاسم لقيادة السوداني والتزامه بمواجهة النفوذ الإيراني في العراق، وقد يمهد النجاح في تنفيذ هذه الإجراءات الطريق أمام مناقشات حول خفض الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. لكن لم يتضح بعد ما إذا كان السوداني قادرًا على التغلب على هذه التحديات وما إذا كانت جهوده ستكون كافية لتأمين دعم الولايات المتحدة وأصحاب المصلحة الدوليين الآخرين.