- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
أغلبية ساحقة من الإماراتيين تؤيد الصرامة إزاء إيران، إنما ليس إزاء قطر أو "الإخوان المسلمين"
في وقت يكشف فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النقاب عن استراتيجية الولايات المتحدة المراجعة لاحتواء إيران، أظهر عدد من الاستبيانات أن شخصيات عربية بارزة في المنطقة تشاركه كراهيته تجاه طهران. وقد أشارت استطلاعات رأي صدرت سابقًا من الأردن والسعودية، وحتى قطر، وُصفت أحيانًا بأنها موالية لإيران، إلى أن أغلبية ساحقة في كل بلد غير راضية عن الدور الذي تؤديه الجمهورية الإسلامية في المنطقة. واليوم، كشف استطلاع مستقل نادر لمواطني الإمارات العربية المتحدة أنهم يوافقون أيضًا إلى حدّ كبير - بهامش 86 مقابل 11 في المئة - حكومتهم وجهة نظرها السلبية إزاء سياسات إيران الراهنة في المنطقة.
وبشكل خاص، توافق الأقلية الصغيرة من المسلمين الشيعة في الإمارات بدورها على هذا التقييم (حوالي 11 في المائة من المجموع، وفقاً لهذا المسح) - وإن كان ذلك بهامش أضيق بكثير من 59 في المائة إلى 39 في المائة. والأكيد أن دولة الإمارات ليست بديمقراطية انتخابية، حيث قد يكون لرأي الناس أثر مباشر على السياسة الخارجية. غير أنه لا بدّ لهذا المستوى من التأييد الشعبي في أنحاء المجتمع، لا سيما بالنسبة لموقف صعب أو قد يسبب انقسامات تتخذه الحكومة الإماراتية، من أن يكون عاملًا مطمئنًا أو مصدرًا للاستقرار.
وفي تناقض صارخ، تبدو المواقف الشعبية إزاء قطر وجماعة "الإخوان المسلمين" أكثر انقسامًا بكثير، وهي بالتالي تمثل جزئياً نقطة اختلاف مع سياسة الحكومة الإماراتية. ويشير ذلك إلى مصدر استياء محتمل أو ضغوطات قد تتنامى في أوساط عامة الناس لتقريب وجهات النظر نوعًا ما في ما يخص هاتين المسألتين اللتين تثيران غضبًا رسميًا. وبينهما، تحظى على ما يبدو التسوية مع قطر بتأييد شعبي أكبر ويمكن تطبيقها من الناحية السياسية أكثر من أي انفتاح إماراتي على جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة. وعلاوة على ذلك، فإن التوصل إلى حل وسط مع قطر قد يساعد على زيادة توافق آراء دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران، في حين أن أي انفتاح رسمي على جماعة الإخوان المسلمين سيؤدي بالتأكيد إلى تعقيد العلاقات الوثيقة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر.
أما بالنسبة لوكلاء إيران في المنطقة، فنظرة الشعب الإماراتي العامة تجاههم لا تختلف كثيرًا عن رأيه بإيران نفسها، إذ لا تؤيد سوى نسبة 7 في المئة ككل من المواطنين الإماراتيين حوثيي اليمن، في حين تصل نسبة مؤيدي "حزب الله" إلى 10 في المئة فقط. غير أنه في الحالة الأخيرة، يختلف شيعة الإمارات عن سائر أبناء بلدهم، حيث لا تزال أغلبية ضيقة (57 في المئة) تدلي بوجهات نظر إيجابية حيال حزب الله. ولا يقل عن هذا غرابة ًالنسبة المنخفضة للغاية، 11 في المائة فحسب، من الذين يعتقدون أنه "من المهم بعض الشيء" بالنسبة للإمارات أن تحافظ على علاقات جيدة مع إيران. ومن باب المقارنة، تتراوح الأرقام المقابلة حول العلاقات مع الولايات المتحدة أو روسيا أو تركيا أو الصين بين 40 و50 في المئة.
علاوةً على ذلك، عندما سئل المستطلعون عن ترتيب الأولويات الأولى والثانية على صعيد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أتت الإجابة على الشكل الآتي "زيادة تصديها العملي لنفوذ إيران وأنشطتها في المنطقة". وقد حل "بذل المزيد من الجهود لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي" في المرتبة الأخيرة، بعد مواجهة الإرهاب الجهادي أو معالجة أزمة اليمن. ولدى سؤالهم عن الخلاف الدائر بين قطر ودول "مجلس التعاون الخليجي"، قال ثلثي الإماراتيين إن "النقطة الأهم هي تحقيق القدر الأكبر الممكن من التعاون العربي ضد إيران".
غير أنه على أصعدة أخرى من صراع حكومتهم مع قطر، يميل الشعب الإماراتي إلى اتخاذ موقف أكثر ليونة. ومن المفاجئ أن تكون أغلبية ضئيلة تعارض في الواقع مقاطعة قطر بهامش 52 مقابل 46 في المئة. وعوضًا عن ذلك، تريد الأغلبية الساحقة (72 في المئة) التوصل إلى "تسوية تقدم فيها جميع الأطراف تنازلات إلى بعضها البعض لبلوغ حل يرضي الجميع". وقد أقر ثلث المستطلعين بأنه "في هذه الحالة، تحتاج الدول العربية إلى المساعدة من قوى خارجية على غرار الولايات المتحدة لتخطي خلافاتها".
ويبدو أن الانقسام في آراء المواطنين الإماراتيين مرتبط بإحدى القضايا الأساسية التي هي على المحك في هذا الجدال الدائر بين الدول العربية: مصير جماعة "الإخوان المسلمين". ففي حين دعمت قطر الجماعة، قامت حكومات الإمارات والسعودية ومص، التي تساهلت لمرة واحدة على الأقل معها، بحظرها، حتى أنها صنفتها كمنظمة إرهابية بشكل رسمي - كما أنها تقاطع قطر، بسبب هذا الخلاف الحاد عمومًا.
لكن الشعب الإماراتي ينقسم حول هذا السؤال الرئيسي: هل يحق لكل دولة عربية "أن تختار بنفسها أي جماعات سياسية ودينية تريد أن تأويها وتدعمها بصرف النظر عن آراء الآخرين؟" لا توافق أغلبية محدودة من الإماراتيين على هذا التصريح. لكن نحو نصفهم تقريبًا (44 في المئة) يوافقون عليه، وينحازون في الواقع إلى قطر في ما يخص خلافها مع الإمارات وأقرب حلفائها العرب.
وفي هذا الصدد، وربما في أكثر إجابة غير متوقعة، قال ثلث الإماراتيين السنّة (الذين يشكلون نحو 90 في المئة من كافة المواطنين) إن نظرتهم "إيجابية نوعًا ما" حيال جماعة "الإخوان المسلمين". ولم يتبدل هذا الرقم إلى حدّ كبير منذ الاستطلاع المماثل السابق الذي أجري قبل عامين على الرغم من حملة رسمية علنية ضد المنظمة. ويشير ذلك إلى أن شكوكًا داخلية لا تزال تساور أقلية لا يستهان بها إزاء موقف حكومتهم غير المتساهل في هذا الشأن. ونتيجةً لذلك، لن تساهم أي تعديلات سواء على صعيد السياسة أو الدبلوماسية العامة في ضمان توافق عام حول هذه القضية التي تبقى موضع جدال كبير.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الاستطلاع أجري في آب/أغسطس من قبل شركة تجارية إقليمية رفيعة الشأن (ولا تعنى بالسياسة على الإطلاق)، من خلال مقابلات وجهًا لوجه مع عيّنة تمثيلية شملت 1000 مواطن إماراتي، مع هامش خطأ إحصائي يقدّر بنسبة 3 في المئة. ونظرًا إلى هذه المنهجية المهنية والضمانات الصارمة بالسرية، تعطي النتائج صورةً غير اعتيادية وموثوقة إلى حدّ كبير عن الرأي العام في هذا المجتمع العربي المتميّز، الذي يُعتبر منفتحًا نسبيًا من الناحية الاجتماعية إنما يصعب دخوله سياسيًا.