- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
احتجاجات السويداء مستمرة رغم الضغوط المتزايدة
إن قدرة الحركة الاحتجاجية على مواجهة الضغوط من نظام الأسد سمحت للسويداء بأن تظل نموذجًا مثيرًا للإعجاب عن التضامن والمثابرة والشجاعة، إلى جانب استعدادها بعد أكثر من عقد من النزاع في سوريا للمطالبة بمستقبل أفضل.
عين الرئيس السوري بشار الأسد، في 12 أيار/مايو، اللواء المتقاعد أكرم علي محمد محافظًا للسويداء. ومن المرجح أن يكون تعيين اللواء محمد، المعروف بقمعه الوحشي للاحتجاجات الباكرة في حلب عام 2011، بمثابة تهديد مستتر من قبل نظام الأسد لحركة الاحتجاج الحالية التي تشهدها المحافظة الجنوبية الغربية. ويتزامن تعيينه مع نشر آليات مسلحة وأسلحة ثقيلة في أطراف السويداء، لا سيما بالقرب من مطار خلخلة وعدد من قواعد أمن الدولة. ولكن على الرغم من هذا التطور المشؤوم، لا يزال سكان السويداء، الذين يشاركون في الاحتجاجات لدعم التغيير السياسي في سوريا منذ آب/أغسطس الماضي، صامدين في حملتهم السلمية.
منذ ما يقارب عشرة أشهر، يتجمع المتظاهرون باستمرار في ساحة الكرامة بمدينة السويداء، وفي مختلف مدن وقرى محافظة السويداء. ويطالب المتظاهرون المجتمع الدولي بمحاسبة الأسد على جرائمه، والإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المختفين قسرًا، وتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2254. وتكمن أهمية هذه الحركة ليس فقط في حجمها ومدتها، بل أيضًا في طبيعتها السلمية. فحتى بعد أن قتلت قوات أمن الدولة جواد الباروكي (52 عامًا) خلال مظاهرة في شباط\فبراير، ظل المتظاهرون والسكان ملتزمين بالمظاهرات السلمية، رافضين اللجوء إلى العنف، وهو تكتيك كان النظام السوري يأمل على ما يبدو في استغلاله لتصوير الحركة كتمرد مسلح.
وباءت محاولات النظام لاختراق الحركة السلمية بالفشل أيضًا، على الرغم من الجهود المبذولة لزرع الفتنة من خلال العملاء وتصوير الحركة كحركة انفصالية درزية. فالمتظاهرون يرفضون أي سردية عن الانقسام الطائفي، وقد نصح الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ الهجري، بعدم عرض العلم الدرزي ذي الألوان الخمسة أو علم المعارضة السورية منعًا للانقسام الداخلي على أساس عرقي أو ديني أو سياسي.
وعندما سُئل أحد الناشطين المحليين عن استمرار الاحتجاجات بالرغم من التحديات، أجاب قائلًا: "على الرغم من أن ساحة الكرامة تستضيف أجندات متنوعة تعكس الانتماءات السياسية للسكان، إلا أنها تستوعب كل من يطالب بالعدالة والحرية. وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر السياسية والاجتماعية، يُجمع المتظاهرون على ضرورة القضاء على نظام الأسد واجتثاث نفوذه المدمر من البلاد، ويفتخرون بإحباط محاولات خلق الانقسامات في ساحة الكرامة، بحيث يتعاملون مع أحداث مثل دخول فصائل مسلحة الاحتجاجات بوعي ملحوظ، مسترشدين بإصرار الشيخ الهجري على اللاعنف وجهود رأب الصدع سلميًا."
لقد باءت محاولات النظام لإخلاء ساحة الكرامة من المتظاهرين، الذين يمثلون شرائح عمرية متنوعة ويضمون الرجال والنساء على حد سواء، بالفشل، وحتى الآن، امتنع النظام عن استخدام القمع المسلح المباشر. وبالنسبة لنظام معروف بوحشيته ضد مواطنيه، قد يبدو هذا التردد في استخدام القوة غريبًا. لكن الأسد اتبع على الأرجح نصيحة حليفته الوثيقة روسيا بتجنب القمع المباشر، بما أن ذلك سيثير غضبًا دوليًا. ويشير مواطنو السويداء إلى وجود أوجه تشابه مع الاستراتيجيات المستخدمة في درعا المجاورة في الماضي، حيث أشرفت روسيا على برامج المصالحة ونزع السلاح التي مهدت الطريق لاستيلاء النظام على المنطقة في نهاية المطاف.
وعلى الرغم من النهج الأكثر "حذرًا" الذي يتبعه النظام تجاه احتجاجات السويداء، أدت الأحداث الأخيرة إلى تصعيد التوترات. فبالإضافة إلى تعيين اللواء محمد وتطويق الجيش لمدينة السويداء، اعتقلت قوات الأمن في اللاذقية، وهي تقليديًا من أقوى الداعمين للنظام، الطالب داني عبيد بتهمة "تقويض سلطة الدولة" بعد أن أعرب عن دعمه لحركة السويداء السلمية على وسائل التواصل الاجتماعي. وردًا على اعتقاله، قامت مجموعات محلية في السويداء باعتقال ضباط كبار من الجيش والشرطة، بمن فيهم العقيد منار محمود، مطالبين بالإفراج عن عبيد. وفي نهاية المطاف، أطلق النظام سراح عبيد، الذي انضم على الفور إلى المتظاهرين في ساحة الكرامة، معيدين التأكيد على مطالبهم الثابتة.
إن قدرة الحركة الاحتجاجية على مواجهة هذه الضغوط سمحت للسويداء بأن تظل نموذجًا مثيرًا للإعجاب عن التضامن والمثابرة والشجاعة، إلى جانب استعدادها بعد أكثر من عقد من النزاع في سوريا للمطالبة بمستقبل أفضل. وقد شرحت ناشطة محلية في مجال حقوق الإنسان وجهة نظرها بشأن ما يبقي أهالي السويداء في الشارع: "إنه الأمل في تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2245، والاقتناع بضرورة محاسبة مجرمي الحرب، لا سيما نظام الأسد، وإدراك أن استقرار سوريا أساسي للسلام الإقليمي".
وأشارت الناشطة إلى أن مشاركة القيادة المحلية كانت أيضًا أساسية: "إن الدعم من شخصيات دينية محترمة مثل الشيخين الهجري والحناوي يضفي المصداقية ويعزز الإرادة الشعبية، بحيث يربط هذه الحركة بالنضال الوطني والاحترام التاريخي الذي تحظى به طائفة الدروز على خلفية مساهماتها في نضال الشعب السوري من أجل حياة أفضل. ويوفر الصدى الإيجابي لهذه الحركة في جميع أنحاء سوريا وبين اللاجئين أملًا جديدًا بمعالجة الأزمة الاجتماعية والسياسية المعقدة التي بدأت منذ قيام النظام الحالي".
ستستمر احتجاجات السويداء ما لم يتم قمعها بعنف من النظام السوري، بما أنها تستمد زخمها من الدعم الشعبي السوري في عدة مناطق. فبالنسبة للعديد من السوريين في الخارج والداخل، أصبحت هذه الاحتجاجات بمثابة شعلة أمل للخلاص، لا سيما في ظل التضامن مع الحركة السلمية الجديدة ضد زعيم "هيئة تحرير الشام" الجولاني في منطقة إدلب، والتي تطورت في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية ولا تزال مستمرة حاليًا.
ويدعم المتظاهرون السلميون في شمال سوريا انتفاضة السويداء منذ انطلاقتها، باعتبارها امتدادًا للثورة السورية التي اندلعت عام 2011. وكذلك، بعد بدء الاحتجاجات الأخيرة ضد "هيئة تحرير الشام" والجولاني في الشمال السوري، حمل المتظاهرون في ساحة الكرامة في السويداء لافتات مؤيدة لهذا الحراك السلمي ضد الجولاني و"هيئة تحرير الشام"، مؤكدين أن السوريين من كل بقعة في سوريا سيظلون واقفين صفًا واحدًا ضد الظلم والاستبداد ما داموا قادرين على القيام بذلك.
مصدر الصورة: السويداء الثورة و الحراك السلمي