- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
أجندة "مجدية" جديدة لحلّ اللغز السوري
هناك عدة خطوات يمكن أن تتخذها إدارة بايدن لتقوية حلفائها في سوريا ودعم حل سلمي.
تعثرت السياسة الأمريكية في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية في سعيها إلى تحقيق أهدافها، أي إنهاء الوجود الإيراني في البلاد والقضاء على مخلفات تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") في المناطق الواقعة شرق الفرات والخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة. ونتيجةً لذلك، فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها ومكانتها بين المجتمعات العربية التي يشكل فيها تهديد "داعش" مصدر قلق دائم. كما أن فشل السياسات هذا يترك المناطق تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تشكل ربع مساحة سوريا تقريبًا، غير مستقرة وغارقة في الصعوبات.
إزاء هذه التحديات المرتبطة بالسياسات، طرح تشارلز ثيبوت، في مقالة نشرها معهد واشنطن تحت عنوان "أجندة دبلوماسية قصيرة المدى للُّغز السوري"، عددًا من المقترحات المهمة التي يمكن لإدارة بايدن النظر فيها لمعالجة الأزمة السورية. وتؤكد هذه المقترحات الحاجة إلى أن تقوم الإدارة الأمريكية ببعض التعديلات البسيطة على السياسات السابقة التي أعاقت تحقيق الأهداف المعلنة للوجود الأمريكي في سوريا. وتقترح هذه المقالة عدة مبادرات إضافية تنطلق من مقترحات ثيبوت لعرض سياسة أمريكية بشأن سوريا تتمتع بفعالية أكبر وتعالج بعض التحديات الصعبة الموجودة حاليًا على الأرض.
ترتبط المسائل الراهنة التي تؤثر سلبًا على الأهداف الأمريكية في سوريا بالأعمال التقسيمية التي تمارسها "قوات سوريا الديمقراطية" وبالديناميات العرقية في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها. فقد أظهرت "قوات سوريا الديمقراطية" بشكل واضح تفضيلها لعناصرها الكردية في مجالَي القيادة وصنع القرار. وعنى هذا التفضيل غياب أي مشاركة عملية وفعالة للعرب - الذين يشكلون نحو 85 في المائة من سكان المنطقة – في عمليات صنع القرار ورئاسة الإدارات المدنية. لذلك، فقدت عمومًا المؤسسات المدنية لدى "قوات سوريا الديمقراطية" شرعيتها بين السكان المحليين وأصبحت "واجهات هشة" لهيئة حاكمة فشلت في حماية شعوب المنطقة أو حكمها بالشكل المناسب، ويعود ذلك جزئيًا إلى هذا التهميش العرقي.
ومن أسباب هذا الفشل أيضًا عجز "قوات سوريا الديمقراطية" عن معالجة القضايا الأمنية التي ظهرت بعد الانسحاب الكبير لتنظيم "داعش". فهذه التهديدات التي بقيت بدون معالجة أدت إلى زيادة عدد الاغتيالات التي لم يتم حلها. كما أن "قوات سوريا الديمقراطية" استغلت تهديد "داعش" لاتهام الأصوات الوطنية السورية المعارضة بالتعامل مع "داعش" بدون أي دليل ملموس على ذلك، علمًا بأن هذه الممارسة تشبه للمفارقة ممارسات نظام الأسد.
في إطار معالجة هذه القضايا، ينبغي على الإدارة الأمريكية الجديدة اتخاذ تدابير عملية وفعالة في سوريا. وفي إطار تطوير ما سمّاه تشارلز ثيبوت بـ "الصبر الاستراتيجي"، يجب على الإدارة الأمريكية التركيز على القضاء على الفساد وتمكين الأنظمة الديمقراطية في سوريا.
بدايةً، يجب على الولايات المتحدة وشركائها فرض المزيد من الضغوط والعقوبات على نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين لحملهم على الامتثال للقرارات الدولية. وفي نهاية المطاف، لا بد أن تواصل الولايات المتحدة وشركاؤها التأكيد على ضرورة ألا يبقى الأسد في السلطة، والمساعدة على إحالته هو ومَن حوله إلى المحاكم الدولية بسبب ما ارتكبوه من انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب.
ويقول تشارلز ثيبوت إنه عند تشكيل حكومة سورية جديدة، لا بد من "تحديد مهلة نهائية للّجنة الدستورية" لأن "هذه اللجنة التي تقودها الأمم المتحدة لم تقدّم أي نتائج ملحوظة بعد مضي أكثر من عام على وجودها". ويجب التشديد بعد ذلك على أن صياغة الدستور هي مسألة يقررها الشعب السوري في النهاية، بما أن النظام وتركيبته لا يرضيان بالمشاركة. وتستدعي صياغة دستور جديد ظروفًا مناسبة لتشكيل "هيئة حاكمة انتقالية" على النحو المحدد في قرار الأمم المتحدة رقم 2254، من أجل استلام الدفة في صياغة الدستور. ثم تتم المصادقة على هذا الدستور من خلال انتخابات شفافة يشارك فيها السوريون في الداخل وفي دول اللجوء تحت إشراف الأمم المتحدة والقوى الفاعلة على الأراضي السورية، وأبرزها برأينا هي الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والسعودية ودول الاتحاد الأوروبي.
في ما يخص وجود الولايات المتحدة على الأرض ودعمها لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، يجدر بها اعتبار حدود المناطق التابعة لهذه الأخيرة حدودًا مؤقتة ستصبح باطلة عند انتهاء "الأزمة السورية" وفقًا للشروط المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة وأبرزها القرار 2254. من هنا، يجب على الإدارة القادمة أن تعتبر هذه المناطق جزءًا لا يتجزأ من الأراضي السورية وألا تدعم أو تشجع مطالبات الانفصال التي يرفضها السوريون.
وفي سبيل تحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمنية، عليها التعاون مع تركيا لتجنيد خبراء عسكريين سوريين يتمتعون بسجل نظيف في مجال حقوق الإنسان وبميول قومية صافية، وذلك من أجل إنشاء هيئة مسلحة تكلَّف بطرد الميليشيات المدعومة من إيران و"داعش" من سوريا. وبغض النظر عن الخلفية العرقية أو الطائفية لأعضاء تلك الهيئة، عليهم تبنّي روح الكفاءة والقومية السورية تحت راية واحدة هي "راية الاستقلال" التي رفعها السوريون في ثورتهم ودفعوا ثمنها نهرًا من الدماء. أما الرايات الأخرى التي تسبب الحساسيات لدى السوريين فيجب إزالتها.
علاوةً على هذه الهيئة العسكرية، يجب على الولايات المتحدة أن تشجع وتساعد على تشكيل قوة أمنية محترفة وغير قمعية مكونة من عناصر الشرطة والمؤسسات الأمنية. ومن خلال ضمان السلامة العامة في المناطق المأهولة، سوف تؤمّن هذه القوة الظروف اللازمة لحصول السكان على حياة آمنة تساعدهم على العودة إلى أعمالهم السابقة. ومن الضروري أن تحترم هذه القوة حقوق الإنسان والقانون الدولي.
وإلى جانب الاهتمام بمجال إنفاذ القانون، على الولايات المتحدة التشديد على ضرورة تشكيل هيئة قضائية محترفة وفعالة من قضاة ومحامين سوريين، على أن تكون هذه الهيئة مبنية على القانون السوري، وذلك بعد وقف تنفيذ القوانين التي أصدرها نظام الأسد لتبرير ممارساته الإجرامية بحق الشعب السوري وتلك التي ارتكبتها أجهزته الأمنية. وسوف تحل هذه الهيئة محل القضاء الشرعي ومحاكم الشعب والهيئات القضائية الأخرى التي تتبناها أطراف النزاع في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.
فضلاً عن ذلك، يجب على الولايات المتحدة استعمال الأرباح من إنتاج النفط لتلبية احتياجات الأراضي "المحررة" من سيطرة نظام الأسد والميليشيات الإيرانية والميليشيات المدعومة من روسيا. وثمة ضرورة حاسمة لأن تدعم الإدارة الرقابة الشفافة على عائدات فائض الإنتاج لكي لا ينتهي بها المطاف بين أيدي ما تبقى من خلايا "داعش" النائمة. وكذلك يجب على الإدارة منع "قوات سوريا الديمقراطية'' من التصرف الأموال للنظام السوري من خلال شركة القاطرجي المدرجة على قائمة وزارة الخزانة الأمريكية لداعمي الإرهاب، وقطع إمدادات الكهرباء من سد الفرات، الذي يساعد النظام السوري على التملص من التبعات المترتبة عن عقوبات قانون قيصر.
بعد ذلك، يجب استخدام الأموال من إنتاج النفط لإعادة بناء الخدمات الحيوية في تلك المناطق، على أن تركز هذه المشاريع على بناء مدارس تلتزم بمناهج مناهضة للتطرف وتوظّف مدرّسين متخصصين، بالإضافة إلى تحسين نظام الرعاية الصحية المشلول حاليًا وإصلاحه ليتمكن السوريون من إدارة انتشار وباء "كوفيد-19". وثمة خطوة جوهرية تحتاجها هذه المشاريع، وهي تفعيل إدارات الخدمة المدنية والبلديات وتوفير التمويل الكافي لها.
ومن الضروري الحرص على إسناد عقود مشاريع إعادة الإعمار لموظفين عموميين أكفاء من غير الفاسدين. وعند البحث عن موظفين أكفاء وقادرين، يجب على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة المحلية التابعة لها التنسيق مع حكومات دول اللجوء التي تستضيف لاجئين سوريين، لكي يتمكن السوريون المقيمون في تلك الدول، لا سيما أصحاب المهارات الطبية والعلمية منهم، من العودة إلى بلادهم. وهذا يساعد على وقف التغير الديموغرافي الجاري وتسريع عملية إعادة الإعمار التي ينتظرها السوريون.
وحرصًا على غياب الفساد عن عملية تطوير الخدمات المدنية بشكل أكبر، يجب على الولايات المتحدة التشجيع على توحيد الأطراف المسؤولة عن توزيع الدعم المدني والإغاثي والعسكري، على أن يتم هذا التوحيد تحت إشراف الأمم المتحدة ووفق معاييرها، سيما وأن تقارير إعلامية عديدة تحدثت عن تهريب مواد الإغاثة وحذرت من وصول الأسلحة إلى تنظيمات مصنفة على قائمة الإرهاب.
أخيرًا، وفي إطار الجهود الإضافية لتوحيد الأطراف المعنية، يتعين على الولايات المتحدة العمل مع حليفَيها التركي والسعودي لتوفير الشروط اللازمة لإنشاء هيئة سياسية تكون بديلًا عن "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" المدعوم من تركيا و"الهيئة العليا للمفاوضات" المدعومة من السعودية ومجالس "الإدارة الذاتية" المدعومة من الولايات المتحدة. ومن شأن هذه الهيئة اقتراح مشروع وطني يأخذ في الحسبان الأهداف التي انطلقت الثورة السورية من أجلها، ويؤكد على وحدة الأراضي السورية ويشدد على أن سوريا هي وطن لكل السوريين بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الطائفية. وسوف يتم تأسيسها لإرساء علاقات متوازنة مع العالم وتنفيذ خطة واضحة وشجاعة حول العلاقات مع الدول المجاورة، بما فيها إسرائيل.
إن هذه الخطوات المقترحة عملية وتتطلب "الصبر الاستراتيجي" الذي اقترحه تشارلز ثيبوت. ومن الممكن التأسيس لبداية حل ينتهي باستقرار المنطقة وطرد الميليشيات الإيرانية وعودة اللاجئين الآمنة. لكن هذه المقترحات ليست نهائية، بل هي بحاجة إلى التطوير، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحوار الشفاف. وإذا تم تنفيذ هذه المقترحات بالشكل الصحيح، يُفترض أن تساهم في تحقيق أهداف الولايات المتحدة المتمثلة في القضاء على عناصر "داعش" المتبقين في البلاد، وحماية آبار النفط وتوجيه أرباحها نحو مساعي إنعاش المنطقة، فضلاً عن توفير الأمن بعد أن تنجز القوات الأمريكية مهمتها.