- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2796
اجتماع ترامب -عباس: المواضيع، والقيود، وسبل التقدم
"في 1 أيار/مايو خاطب غيث العمري، إهود يعاري، ديفيد ماكوفسكي، ودينيس روس منتدى سياسي في معهد واشنطن. والعمري هو زميل أقدم في المعهد ومستشار سابق للسلطة الفلسطينية، ومؤلف التقرير الأخير باللغة الانكليزية "الحوكمة كطريق لتجديد النشاط السياسي الفلسطيني". ويعاري هو زميل "ليفر" الدولي في المعهد ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في "القناة الثانية" في التلفزيون الاسرائيلي. وماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز في المعهد ومؤلف مشارك (مع روس) في المذكرة السياسية "نحو صيغة جديدة لمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وروس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في المعهد ووسيط الولايات المتحدة السابق في عملية السلام. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
غيث العمري
الوضع السياسي على الأراضي الفلسطينية يشبه اليوم ذلك الذي سادها في مرحلة ما قبل الانتفاضتين الأولتين، مما ينذر باندلاع هيجان آخر. ويعني ذلك أنّ السلطة الفلسطينية تفتقر إلى الشرعية بسبب الفساد وسوء الإدارة، وعدم القدرة على تسجيل إنجازات في عملية السلام. وحيث تفتقر السلطة الفلسطينية إلى الدعم الشعبي، فإنها تتمتع بسيطرة ضعيفة على آليات الرقابة الحكومية. كما أن الافتقار الملموس للإيمان في عملية السلام يجعل الوضع أكثر تقلباً. وفي الواقع، إذا لا يرى الفلسطينيون أن أهدافهم تتحقق بالطرق الدبلوماسية، فقد يلجأون إلى طرق أخرى لمعالجة مشاكلهم.
وثمة عامل آخر يشير إلى إمكانية اندلاع انتفاضة جديدة، يتعلق بالأجيال: فالفلسطينيون الأصغر سناً اليوم لا يتذكرون ببساطة ثمن الانتفاضات السابقة. وحتى الآن، وضعت قوات أمن السلطة الفلسطينية حداً للتوتر، ولكن صلاحياتها محدودة لاحتواء المعارضة. ويشكل حصول السلطة الفلسطينية على شرعية واسعة بين الجمهور الفلسطيني أفضل طريقة لمنع الانتفاضة حقاً. وقد يتطلب ذلك ضغوطاً قوية لتنفيذ إصلاحات الحكم، والقضاء على الفساد، وفتح المجال السياسي للحوار على مستوى القاعدة.
وفي السياق الإقليمي الأوسع، قد تكون السعودية ودول الخليج الأخرى على استعداد للمساعدة في [إيجاد حل] للوضع الفلسطيني، ولكن يجب على الولايات المتحدة أن تظهر أولاً التزاماً جاداً لمواجهة إيران، العدو الإقليمي لهذه الدول. وما أن يتم التأكد من هذا الالتزام الأمريكي، قد تكون دول الخليج على استعداد للانضمام إلى حوار مفتوح بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، الذي يمكن من خلاله دعم واستنهاض السلطة الفلسطينية حسب الضرورة. وإذا أظهرت الدول العربية مشاركتها في هذه العملية، سوف يضطر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى البقاء منخرطاً [في السعي للنهوض بعملية السلام].
إهود يعاري
بينما يتوجه محمود عباس في طريقه إلى واشنطن، يجب أن يضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الاعتبار السياق المحلي الفلسطيني في سعيه لإقامة حوار يؤدي إلى حدوث تحسينات ملموسة في الوضع الدبلوماسي.
ومن جانبه، يدرك عباس هشاشة موقفه في السلطة الفلسطينية ويتّخذ خطواتٍ قوية لحماية نفسه. فقد عمد إلى توجيه تحذيرٍ إلى مدير جهاز المخابرات ماجد فرج بعد أن بدا له أنّ فرج قد عزز سلطته إلى حد كبير. وبالإضافة إلى ذلك، يتردد عباس في اختيار خلفٍ له، خوفاً من أن تتمتّع هذا الشخصية بالسلطة على حسابه. وتعني قبضته الهشة على السلطة أيضاً أنه من غير المرجح أن يتوصل الى اتفاق سلام حول الوضع النهائي، حتى لو قدّم الإسرائيليون عرضاً سخياً نسبياً. فهو لا يريد أن يُعرف بأنه الزعيم الذي خان الالتزام الفلسطيني بالسماح لملايين اللاجئين بالعودة إلى ديارهم. بالإضافة إلى ذلك، يدرك عباس أن ترامب سيكون محاوراً أشد قسوة من أوباما، ومن المرجح أن يسعى رئيس السلطة الفلسطينية إلى تقليل الأضرار المحتملة التي قد تلحق باسمه خلال الاجتماع مع ترامب.
وقد شددّ عباس الخناق على «حماس»، في الأراضي الفلسطينية، من خلال وقف تمويل الكهرباء وخفض رواتب الموظفين. وفي غضون ذلك، أشارت «حماس» إلى رغبتها المحتملة في المشاركة في نوع من الترتيبات لتقاسم السلطة مع حركة «فتح» التي يتزعمها عباس، في قطاع غزة. ومن الناحية العملية، قد يشبه دور «حماس» ذلك الذي يتمتع به «حزب الله» في لبنان، حيث تدير الحكومة اللبنانية رسمياً مؤسسات الدولة وقواتها الأمنية ولكن الحزب المتشدد يحظى بسلطة أكبر بحكم الأمر الواقع.
وإجمالاً، لا يبدو أن الظروف قد حانت لتحقيق تقدم كبير بشأن اتفاق الوضع النهائي، وأن محاولة فاشلة قد تأتي بنتائج عكسية. وبدلاً من ذلك، ينبغي على إدارة ترامب وضع الأساس لاتفاق مؤقت وسخي تقوم إسرائيل بموجبه بالتخلي عن سيطرتهاعلى معظم أراضي الضفة الغربية لصالح الفلسطينيين. وإذا كان ترامب حريصاً على تحقيق فوز فوري، بإمكانه أن يطلب من عباس الاعتراف بالصلة التاريخية التي تربط اليهود بإسرائيل والقدس. ولكن عليه أن يعترف بعدم وجود احتمال كبير للتوصل إلى اتفاق الوضع النهائي - والتصرف وفقاً لذلك.
ديفيد ماكوفسكي
يفخر عباس في تحدّيه السابق للولايات المتحدة إلى درجة أنه أعلن ذات مرة بأنه قد رفض اثني عشر [طلباً] للرئيس السابق باراك أوباما. ومع ذلك، أشار الرئيس ترامب، بأنه لن يكون سهلاً مع عباس كما كان أوباما معه، وسوف يكون أقل استعداداً لقبول الرفض كجواب. وحيث سيدرك عباس على الأرجح هذه الدينامية المتغيرة، فسوف يكيّف نفسه لهذا الواقع الجديد. كما سيتمتع بكونه في دائرة الضوء من جديد، التي هي نتيجة لاهتمام الولايات المتحدة المتجدد في عملية السلام. ولذلك، سيريد الحفاظ على أهميته مع ترامب.
وفي حين من المؤكد أن الدول العربية مهتمة في تجديد عملية السلام، إلّا أنه من غير المرجح عقد مؤتمر اقليمي كبير في المستقبل القريب. ولكي يكون هذا المؤتمر فعالاً، يجب أن يمثل الخطوة الأولى في عملية تستغرق وقتاً أطول، بدلاً من أن يكون مجرد حدث منفرد. وفي الواقع، إن استهلاك طاقة كبيرة على مؤتمر غير دائم لا يسفر عن أي تغيير جوهري يجازف بتبديد مصداقية الرئيس الأمريكي.
وعلى الجانب الإسرائيلي، يقرّ المسؤولون بشكلٍ متزايد الأهمية الملحّة للمسألة الفلسطينية. وقد حددها الرئيس السابق لـ "الموساد" الإسرائيلي، تامير باردو، علناً بأنها تشكل أهم تهديد وجودي لإسرائيل. ولمعالجة هذه المسألة وغيرها المهمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عليه الحفاظ على علاقته الجيدة مع ترامب. وقد أظهر هذا الالتزام عندما أعلنت إسرائيل من جانب واحد عن نيّتها تحديد بناء المستوطنات إلى حدٍ ما، في استجابةٍ واضحة لدعوة الرئيس ترامب إلى القيام بمثل هذه الخطوة. وأمِل نتانياهو طوال تولّيه منصب رئيس الحكومة أن يتعامل مع رئيسٍ من الحزب الجمهوري. فإذا فشل في التوافق مع هذا الرئيس، سوف يبدو وكأنّه هو المشكلة، وليس الأمريكيون.
دينيس روس
الإسرائيليون والفلسطينيون متشائمون اليوم من إمكانية التوصل إلى اتفاقٍ نهائي، تماماً كما كانوا في السنوات الثلاثين الماضية. لكن على الرغم من سهولة اللجوء إلى تجاهُل المشكلة، لن يكون السماح بقيام فراغٍ في السلطة خياراً عملياً. وكما أظهرت التجربة في العراق وسوريا، وكذلك في السياق الفلسطيني، سوف تقوم أسوأ الجهات الفاعلة بملء هذا الفراغ. وبما أن الرئيس ترامب عبّر بوضوح عن اهتمامه بالقضية الإسرائيلية -الفلسطينية، عليه أن يتبع نهجاً في اجتماعه مع عباس يكون قائماً على تمكين رئيس السلطة الفلسطينية على تحسين الوضع.
وعلى وجه الخصوص، يتعيّن على ترامب أن يقدّم طلباً لعبّاس [باتخاذ خطوة ما]، لكن ما هو أهم من ذلك، عليه ألّا يتوقّع ردّاً فورياً من هذا الأخير. بل يجب أن يعطي عباس المجال للاستجابة إلى الطلب بشكلٍ أو بآخر على مدى فترةٍ محدّدة، لكن مع الإصرار في الوقت نفسه على قيام عباس باتخاذ [خطوات أخرى]. "ولا يشمل" هذا الطلب اقتراحين سائدين هما، عقد اجتماع منفرد بين نتنياهو وعباس أو وضع حد للضغط الذي تقوم به السلطة الفلسطينية لتدويل النزاع، حيث لن يكونا فعّاليْن نظراً لأنهما لا يغيّران الظروف بشكلٍ فعلي على الأرض.
وعوضاً عن ذلك، بإمكان ترامب أن يطلب من عباس وقف التمويل لـ "صندوق الشهداء"، وهو كيان يقدّم مدفوعات نقدية للفلسطينيين الموجودين في السجون بتهمة قتل الإسرائيليين. وبالنسبة لعباس، ستكون هذه خطوة صعبة، نظراً لأن فكرة النضال ضد إسرائيل أمراً أساسياً للهوية الفلسطينية. ووفقاً لذلك، سيكون لإنهاء هذه المدفوعات صدى قوي مفاده أن عباس على استعداد لاتخاذ الخطوات اللازمة للتوصل إلى تسوية. وبدلاً من ذلك، بإمكان ترامب أن يطلب من عباس الاعتراف بصيغة دولتين لشعبين، وهو شرط لإرساء الأسس لاتفاق الوضع النهائي. ولكي يحدث ذلك، يجب أن يعترف عباس بوجود حركتين قوميتين، إحداهما إسرائيلية والأخرى فلسطينية.
وإذا أثبت عباس بأنه غير مستعد لتقديم أي تنازلات، فعندئذ يمكن للولايات المتحدة أن تنشر موضوع عدم التزامه [بما اتُفق عليه]. وتمثل الشرعية الدولية للقضية الفلسطينية، إحدى أهم إنجازات الفلسطينيين. وإذا وصفت واشنطن عباس علناً بأنه شخص متعنت، فإن ذلك يمكن أن يقوّض شرعيته التي حصل عليها بشق الأنفس، الأمر الذي يمنح نفوذاً للأمريكيين في المحادثات.
إن ضم الدول العربية إلى هذا الحوار لا يقل أهمية، إلّا أن هذه البلدان تريد تأكيدات بأن الولايات المتحدة تأخذ التهديد الإيراني على محمل الجد كما يفعلون. وإذا رأت العواصم العربية أن واشنطن تضع استراتيجية لمواجهة الإيرانيين وإجبارهم على دفع ثمن لسلوكهم الإقليمي، فعندئذ سوف تكون أكثر استعداداً للمساعدة في توفير غطاء لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين لكي يتخذوا قرارات صعبة.
أعد هذا الملخص أرييه ميلمان.