- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الإدارة الفاشلة وملف كورونا في محافظة دير الزور
تشير الإحصاءات إلى أن كلاً من حكومة دمشق والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قد فشلا في مكافحة فيروس كورونا بشكل فعال في محافظة دير الزور.
مما لا شكّ فيه أنّ تفشى جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) قد شكل تحديات غير مسبوقة لأنظمة الرعاية الصحية العالمية، لكن في بلد مثل سوريا والتي تشهد صراعًا عنيفًا منذ أواخر 2011، فرض تفشى الجائحة ضغطًا شديدًا على أنظمتها الصحية التي تعاني بالفعل من الضعف وهشاشة بنيتها التحتية. وينطبق هذا بشكل خاص على محافظة دير الزور والتي نقع في شرق سوريا حيث أدى التمزق الإداري بين الأطراف المتناحرة وعدم الكفاءة ونقص الوعي الاجتماعي إلى مواجهة تفشى الوباء بشكل غير كافي.
وبشكل عام، يبدو من خلال تتبّع خريطة انتشار وباء كورونا في دير الزور والتي صدرت من جهتين إداريتين هي "وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام بدمشق" التي تسيطر إداريًا على مناطق غرب نهر الفرات، "وهيئة الصحة والبيئة" التي تتبع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" والتي تشرف على إدارة البنية التحتية الصحية في مناطق شرق الفرات. الإداريتين منفصلتان تمامًا، كما تتسم العلاقة بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وحكومة دمشق في بالعدائية.
أدى الانقسام الإداري في محافظة دير الزور إلى قصور شديد في فهم الجائحة وطرق مواجهتها، حيث لا تقوم وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام بدمشق "، ولا هيئة الصحة والبيئة" بإجراء المسوح في دير الزور، حيث إنّ مركز المسوح التابع لهيئة الصحة يقع في القامشلي، بينما تقع مراكز المسوح التابعة لوزارة الصحة في تسع مراكز أقربها في حمص. كما أنّ الوعي المجتمعي وقلّة أنشطة التوعية بآثار الوباء وخطورته تؤدي إلى الحيلولة دون رغبة الناس في إجراء المسوح والاكتفاء بالبقاء في المنزل في حالات كورونا، بينما لا يذهب للمشافي والأطباء إلا الحالات الحرجة وفي مراحل الخطر النهائية.
إحصاءات متعلّقة بكوفيد-19 صادرة عن وزارة الصحة التابعة للنظام
تُصدر وزارة الصحّة منذ نهاية سبتمبر / أيلول 2020 إحصائيات متعلّقة بكرونا عبر موقعها الرسمي، وهي إذ تنشر هذه الإحصاءات فإنّها تُحصي تلك الحالات التي تم إجراء المسوح لها في مراكزها، يُضاف إلى ذلك أنّها لا تسيطر على كامل المحافظة، ما يجعل الأرقام تخصّ مناطق غرب الفرات فقط. وقد بدأ مؤشّر الإحصاءات في مطلع شهر يونيو حزيران 2020، وهو وقت متأخر عن الظهور الحقيقي للوباء الذي اجتاح العراق وإيران وتركيا قبل هذا التاريخ، وبالطبع اجتاح سوريا أيضًا بشكل شبه مؤكد. ومع ذلك، تحتوي الإحصاءات التي قدمتها وزارة الصحة على بيانات قيمة تعكس مدى نقص الموارد التي تقدمها الحكومة السورية لمحافظة دير الزور، كما تُظهر محاولات النظام للالتفاف حول التداعيات السياسية الخطيرة الناتجة عن نزايد حالات الإصابة بفيروس كورنا في المنطقة.
يبلُغ عدد الحالات في دير الزور فقط 0.6 % من مجمل عدد الحالات المُعلنة في سوريا حيث وصل عدد الإصابات في دير الزور 149 حتى الآن، الحالات النشطة منها 30، والشفاء 93، والوفيات 26 حالة. ويتبين من الرسم البياني أنّ نسبة الإصابات في دير الزور يبلغ 1.4 % فقط من نسبة الإصابات.
ومع ذلك، فإن الانخفاض الذي نشهده في عدد الإصابات في دير الزور يمكن أن يكون انعكاسا لعدم كفاية مراكز الفحص والرعاية الصحية في المنطقة، وهو اتجاه يبدو أن إحصائيات وزارة الصحة قد نشرته على نطاق واسع. فعلى سبيل المثال، يدير نظام الأسد حاليًا سبعة مخابر موزعة في (دمشق مخبران، ريف دمشق، حمص، حماه، اللاذقية، حلب)، حيث لا يوجد في دير الزور مخابر، ولا حتى في محيطها، وأقرب معمل للتحاليل في دير الزور يقع في حلب.
هناك مركز معالجة (عزل) واحد في دير الزور، من أصل 151 مركزا في عموم سوريا أعلاها في حمص بـ 34 مركزا، و22 مركزا في دمشق، و25 في اللاذقية.
وبالمثل، لا يوجد في سوريا سوى 9 مراكز، وهناك مركز من هذه المراكز في دير الزور في مشفى الفرات. وخلاف قضية التوزيع غير العادل، تشير هذه الإحصائية إلى نقص عام في مراكز الحجر الصحي في سوريا.
لكن عدا قضية تخصيص الموارد، يمكن أن تعكس بيانات وزارة الصحة عن دير الزور أيضًا التلاعب المتعمد لتحقيق لأغراض سياسية. ولا سيما فيما يتعلق بتوزّع حالات الإصابة بحسب الأسباب، فإن مؤشر دير الزور يقول بأنّ الإصابات جميعها محلّية، وليس هناك أرقام حول كونها ناتجة عن العمل أو من الخارج.
وتعدّ الميلشيات الإيرانية والتي تتبع لها، مصدرا لانتشار الوباء في مناطق غرب الفرات، حيث يقدر عددهم أكثر من 15 عنصر في هذه الميليشيات وقد تفشّى كورونا بين صفوفهم مؤخرا مع الموجة الجديدة لكورونا، حيث نقلت مصادر إصابة أكثر من 65 عنصرا بحالات استدعت دخول المشفى (مشفى الزهراء) في الميادين، إلى جانب محاولات تجهيز أماكن أخرى، حسب ما نقلت وسائل إعلام. وهنا يبدو أنّ الأرقام تجنّبت الحديث عن حالات من الخارج لكي لا يتم الإشارة إلى الحالات التي جلبها عناصر القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها.
في حين أن تجنب ذكر حالات الإصابة بحسب الأسباب قد يشير أيضًا إلى نقص الدقة في جمع البيانات الضرورية والإبلاغ عنها، فمن الواضح أن جهود وزارة الصحة لتوثيق ومكافحة الجائحة في دير الزور كان لها دوافع سياسية وغير كافية إلى حد كبير.
إحصاءات متعلّقة بكورونا صادرة عن هيئة الصحّة التابعة لمناطق الحكم الذاتي
ظهرت أولى حالات الإصابة بكورونا في مناطق الإدارة الذاتية في مارس/آذار 2020 إلا أنّ الإحصاءات لم تصدر بشكل رسمي عن هيئة الصحة إلا في نهاية شهر يوليو/تموز 2020 وبالتحديد في 26 و28 منه، وقد كانت الحالات حينها 5 فقط في دير الزور، وقد بلغت الحالات في دير الزور في الحدود الدنيا مقارنة مع المناطق الأخرى التابعة للإدارة الذاتية في الحسكة والرقة، ففي حين بلغت الحالات 549 حالة فإنّ الحالات في جميع مناطقها بلغت 15176 حالة إصابة، فيما بلغت الوفيات من مجموع حالات الإصابة العامة 519 حالة وفاة، و1538 حالة شفاء، فيما لا تظهر الإحصائيات الأعداد المفصّلة للوفيات وأماكنها بشكل منتظم.
ومع ذلك، وكما هو الحال مع الإحصاءات الواردة من وزارة الصحة في حكومة دمشق، فإن الأرقام الصادرة عن "هيئة الصحة والبيئة" تدل على ضعف الاستجابة وليس تراجع التهديد.
ومع ذلك، فإن "هيئة الصحة والبيئة " التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور، لديها عددا من مراكز الاختبار في دير الزور وهو ما يحسب لها، وتشمل هذه المراكز مركز في مشفى الكسرة في منطقة الصور، بالإضافة إلى الفرق الطبية الجوالة التي تتبع للهلال الأحمر الكردي وبالتنسيق معها وتأخذ المسحات وتجمعها وترسلها لمركز الاختبار في القامشلي. ومع ذلك، وفي ما يتعلق بالعلاج، فمن أصل سبعة مشافي، هناك ثلاثة مشافي فقط تستقبل الحالات المصابة بكورونا في مناطق الحكم الذاتي بطاقة استيعابية تبلغ 10 أسرة في كل موقع.
نقص الوعي الاجتماعي في مواجهة الجائحة
بالإضافة إلى الموارد والبنية التحتية غير الكافية، تفتقر دير الزور إلى الوعي الاجتماعي حول الفيروس وآثاره، حيث إن مناطق دير الزور فيها مساحات ريفية شاسعة، وتفتقر أساسا لبنية صحية سليمة، وهي إلى ذلك منطقة عشائرية، تحكمها عادات مجتمعية متجذّرة تتنافى مع فكرة التباعد الاجتماع، مثل المشاركة في خيم العزاء وإقامة الولائم والتجمعات في المضافات والمنازل والزيارات العائلية. يُضاف إلى ذلك تجمّعات الصلاة وصلوات الجمعة وزيارات الأعياد التي لم تتوقّف أثناء الحظر الجزئي أو الكلّي، إلا في نطاق ضيّق وفي أماكن محدّدة.
وفى حين تشارك الإدارة الذاتية في تنظيم حملات توعية في المنطقة، إلا أنها لا تبدو فعالة للغاية.، ففي الفترة من 14 أذار/مارس 2020 إلى 29 نيسان /أبريل 2021، أصدرت الهيئة أكثر من 30 منشورا دوريا يتعلق بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا منها 22منشورا يتعلق بحظر التجول الكلي أو الجزئي، غطى 18 منشورا منها محافظة دير الزور (شرق الفرات).
بعض المناطق في دير الزور لا تلتزم بالإجراءات الخاصة بالحظر الجزئي أو الكلّي، نظرا لكون المساحات شاسعة في مناطق دير الزور وصعوبة ضبط الريف، يُضاف إلى ذلك الواقع الأمني الصعب، حيث الاغتيالات المستمرّة لوجهاء مجتمعيين وعشائريين بالإضافة لاستهداف أعضاء في مجلس دير الزور المدني وعناصر من قوات سوريا الديمقراطية، ما يجعل أمر متابعة تنفيذ قرارات الحظر صعبة، يُضاف إليها الحالة الاجتماعية التي تزدري لبس الكمامات وتركز على الحالة الاجتماعية المتعلّقة بحضور الأفراح ومآتم العزاء بكثافة.
وإلى ذلك من ثقافة الخجل من ارتداء الكمامة أو التخاذل الجسدي أمام المرض، كما أنّ المقولات الشعبية الواردة من مثل، أنّ كورونا لا يقدر علينا، أو أنّ كورونا مجرّد كلام فارغ، ومن هذا القبيل، حتى إنّ الإصابات تكون ضمن إطار كريب حاد مجتمعيا، يزور المريض أثناءه الجيران والأهل.
ومما يزيد من تفاقم النقص في الوعي لاجتماعي أن مناطق دير الزور تفتقر إلى نشاط المنظمات المدنية سواء الدولية أو المحلّية، فالمنظمات الموجودة أساسا هي قليلة، بالإضافة إلى أنّ جميع المنظمات ليست لديها برامج للتوعية بكورونا وتداعياتها.
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من توفر الاختبارات (إلى حد ما) من خلال الفرق المتنقلة، لا يذهب السكان لإجراء الاختبارات إلا إذا ظهرت عليهم أعراض المرض وينتهي بهم الأمر في المراكز والمستشفيات. كما أن ثقافة المجتمع لا تشجع اتخاذ التدابير الاحترازية لاكتشاف الإصابات التي لا تظهر عليها أي أعراض.
إغلاق الأسواق والتراجع الاقتصادي
كان لإغلاق الأعمال والأسواق أثناء حظر التجول في البلدات والمدن الى أثار اقتصادية شديدة، حيث أدت هذه الإجراءات إلى كارثة اقتصادية، حيث إنّ معظم أصحاب المحلّات والعمّال والمرتبطين بها، تتضرر أعمالهم بشكل مباشر. وتأتي فترات الحظر وبخاصة الفترة الأخيرة ضمن أوضاع هبطت فيه العملة المحلية إلى مستويات قياسية تراوحت بين مبلغ 3000 إلى 4500 ليرة سورية للدولار الواحد، ما أثقل كاهل الأهالي الذين يجدون في إجراءات الحظر أثرا أكثر ضررا من كورونا نفسه.
يصرّ العاملون في القطاع الصحي والمنظمات المدنية أنّ إجراءات الحظر هي أفضل السبل لمنع تفجّر الحالات وارتفاعها إلى مستويات يصعب معها السيطرة عليها. كما تلعب الأوضاع الاقتصادية دورا حاسما في الالتفات إلى أمور كالوقاية من كورونا التي لا يزال الكثيرون ينكرون وجودها أصلا، أو لا يريدون الاعتراف بوجودها. ولعلّ الموجة الثالثة والتي ارتفعت معها الإصابات لدرجات كبيرة جرس إنذار يصعب معه إغماض الأعين وإشاحة الوجه عنها.
توصيات ومقترحات
أولاً وقبل كل شيء، وكما ورد في الإحصاءات التي أصدرتها "هيئة الصحة والبيئة"، يجب على الهيئات الحاكمة في دير الزور العمل على تحسين طرق الإحصاء والاختبار للمساعدة في تحديد مدى الأزمة الجارية.
يتوجب على هذه الهيئات الحاكمة أيضا دعم الطواقم الطبية من النواحي المادية كتسجيلهم في قوائم الموظفين والمعنوية من حيث تقدير جهودهم الاستثنائية في مجابهة خطر الوباء. كما يمكن لهذه الهيئات الضغط على الدول المانحة للمساعدة في ترميم البنى التحتية الصحية وإنشاء مراكز حديثة بأجهزة حديثة لمجاراة الواقع الصحي المتدهور.
وكجزء من تلك الجهود، يجب على الهيئات الحاكمة في دير الزور التوقف عن استصدار قرارات مجارية لتلك التي في العالم الأول وعدم متابعتها بشكل جدي. كما أن إجراءات الحظر الكلي أو الجزئي إن لم تكن مشفوعة بتطبيق فعلي على الأرض لدرجة ما، فإنّها تنعكس سلبا على الأهالي الذين يعانون أصلا من ظروف اقتصادية سيئة وبخاصة في ظل انهيار العملة. ولتحفيف وطأه هذه التداعيات الاقتصادية، يجب على الهيئات الحكومية أن تعمل على مساعدة الناس من ذوي الدخل المحدود والمشاريع الصغيرة بمساعدات عينية أثناء فترات الحظر.
بالطبع، هناك دورا مهما يتوجب على منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية أن تلعبه في مكافحة الوباء، فكما ذكرنا، يجب على تلك المنظمات أن تعمل على تصميم برامج توعية تستهدف المجتمعات المحلية وتعمل على توعيتهم بمخاطر فيروس كورونا وكيفية الوقاية منه. علاوة على ذلك، يجب أن تعمل تلك المنظمات على تقديم الدعم للمجتمع من خلال توفير الأقنعة والمعقمات وأجهزة قياس الحرارة.
يمكن لمنظمات المجتمع المدني أيضا أن تعمل على تقديم دعم أكبر للعاملين في المجال الصحي مثل القيام بالتعقيم الدوري للمؤسسات العامة والمستشفيات وأماكن التجمع. يمكن لتلك المنظمات أيضا أن تدعم المراكز الطبية المتخصصة في علاج فيروس كورونا وذلك من خلال مساعدتهم على وضع خطط عمل ومن خلال الدعم المادي. يمكن لمنظمات المجتمع المدني أيضا أن تمارس الضغط على هيئات الأمم المتحدة والصحة العالمية والمنظمات الدولية لتأمين اللقاحات الكافية للمنطقة، إلى مناطق الإدارة الذاتية بعيدا عن الحسابات السياسية.
أخيرًا، يجب أن تمارس الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية الناشطة في المنطقة على الضغط على هيئات الأمم المتحدة والصحة العالمية والدول المانحة لتأمين اللقاحات للمنطقة، وبخاصة أنّ وزارة الصحة قد تلقت منذ أيام دفعة من اللقاحات لا تتعدى مائتي ألف جرعة، وقد ترافق معها بروباغندا إعلامية، على الرغم من كون هذه اللقاحات في الحد الأدنى من الاحتياجات، والضغط عليها لجلب اللقاحات إلى مناطق الإدارة الذاتية بعيدا عن الحسابات السياسية.
علاوة على ذلك، يجب على الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية المعنية بالشؤون السورية تقديم الدعم اللوجستي والمادي للمراكز الطبية القائمة والعمل على افتتاح مراكز ونقاط طبية على غرار مشفى هجين الذي افتتحه التحالف الدولي. كما يتوجب على الجهات العسكرية إقامة مراكز طبية خاصّة للعسكريين بعيدا عن المشافي العامة منعا من الاختلاط وتوسّع دائرة انتشار الوباء.