- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأهمية الخاصة لزيارة الملك عبد الله إلى واشنطن
ينبغي أن تكون الأزمة السورية في صدارة القضايا التي سيتم تداولها أثناء هذه الرحلة حيث إنها تمثل مصدر قلق رئيسي للأردن الذى تتحمل الأعباء الإنسانية والأمنية الناتجة عن تلك الأزمة.
تكتسي زيارة الملك الأردني عبد الله بن الحسين القادمة لواشنطن أهمية كبرى حيث سيكون الملك الأردني أول زعيم عربي يلتقي مع الرئيس بادين، وهذا بالطبع يعطي أهمية إضافية للملكة ومركزيتها الجغرافية بين أكثر المشاكل تعقيدًا في الشرق الأوسط من العراق إلى سوريا إلى فلسطين إلى إسرائيل. وتاريخيا يعكس موقف الأردن السياسي من قضايا المنطقة المشتعلة مزيجا من تفهم الأردن للموقف الأمريكي ولمصالحه الأمنية والاقتصادية والسياسية التي جعلته حليفا قويا للولايات المتحدة الامريكية.
ومع ذلك، وفي إطار تلك الزيارة، يجب أن تكون الأزمة السورية في صدارة القضايا التي سيتم تداولها أثناء اللقاء والتي تمثل مصدر قلق رئيسي للمملكة التي تتحمل الأعباء الإنسانية والأمنية الناجمة عن تلك الأزمة، وما ترتب على ذلك من تداعيات وخسائر فادحة تكبدتها الحكومة والاقتصاد.
فمنذ بداية الثورة السورية عام 2011، استقبل الأردن أكثر من مليون لاجئ سوري يمثلون تقريبا 31٪ من سكان الأردن، وتعامل الأردن حكومة وشعبا مع قضيتهم بكثير من الإنسانية وقاسمهم كل الموارد الموجودة في الأردن والتي هي قليلة أصلا.
وفي هذا الصدد، أظهر استطلاع للرأي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من 83٪ من اللاجئين وصفوا تعامل الأردن حكومة وشعبا بالإيجابي، وأن الأردن فعل أكثر مما هو مطلوب لدعم اللاجئين. وبنفس الاستطلاع قال 65.3٪ من الأردنيين أن على الحكومة التركيز على مساعدة الأردنيين كما تساعد اللاجئين.
بالطبع، تعكس نتائج الاستطلاع هذا الواقع الاقتصادي المقلق في الأردن، والذي تفاقم نتيجة تفشى جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، فوفقا للأرقام الرسمية وصل معدل الفقر في الأردن في خريف 2020، نحو 15.7 في المئة وارتفع معدل البطالة عام 2020 ليصل إلى نحو 23 بالمئة، في بلد تجاوز دينه العام 102 في المئة من الناتج الداخلي. وفي ما يتعلق بقصية استمرار دعم اللاجئين في البلاد، أعلن وزير التخطيط الأردني، ناصر الشريدة إن بلاده بحاجة إلى 2.4 مليار دولار من المانحين الدوليين من أجل تلبية احتياجات اللاجئين السوريين الموجودين على أراضي المملكة خلال العام الحالي.
ومن الجدير بالذكر انه تم اقتراح حل لهذه القضايا مرة أخرى في عام 2017، عندما توصل الجانب الأمريكي والروسي إلى اتفاق حول جنوب سورية، حيث كانت واشنطن تأمل أن تنفذ روسيا التزاماتها بانسحاب الميليشيات الموالية لإيران من المناطق الجنوبية السورية ووقف العمليات القتالية داخل سورية، وإجراء توافقات بين النظام السوري والسكان المحليين تسمح بعودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم – على الأقل في المنطقة الجنوبية- وعودة الحركة التجارية والترانزيت من سورية ولبنان إلى دول الخليج عبر الأردن، واعتبار القوات الروسية كضامن لحماية المدنيين واطلاق سراح المعتقلين. وبغض النظر عن هذه الآمال الأمريكية وأثارها على سوريا، كانت الولايات المتحدة تهدف في الأساس أيضًا إلى مساعدة الأردن اقتصاديًا، ودعم استقراره وتأمين حدوده الشمالية.
اليوم وبعد مرور أربعة سنوات على هذه التفاهمات، فمن الواضح أن الجانب الروسي لا يستطع تنفيذ أي منها، بل على العكس تماما، حيث أصبحت إيران والميلشيات التابعة لها تسيطر على الكثير من المواقع في الجنوب السوري، ولا يزال اللاجئين السوريين غير قادرين على العودة إلى ديارهم بأمان.
إضافة إلى ذلك، من المتوقع أيضا أن يؤدى الحصار الذي فرضته قوات النظام والقوات الحليفة لروسيا على مناطق في درعا منذ أسبوعين إلى اندلاع موجة نزوح جديدة إلى الأردن، والأسواء من ذلك أن مناطق سيطرة نظام الأسد وبالتعاون مع حزب الله أصبحت بؤرة لتصنيع وتصدير المخدرات لدول الجوار بما فيها الأردن واستخدام الأردن كترانزيت لنقل المخدرات إلى دول الخليج مما أدى اإلى إعلان السعودية منعها دخول الشاحنات القادمة من سورية ولبنان، وهو ما يمثل خسارة اقتصادية كبيرة للأردن.
وفي حين يحاول الأردن تجاوز هذه الكوارث الاقتصادية، تقوم روسيا والنظام السوري وإيران بالضغط على الأردن مستفيدين من الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، وذلك في وقت تخلى فيه المجتمع الدولي عن دعم الاقتصاد الأردني. فطبقا لآخر إحصائية للمركز الروسي، عاد 121,252 لاجئا سوريا من الأردن عبر معبر جابر – نصيب الحدودي. ويمثل هذا الرقم عشرة أضعاف تقديرات الأمم المتحدة التي قالت أن 12,373 لاجئا سوريا عادوا إلى بلادهم من الأردن منذ منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حتى 20 شباط (فبراير) 2019.
ومع ذلك، وفي ظل الادعاء بحدوث تحول كبير في مسألة عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى سوريا، هدف الإعلان الروسي إلى تخفيض المساعدات الدولية للأردن وتحويلها إلى دمشق والاستفادة من الأردن لتسويق النظام السوري عربيا ودوليا فمثلا، تمت دعوة الأردن إلى اجتماعات الآستانة بصفة مراقب، ثم كانت زيارات حكومية أردنية لدمشق لبحث أليات التعاون الاقتصادي والخدماتي بين البلدين رغم أن نظام الأسد ليس لديه ما يقدمه للأردن لا ماء ولا كهرباء ولا نفط ولا استثمارات ولا عودة المهجرين.
ومع ذلك، فإن تبادل الزيارات يعتبر مؤشر جدي عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به الأردن وقلة خياراته الإقليمية. وتدور بعض الأحاديث غير المؤكدة أن إيران وافقت على تزويد الأردن بالنفط ولكنها طالبت الأردن برفع قوانين منع دخول السياحة الدينية الإيرانية إلى الأردن وأن إيران مستعدة لترميم المواقع الدينية.
1- في ظل هذه الظروف، يجب أن تمثل زيارة العاهل الأردني القادمة لواشنطن فرصة حقيقية لمساعدة الأردن بشكل حقيقي وفعال خاصة في هذا المنعطف الحساس، حيث يمكن أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على روسيا للالتزام بالتعهدات التي اتخذتها في عام 2017 وخصوصا منها وقف العمليات العسكرية التي يقوم بها النظام وإيجاد البيئة الأمنة لعودة المهجرين من الجنوب السوري. كما أن هناك حاجة ملحة لإيجاد حل للوضع الحالي في مخيم الركبان الذي يقع في المنطقة منزوعة السلاح في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية التي تحاصرها قوات النظام والقوات الروسية. وقد توفر الاتصالات الأخيرة بين الولايات المتحدة وروسيا في مجلس الأمن الدولي بشأن قضية المساعدات أرضية جيدة لمساعدة كل من السوريين والأردن في تلك القضية الخطيرة. ومن جهة أخرى، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على:
2- زيادة الدعم الدولي للأردن لمنع انهياره الاقتصادي ومساعدته على معالجة أزمة اللاجئين السوريين وغيرهم.
3- يمكن أن تساعد الولايات المتحدة الأردن أيضا من خلال زيادة التعاون الأردني- الأمريكي في مجال مكافحة المخدرات وتزويد الأردن بما يحتاجه لحماية حدوده
4- يمكن أيضا أن تساهم زيادة الاستثمارات الامريكية والعربية المباشرة في الاقتصاد الأردني في حماية امن الأردن من استغلال النظام السوري والإيراني له.
وختاما، الأردن حليف مهم وتاريخي بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية، كما يعاني من مشاكل عديدة بسبب موقعه الجغرافي ولاستقباله أكثر من ٢ مليون لاجئ. ومن ثم، يجب أن تتفهم الولايات المتحدة القلق الأردني والضغوطات التي تمارس عليه من قبل المحور الإيراني الذي يسعى إلى التوسع أكثر. وغير ذلك، سيتمكن المحور الإيراني من الاستفادة من الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد لتحقيق أهدافه.
وفي وقت تخلت بعض الدول الغنية في المنطقة على ما يبدو عن تقديم الدعم السياسي والاقتصادي للأردن واللاجئين المقيمين هناك، ينبغي على واشنطن أن تلعب دورا أساسيا في دعم الأردن وإرسال رسالة إلى جميع المعنيين مفادها أن الولايات المتحدة تدعم حلفاءها التاريخيين.