- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الإخفاقات الكردية في كركوك
بعد مرور أقل من شهر على الانتخابات العراقية الوطنية التي أُجريت في 12 أيار/مايو والتي شابتها مزاعم الغش، أعلن البرلمان العراقي عن إعادة السلطات فرز الأصوات في محافظات عدة. ومن بين هذه المحافظات حيث من المقرر إعادة فرز الأصوات محافظة كركوك المتعثرة التي يتم التنازع على حكمها وحيث التوترات الطائفية شديدة. فكان أن أثار هذا القرار مقالق داخل صفوف "الاتحاد الوطني الكردستاني"، وهو حزب سياسي كردي قوي فاز بستة من المقاعد البرلمانية الاثني عشر المتاحة للمحافظة. إذ خوفًا من أن تعرّض إعادة الفرز مكاسب الحزب الانتخابية للخطر وبالتالي تقلّل التمثيل الكردي في مجلس النواب العراقي، صوّب "الاتحاد الوطني الكردستاني" أصابع الاتهام إلى أحزاب المعارضة الكردية، مشيرًا إلى أن مزاعم الغش التي تقدمت بها كانت إحدى الأسباب خلف قرار إعادة فرز الأصوات.
غير أنّ هذه الاتهامات غير منصفة بتاتًا ومدعاةٌ فادحة للسخرية.
فـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" يخذل أكراد كركوك منذ أعوام ويضحي بالمصالح الكردية لتحقيق مكاسب أنانية. كما وأن أحزاب المعارضة في كركوك، بعيدًا خيانة المصالح الكردية، ترشّحت معًا في لائحة واحدة لتعزيز أثر أصوات ناخبيها ولا يمكن تحميلها مسؤولية قرار إعادة فرز الأصوات. وأخيرًا، فإنّ نجاح "الاتحاد الوطني الكردستاني" في الانتخابات، والذي يمُكن في الواقع أن يُعزى بجزء منه إلى الغش، قد يعيق أكراد كركوك للسنوات القادمة.
يُذكَر أن كركوك بقيت من عام 2003 إلى 2017 تحت قبضة "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، اللذين كانا الحزبين السياسيين الكرديين الوحيدين من كركوك اللذين يشغلان مقاعد في البرلمان العراقي. في خلال فترة حكمهما، وضع كلا الحزبين مصالحهما الخاصة فوق مصالح العامة، مستفيدين من صادرات النفط بينما كان شعب كركوك يضعف. كما وأثناء تولي الحزبين الحكم، فشل كلاهما في ضمان تنفيذ المادة 140 من دستور العراق، والتي توفر إطارًا قانونيًا لحل مسألة ملكية كركوك.
شنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") عام 2014 هجومًا على كركوك، ما دفع القوات العراقية إلى الفرار. في أعقاب الهجوم، تولت قوات "البشمركة"، وهي قوات الأمن الكردية التي يشرف عليها "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، حماية كركوك واستولت في نهاية المطاف على السلطة في كامل كردستان العراق. في ظل هذه الظروف، قررت القيادة الكردية إجراء استفتاء حول استقلال كركوك على الرغم من أنه لم يتم بعد استيفاء أحكام المادة 140.
فتبيّن أن ذلك كان قرارًا سيّئًا صعّد من حدة التوترات. في ذلك الوقت، لم يكن لدى "الاتحاد الوطني الكردستاني" ولا "الحزب الديمقراطي الكردستاني" خطة استراتيجية للتعاون مع تركمان المحافظة وعربها وكان ما زال يتحتم عليهما إقناع هاتين الفئتين بأنّهم سيكونون أفضل حالًا تحت قيادة حكومة إقليم كردستان مما كانوا تحت سلطة بغداد.
وما زاد الطين بلّة أنّه بعد مرور بضعة أسابيع على الاستفتاء، اجتاحت القوات العراقية كركوك، وأعادت السيطرة الاتحادية وأرغمت البشمركة على الانسحاب. بعد الاجتياح، تدهورت العلاقة بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني". وبعد انسحاب قوات "الاتحاد الوطني الكردستاني" من المناطق المتنازع عليها، الأمر الذي تسبب في فرار الآلاف من الأكراد، ندد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بهذه الخطوة علانيةً واختار عدم المشاركة في الانتخابات العراقية في كركوك.
في ظل غياب "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، تحالفت ثلاثة من أحزاب المعارضة الكردية الرئيسية الأربع في كركوك لتشكيل القائمة الموحدة "نيشتيمان" أو "الوطن" التي ظهرت على ورقة الاقتراع في المناطق المتنازع عليها. وكان الغرض من هذه العملية كلها زيادة تأثير أصوات الناخبين الأكراد إلى أقصى حد والتي يمكن أن تحدث أثرًا أعظم إذا ما جُمعت معًا.
بعد الإعلان عن قرار إعادة فرز الأصوات، اتهم "الاتحاد الوطني الكردستاني" الأحزاب التي تألفت منها لائحة "نيشتيمان"، إلى جانب حزب معارضة كردي رابع، بدفع البرلمان إلى اتخاذ هذا القرار. إلاّ أنّ هذا الادعاء غير دقيق حيث أنّ من بين نواب البرلمان المئة والستة والستين، ستة عشر منهم فقط ينتمون إلى أحزاب كردية معارضة. إنما كان في الواقع العراقيون العرب والتركمان كما والحكومة العراقية هم من طالبوا بإعادة فرز الأصوات، بضغط من الدوائر الانتخابية غير الكردية. وفي هذا السياق، من الجدير بالذكر أيضًا أن إعادة فرز الأصوات جرت في محافظات عدة، وليس في كركوك فحسب.
وأما بالنسبة إلى من في كركوك تمنى أن يرى تغيّرًا ملحوظًا في تركيبة البرلمان بعد إعادة الفرز اليدوية للأصوات، فقد تكون نتائج العملية مخيّبة لآماله: ففي حين أنّ إعادة فرز الأصوات لا تزال جارية، يبدو حتى الآن أنّ 93% من الأصوات في كركوك سُجّلت بشكل صحيح في الفرز الأول. لكنّ ذلك لا يعني أنّ "الاتحاد الوطني الكردستاني" لم يغشّ. ففي خلال الانتخابات، استحصل الحزب على آلاف بطاقات الاقتراع القديمة واستخدمها لصنع بطاقات هوية وطنية مزورة تم توزيعها على مرشحي "الاتحاد الوطني الكردستاني". وفي يوم الانتخابات، استخدم مناصرو هؤلاء المرشحين بطاقات الهوية المزورة للاقتراع عدة مرات.
تضرّ مثل أعمال "الاتحاد الوطني الكردستاني" هذه مصالح الأكراد عبر زيادة حدة التوترات العرقية والطائفية في كركوك وإلحاق أضرار بليغة بسمعة الأكراد. ولذا، وعلى ضوء سوء حكم "الاتحاد الوطني الكردستاني" وممارساته الضارة، يبدو من الواضح أنّه ما دام الحزب يسيطر على كركوك، ستبقى المحافظة منطقةً متنازعًا عليها.