- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الإخوان والمملكة العربية السعودية: بين الماضي والحاضر
منذ تولي الملك "سلمان بن عبد العزيز" الحكم وتدور جدالات حول علاقة المملكة بالإخوان المسلمين، فهناك من يرى أن تولى سلمان مثل انقلاب على الإخوان، بينما يرى آخرون أن بعض مظاهر الفكر الاخوانى قد ظلت مؤثرة في البلاد. ومع مطلع عام 2015 أطلق " سعود الفيصل"، وزير خارجية المملكة العربية السعودية الراحل، تصريحا دبلوماسيا مبهماً حيث قال "ليس لنا أي مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد". جاءت تلك التصريحات تقريبا بعد عام من تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية من قبل المملكة العربية السعودية. وفى تناقض حاد، خرجت بعض التصريحات من قبل ولى العهد " محمد بن سلمان" تشير إلى انتهاء فترة شهر العسل بين الإخوان والسعودية.
تتطلب قراءة هذا المشهد الوقوف على التغيرات التاريخية التي طالت العلاقة ما بين الدولة السعودية وجماعة الإخوان المسلمين والتي تُظهر بصورة واضحة أن الصراع ليس فقط صراع مع الإخوان بقدر ما هو صراع بين ماضي ومستقبل المملكة في إطار معطيات الواقع، صراع ما بين الجذور السعودية الإسلامية بما تبعها من مشروع الوحدة الإسلامية وسعودية ولى العهد الإصلاحية.
"كلنا إخوان " هكذا قال مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز رداً على طلب مؤسس جماعة الإخوان المسلمين "حسن البنا" حين أراد إنشاء فرعٍ لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية. وقد جاء هذا التقارب بين المملكة والإخوان آنذاك، بعد رفض مصر الاعتراف بالمملكة المنشأة حديثا، وعلى أثر هذا استقبل البنا استقبال حافل بالمملكة وبرزت عناوين الصحف الترحبية بزياته كما جاء في صحيفة أم القرى "حسن البنا، على الرحب والسعة". وحين تمّ حلّ الجماعة عام 1948، تلقى البنا دعوة للانتقال إلى السعودية، لكنه اغتيل بعيْد ذلك بفترة في شباط/فبراير من العام 1949. ومع ذلك، تواصلت العلاقة بين السعودية و"الإخوان المسلمين" وسمحت لهم المملكة بعقد اجتماعاتهم خلال موسم الحج من أجل اختيار المرشد الأعلى الجديد.
سار "سعود بن عبد العزيز" على نهج والده، وسار "الهضيبي"، المرشد الثاني للإخوان المسلمين على نهج البنا، واستمرت علاقات التقارب ما بين الطرفين، وترجمت تلك العلاقات في موقف " فيصل بن عبد العزيز" من الجماعة بصورة واضحة، فالملك ومشروع "الوحدة الإسلامية" كان في مواجهة "القومية العربية" والفكر الناصري.
علاوة على ذلك، فمنذ أواخر الخمسينات وحتى منتصف السبعينيات، التقت مصالح الدولة السعودية مع مصالح الإخوان وكانت القضية الفلسطينية حاضرة في خطابات المملكة والإخوان آنذاك، ففتح الملك "فيصل" باب المملكة على مصراعيه للإخوان المسلمين واعتمد "فيصل" على رموز الإخوان في العملية التعليمية في المملكة حتى ظهر "محمد قطب" شقيق المنظر الإخواني المتطرف "سيد قطب" بالمملكة كأحد المشاركين في العملية التعليمية، وتعد حقبة "فيصل" هي الأكثر مشاهدة لعلاقات ما بين المملكة والإخوان. حتى بعد اغتيال "فيصل" في عام 1975، وفي خلال هذا القرن أعلن بعض السعوديين بأن جماعة الإخوان المسلمين كانت على الأقل معتدلة نسبياً مقارنة بالجماعات الأصولية الأخرى المتطرفة والعنيفة.
تعد مرحلة "عبد الله بن عبد العزيز" بداية الإنقلاب في العلاقات السعودية الإخوانية، فعلى الرغم من أن السنوات الأولى في عهد الملك "عبد الله" لم تختلف عن أسلافه، إلا أنه مع الوقت وخاصة في عام 2011 بعد اندلاع أحداث الربيع العربي، بدأت مرحلة الإنقلاب، حيث خرجت بعض المطالبات بالإصلاح والتى تبناها المنتمون للإخوان مما دفع النظام السعودي إلى الانقلاب على الإخوان والوقوف ضد صعودهم لسدة الحكم في مصر، حيث باركت المملكة عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى ودعمت النظام الحالي للصمود في وجه الإخوان.
ومنذ اكثر من عام، بدأت التوجهات الجديدة لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" للملكة ضد الإخوان تتجلى في تصريحاته لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية. فخلال لقاء أجراه الإعلامي "داوود شريان" مع ولى العهد الذي صرح بأن إعلام جماعة الإخوان المسلمين هو المسبب للشرخ في العلاقة المصرية السعودية، واتهمهم باغتيال عمه "الملك فيصل بن عبد العزيز". كما صرح ولى العهد في أبريل الماضي لصحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية قائلا "بأن الإخوان هم دائما أساس الإرهاب " لو نظرت إلى أسامة بن لادن، فستجد أنه كان من الإخوان المسلمين... ولو نظرت للبغدادي في تنظيم داعش فستجد أنه أيضا كان من الإخوان المسلمين. في الواقع لو نظرت إلى أي إرهابي، فستجد أنه كان من الإخوان المسلمين... هدفهم الرئيس يتمثل في جعل المجتمعات الإسلامية في أوروبا متطرفة، فهم يأملون بأن تصبح أوروبا قارة إخوانية بعد 30 عاما، وهم يريدون أن يتحكموا بالمسلمين في أوروبا".
ورداً على تصريحات " بن سلمان"، أصدرت جماعة الإخوان بيان مناهضا جاء في مقدمته "إنَّ ما يفعله ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، من استمرار كذب وافتراء بحق جماعة "الإخوان المسلمين"، وربطها بأكاذيب الإرهاب، هو مَحض محاولةٍ خائبةٍ لمنحه تذكرة برعاية صهيوأمريكية لتولّيه العرش، لا عن جدارةٍ مُستحقةٍ بل بتنازلاتٍ مُهينةٍ".
وهناك عدة أسباب تفسر الموقف الذي اتخذته المملكة نحو الإخوان، منها تخوف المملكة من الخطر الذي أصبحت تشكله هذه الجماعة كمنافس على السلطة في المنطقة منذ اندلاع أحداث الربيع العربي وبعد نجاح الجماعة في الوصول إلى السلطة في مصر. وتدرك المملكة أن جماعة الإخوان كانت لاعباً رئيسيا في إشعال ثورة يناير التي أطاحت بالرئيس السابق حسنى مبارك، ومن ثم، فإن وصولهم إلى سدة الحكم قد يمكنهم من الدعوة للثورة على الأنظمة وزعزعة الاستقرار في المملكة وفى المنطقة برمتها.
وقد يرى البعض أن موقف "محمد بن سلمان" من الإخوان يرتبط برؤيته في محاربة التطرف وبتلك الخطوات الإصلاحية التي شرع في تنفيذها مؤخراً والتي تضمنت السماح للمرأة بقيادة السيارة، ودخول دور السينما، وحضور الحفلات الغنائية. إلا أن هذا التفسير ربما يكون غير كافي، خاصة وأن المملكة اعتادت وهي تواجه التطرف على دعم ظهير إسلامي معتدل –من وجهة نظرهم- وقد مثل الإخوان في حقبة ما ذلك الظهير، إلى جانب أن "بن سلمان" لا ينوى أو ليس في مصلحته بصورة كبيرة تحييد دور الدين في السياسية ولكنه يسعى للاستعانة بنسخة مختلفة من الإسلام لمواجهة الحرس القديم الذي يرفض التغيير.
موقف المملكة وولي العهد السعودي لم يختلف عن موقف المؤسس، فالمؤسس الذي استغل جماعة الإخوان المسلمين في خطته ومشروع الوحدة الإسلامية بناء على معطيات الواقع، جاء حفيده واستنادا إلى معطيات الواقع أيضا وفي إطار مشروعه السياسي ليقوم بالتخلي عن الإخوان وإنهاء وجودهم في المملكة. فالإخوان لم يعد لهم مقعد في مشروع "بن سلمان " الإصلاحي، ولا يتناسبون مع توجهات المملكة الجديدة ولا مع سياسة حلفائها. وبما أن أي تحالف يقوم على المصالح المشتركة، فإن الجماعة وفروعها العديدة لا تشارك "بن سلمان" في أي من أولوياته - خاصة في ضوء التحديات التي يواجهها مشروعه في الداخل والخارج.