- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الإعلام المصري: اليهود وإسرائيل
بعد متابعة عدد من الصحف المصرية القومية والمستقلة والحزبية، والتي تضمنت: "الأهرام"، و"الجمهورية"، و"الأخبار"، و"اليوم السابع"، و"المصري اليوم"، و"الوفد"، و"صوت الأمة"، و"الشروق"، محاولاً استكشاف خطابها وطريقة تعاطيها للأحداث والأخبار التي تخص دولة إسرائيل، لم أجد تبايناً في خطاب تلك الصحف، وفي الطريقة السلبية لتعاطيها مع الأحداث التي تتعلق بإسرائيل دولة وشعباً. وللأسف، تتداول تلك الصحف بشكل يومي أخبار وتقارير ومقالات تخلط بين ما هو سياسي وما هو ديني، وتربط كل ما هو يهودي بالصراع العربي الإسرائيلي، دون التمييز بين سياسات الحكومات ومصالحها، وبين العلاقة بين الشعوب، والتي تعايشت مع بعضها البعض في سلام لعدة أجيال.
يتبنى الإعلام المصري ثقافة إباحية تعكس عداءً واضحاً للسامية. فالمتابع لتلك الصحف يمكنه قراءة الألفاظ والتصريحات التي تبرز معاداة السامية، حيث تصور تلك الصحف اليهود على أن لديهم طموحات توسعية في العالم العربي سعياً إلى تحقيق حلم " أرض الميعاد"، وأنهم يسعون كذلك إلى السيطرة على العالم من خلال توجيههم لسياسات الدول الكبرى، حتى تتماشى مع مصالح إسرائيل.
فقد أصدرت صحيفة "اليوم السابع" المستقلة تقريرا تحت عنوان "اللوبي الصهيوني يختار رؤساء أمريكا"، حيث ألقت فيه الضوء على الآليات التي يستخدمها اليهود للتأثير على قرارات وسياسات الدول العظمى بهدف السيطرة على العالم، فصورت مرشحي الرئاسة الأمريكية بأنهم يعملون بكافة الطرق لإرضاء اللوبي الصهيوني، وأن هذا اللوبي هو من يسيطر على مجريات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بل هو من يختار ويحدد من يحكم أمريكا ("اليوم السابع"، 20 مارس 2016). أما صحيفة "الجمهورية"، فذهبت إلى القول بأن هناك تحالفاً أمريكياً - صهيونياً استعمارياً يستغل ثورة "الربيع العربي" لزعزعة الاستقرار في العالم العربي. كما اتهمت نفس الصيحفة اليهود بالإساءة للرسل، حيث ذكرت أنهم عصوا النبي موسى، وسخروا من سيدنا سليمان، واتهموا سيدنا يعقوب بالزنا ("الجمهورية" 15 مارس 2016).
وعلى الرغم من أن هناك اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل تحتم تطبيع العلاقات بين الدولتين، إلا أن جميع الصحف التي تم رصدها قامت بشن حملة شرسة على كل من ينادى أو يروج لسياسية التطبيع هذه. إذ بعد زيارة السفير الإسرائيلي في مصر "حاييم كوري" للبرلماني "توفيق عكاشة"، انطلقت حملة إعلامية في جميع الصحف الرسمية والمستقلة والحزبية تدعو إلى معاقبة "عكاشة"؛ وبالفعل وفى سابقة لم نعهدها صوت أعضاء البرلمان على إبطال عضوية عكاشة، وتمت الإطاحة به خارج البرلمان. لكن المفارقة الغريبة هي تلك التي صدرت من رئيس البرلمان المصري الدكتور "علي عبد العال" الذي جاء بعد الإطاحة بعكاشة، حيث أعلن التزام مصر بكافة المعاهدات الدولية التي وقعتها مع جميع الدول بما فيها اتفاقية السلام مع إسرائيل ("الأهرام"، 3 مارس 2016). وقد حاول رئيس البرلمان من خلال هذا التصريح بعث رسالة إلى إسرائيل، مفادها أن التطبيع معها سيظل كما هو في حدود المستوى الرسمي الضيق، وليس على المستوى الشعبي. ("اليوم السابع"، 5 مارس 2016). ولم يتوانَ بعض الصحفيين عن إساءة استخدام موضوع التطبيع لضرب بعض الخصوم السياسيين، حيث إن الإعلامي "أحمد موسى" المحسوب على النظام المصري الحالي قد دعا الحكومة المصرية في مقالة له بصحيفة "الأهرام" إلى محاسبة وإعادة فتح ملفات مختلف المطبّعين مع إسرائيل، من مفكرين وكتاب وسياسيين ممن يَدَّعون أنهم جزء من الثورة المصرية. كما أعلن بأن إبرام اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل؛ لن يجعل المصريين "ينسون الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني" ("الأهرام"، 6 مارس 2016).
لقد طالت حملة رفض التطبيع أيضاُ المجال الفني والثقافي والرياضي، حيث استمر الإعلام المصري في اتهام إسرائيل بسرقة التراث المصري، ونسبه لنفسها. وفي هذا الصدد، قامت صحيفة "البوابة" بنشر ملخص لكتاب الباحث أحمد الطويل، تحت عنوان «الموسيقى القبطية والموسيقى اليهودية في أحضان النيل»، حيث أشار الكاتب إلى أن اليهود سرقوا الألحان والموسيقى الكنسية القبطية الأصيلة، وقاموا بنسبها إلى موسيقييهم، كما ادعى الكاتب بأن اليهود ليس لديهم سلم موسيقي مثلما هو لدى الشعوب الأخرى، وإنما اقتبسوه من المصريين والآشوريين واليونانيين ("البوابة"،13 مارس 2016).
ولم تكن الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل قاصرة فقط على سرقة التراث الموسيقي فحسب، بل وصلت أيضاً إلى المأكولات الشعبية، حيث اتهم الإعلام المصري إسرائيل بسرقة بعض وصفات المأكولات المصرية الشهيرة، مثل: الفلافل، والكشري، والسلطة المصرية، لتدعي بأنها وجبات إسرائيلية ("اليوم السابع"، 19 فبراير 2016). وعلى المستوى الرياضي، عندما عرضت السفارة الإسرائيلية في القاهرة عقد مباراة بين الفريقين المصري والإسرائيلي، جاء رد المتحدث باسم اتحاد الكرة المصري، "عزمي مجاهد" بالرفض، معللاً ذلك بأن "أي مصري مخلص لبلاده لن يقبل هذا العرض". ومن المفارقات الغريبة أن "مجاهد" ظهر قبل ذلك في برنامجه التلفزيوني؛ معلناً أن هناك حاجة للتفريق بين ما هو سياسي، وبين ما هو رياضي، داعياً إلى إجراء مباراة بين الفريق المصري والإسرائيلي ("المصري اليوم"، 28 فبراير 2016).
ومن الملاحظات الهامة التي رصدها التقرير، نذكر فشل الإعلام المصري في التمييز بين ما هو يهودي كدين، وبين ما هو متعلق بإسرائيل كدولة. فاستناداً إلى الصراع العربي الإسرائيلي، يخلط الإعلام المصري بين ما هو سياسي، والمتمثل في دولة إسرائيل والنزاع العربي - الإسرائيلي، وبين ما يتعلق باليهودية كديانة سماوية واليهود كعرق. ومن هذا المنطلق، أصبح المواطن العربي- اليهودي مسؤولاً أمام الإعلام المصري عن دفع فاتورة أي تصرف تتخذه دولة إسرائيل. ومن ثم، لم يترك الإعلام المصري فرصة للتشكيك في ولاء الأقليات العربية اليهودية المنتشرة في جميع الدول العربية، والتحريض ضدهم. فمثلاً، ادعت صحيفة "صوت الأمة" المستقلة في تقرير لها بعنوان: " مفاجأة.. الحوثيون يستعينون بجنود يهود لمحاربة التحالف العربي"؛ ادعت أن هناك عناصر من اليمنيين اليهود تحارب في صف التحالف الحوثي ضد التحالف العربي في اليمن، وأن بعض هؤلاء الجنود وصلوا مؤخراً إلى إسرائيل، واستقبلوا بالترحيب من قبل تل أبيب. وأشارت الصحيفة أيضاً أن بعض اليهود اليمنيين أطلقوا مدونة إلكترونية تسمى "آل يهود مجموعة الشرفاء ضد آل سعود وجرائمهم باليمن"، تهدف إلى توثيق وفضح جرائم وانتهاكات آل سعود ضد الشعب اليمنى ("صوت الأمة" 28 مارس 2016). ويتعارض هذا الادعاء مع ما أعلنه بعض اليهود اليمنيين مؤخراً من أن الحكومة اليمنية المدعومة من جانب الحوثيين، طالبت القلة القليلة الباقية من اليهود اليمنيين بتغيير دينهم أو الرحيل. ولعل موجة التحريض الإعلامي التي تلت حرب الأيام الستة، والتي أدت إلى تنامي العنف والغضب ضد اليهود العرب، وإلى اضطهادهم وحرق معابدهم في عدة دول عربية، مثل: مصر، واليمن، ولبنان، وتونس، والمغرب، أشبه بالحملات الإعلامية التي تتم اليوم ضدهم من جانب الإعلام المصري.
وأخيراً، يجب أن تتوقف سياسة التحريض والتشويه التي يتبعها الإعلام المصري؛ فعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ساهمت النبرة التحريضية التي تبنتها الكثير من الصحف المصرية - سواء كانت رسمية أو مستقلة أو حزبية - في تعميق الفجوة، وبث عدم الثقة بين الشعبين المصري والإسرائيلي.
وختاماً، لا يسعنا سوى التذكير بأن التواصل وتقبل الآخر هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام بين الشعوب؛ حيث تُيَسِّرُ سبل الفهم المتبادل، وتغيير الصور النمطية السلبية، مما يخلق أجواء التفاهم، ومن ثَمَّ، التعايش السلمي بين البشر.
محمد عبد العزيز هو محرر اللغة العربية بـ "منتدى فكرة" حالياً و مسؤول برامج بـ "مؤسسة بيت الحرية" سابقاُ. وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"