- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الإمارات خصم جديد لتركيا
في ظل تزايد حدة التوترات بين تركيا والإمارات، أصبحت النزاعات في المنطقة، من ليبيا إلى سوريا، تتأثر بالخصومة بين البلدين.
في خطوة رمزية أعقبت خلافاً دبلوماسياً بين أنقرة وأبو ظبي، أعلنت تركيا في بداية كانون الثاني/ يناير الماضي، رسمياً، تغيير اسم الشارع الذي تقع فيه سفارة الإمارات العربية المتحدة إلى "شارع فخر الدين باشا". ويشير هذا الاسم إلى القائد العثماني الذي كان في المدينة المنورة مطلع القرن الماضي وانتقده وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، في وسائل التواصل الاجتماعي؛ من خلال إعادة نشر تغريده في موقع "تويتر"، تتهم فخر الدين باشا بنهب وسرقة المدينة المنورة عوضاً عن حمايتها، قائلا إن هؤلاء هم أسلاف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وقد أثارت إعادة التغريدة ضجة كبيرة في تركيا، وأدت إلى غضب شديد ضد بن زايد في أنقرة التي استدعت القائمة بأعمال سفارة الإمارات لديها. لكن يبدو أن الفائز الحقيقي في تلك اللحظة كان أردوغان الذي يسعى إلى إحياء "العظمة العثمانية التاريخية". وألقى أردوغان خطاباً عبر البث المباشر انتقد فيه بن زايد بكلمات مهينة للغاية. إن إعادة تغريدة واحدة أتاحت لاردوغان الفرصة لدعم موقفه في الداخل وإلقاء خطب نارية لتعزيز محاولاته توحيد العالم الإسلامي تحت قيادة تركيا.
إن منبع هذا التوتر الأخير بين الطرفين ليس ما حدث في الماضي، بل إن المسألة سياسية بحتة ذات صلة باللحظة الراهنة المرتبطة بالتطورات الإقليمية وتوسع الخلافات السياسية والصراعات الأيديولوجية الواضحة بين أنقرة وأبو ظبي خلال السنوات العشر الفائتة. فنظرة سريعة على خارطة الصراعات والأزمات التي تشهدها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سنجد أن الدولتين تقفان على طرفي نقيض تماماً. ولا تتردد المنصات الإعلامية التركية في الإعلان والتلميح إلى تورط الإمارات في مخططات ضد تركيا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. كما لم يكن مستغرباً استثناء أردوغان دولة الإمارات من جولته الخليجية في شباط 2017، والتي شملت السعودية وقطر والبحرين.
مثل الانقلاب الفاشل الذي حدث في تركيا يوم الخامس عشر من يوليو/تموز/ 2016 محطة فارقة في تاريخ العلاقات الإماراتية التركية، حيث اتهمت بعض وسائل الإعلام المقربة من أردوغان الإمارات بدعم الانقلاب، خاصة بعد قيام بعض وسائل الإعلام الإماراتية مثل قناة سكاي نيوز وقناة العربية عن دعمهما للانقلاب. وتفيد تقارير إعلامية تركية وقطرية بأن وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو ألمح إلى الأمارات حين قال: "إننا نعلم أن دولة قدمت ثلاثة مليارات دولار دعما ماليا لمحاولة الانقلاب في تركيا". وفي مناسبة أخرى دعا الوزير التركي الإمارات إلى التخلي عن موقفها الحالي، قائلًا: "لقد سجّلنا ما قاموا به". ومع ذلك، فإن تعاطف وسائل إعلام إماراتية أو حتى سعودية أو مصرية مع المحاولة الانقلابية لا يعني تورطه هذه الدول في المحاولة الانقلابية، خاصة بعد أعربت دولة الإمارات، عن ترحيبها "بعودة الأمور إلى مسارها الشرعي والدستوري".
العلاقة بين حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه اردوغان، بجماعة الإخوان المسلمين، هي علاقةٌ قديمة بدأت في حقبة السبعينات من القرن الماضي، وبالتحديد في عهد رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، القدوة السياسية لأرد وغان، والأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا، في حين كانت حكومة الأمارات العربية المتحدة في خلاف وصراع طويل مع الإخوان المسلمين.
توسعت الفجوة وازداد التوتر في علاقات تركيا والإمارات منذ الإطاحة بحكم الرئيس الإخوانى المصري السابق محمد مرسي، الذي عزله الجيش بعد انقلاب عسكري في تموز/يوليو عام 2013. وينظر مسؤولون في أنقرة إلى الإمارات كأحد أبرز الداعمين لهذا الانقلاب. وردا على الانقلاب في مصر، رفض اردوغان أي اتصالات مع القاهرة على المستوى الرئاسي، مشترطا إطلاق سراح مرسي والمقربين منه، للتصالح مع مصر. وعلى الطرف الأخر من المشهد، اعتمد مجلس الوزراء الإماراتي عام 2014، قائمة بالمنظمات الإرهابية من ضمنها الإخوان المسلمين، وأبرزها جماعة الإخوان الإماراتية (جمعية الإصلاح).
تزامنا مع تفجر الأزمة الخليجية؛ وما رافقها من حصار دبلوماسي واقتصادي من جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر أرسلت تركيا، في حزيران/ يونيو الفائت، أول فرقة عسكرية إلى قاعدة بالقرب من الدوحة. وخلال زيارة للقاعدة العسكرية التركية في قطر، أعلن ارودغان أن تركيا ستواصل دعمها لقطر "في مختلف المجالات، لا سيما في المجال الصناعي والعسكري". وحقيقة الأمر، يدعم نشر هذه القوات تطلعات أردوغان الإقليمية، ومن المستبعد جداً أن يتخلى أردوغان، بسهولة، عن أول موطئ قدم له في الخليج، وهو ما يثير مخاوف الإمارات والسعودية، اللتين تخشيان من استخدام أنقرة نفوذها المتزايد في المنطقة كأداة ضغط على الحليفين الخليجيين واستفزازهما.
وفى سوريا، تتبنى أنقرة موقفا مبنياً منذ عام 2011 على دعم جماعة الإخوان المسلمين وأطراف من التركمان السوريين. وفي آب/أغسطس الفائت، قال زير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد: "إذا استمرت إيران وتركيا بالأسلوب نفسه والنظرة التاريخية أو الاستعمارية أو التنافسية بينهما في شؤون وقضايا عربية سنستمر في هذا الوضع سواء الآن في سوريا أو في دول أخرى بعد ذلك". بل سبق ذلك تصريح له اعتبر فيه حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل الجيش التركي في سوريا عملاً إرهابياً، إذ قال إن الإمارات تستنكر "الأعمال الإرهابية التي شهدتها كثير من الدول، وخاصة الطائرة الروسية التي سقطت فوق سيناء وحادثة إسقاط المقاتلة العسكرية الروسية في سوريا".
وفي خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتزامنا مع الحملة العسكرية التركية ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية في منطقة عفرين بسوريا، وقفت الإمارات ضد العملية، كما الموقف المصري تماماً. بل ذهبت صحيفة "يني شفق" التركية، المقربة من أردوغان، إلى أن "وحدات حماية الشعب" تتلقى الدعم من أبو ظبي في عفرين، وأن السعودية أيضاً متورطة في هذا العمل.
وعلى الساحة الليبية، تعكس التوترات الداخلية الليبية أيضاً توترات القوى الداعمة، وخاصة التنافس القوي الجديد بين محوري تركيا وقطر، ومصر والأمارات. فالمحور الأول يدعم فصائل مصراته المتحالفة مع رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج. في حين يدعم الثاني قوات الجنرال خليفة حفتر. وفي متنصف كانون الثاني / ديسمبر الفائت، هاجم المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، تركيا قائلاً إن "التدخل التركي أدخلنا في مأزق ووضع ليبيا في موقف ضعيف جداً أمام الإرهاب والإرهابيين"، محذراً من "مؤامرة تحاك القوى الوطنية في بلاده، تبلورت معالمها في الزيارة الأخيرة للرئيس التركي إلى شمال أفريقيا. وجاءت هذه الاتهامات بعد أن ضبط الخفر اليوناني سفينة محملة بمواد لتصنيع المتفجرات، كانت متجهة من تركيا إلى مصراته. وفي حينها اتهم حفتر تركيا بمحاولة تسليح "ميليشيات إسلامية" ضده.
وفي ما يتعلق بالملف الفلسطيني، حاولت الإمارات ومصر، عبر تنفيذ تفاهمات بين محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح وبين حركة حماس، تعزيز نفوذ أبو ظبي والقاهرة في غزة وتقليص دور الدوحة وأنقرة تدريجياً في القطاع. وقد أعلن السفير الفلسطيني لدى أنقرة، فائد مصطفى، قوله إن "تركيا منزعجة من التقارب الأخير الذي حصل بين حماس ودحلان، كون الأخير شخصية سلبية من وجهة نظر الأتراك". تخشى تركيا أن يؤدي أي تقارب من هذا النوع إلى إضعاف تأثيرها ونفوذها في الملف الفلسطيني.
وهناك أيضا توجس وتنافس في منطقة القرن الإفريقي، حيث يبدو أن هناك توجه واضح لدى أنقرة لتعزيز الوجود التركي في القارة، واستعادة ميناء سواكن السوداني هو جزء من استراتيجية جديدة أوسع لإحياء النفوذ التركي في منطقة البحر الأحمر، وهو ما أثار مخاوف دول عربية بينها مصر والسعودية والإمارات، والتي تخشى التمدد التركي ومخاطر ذلك على الأمد الطويل. وفي اعتبار أن السودان موطن لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصريين، فإن القاهرة وأبو ظبي قلقتان جداً من إمكانية توسع النفوذ التركي بين الإخوان السودانيين ونظرائهم المصريين في السودان. وتدرك كل من تركيا والإمارات أن الصومال يمكث على بعض ممرات الشحن الرئيسية في العالم، ويرى الطرفان فرص لبناء الموانئ البحرية وغيرها من هياكل النقل الأساسية.
ومع تطوير تركيا والإمارات علاقاتهما العسكرية والاقتصادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال وشرق أفريقيا، من المرجح أن تشتد منافساتهما العسكرية والاقتصادية في هذه المناطق. ويركز تواجدهم في تلك المناطق على الوضع الجيوسياسي طويل المدى أكثر من عمليات عسكرية قصيرة الأجل.
وختاما، هناك عوامل متشابكة ومعقدة سترسم مستقبل العلاقة بين أنقرة وأبو ظبي، ومن بينها ما ستؤول إليه انتخابات الرئاسة التركية في العام القادم، إضافة إلى مسار النزاعات في سوريا والعراق وتأثيرها على دور تركيا الإقليمي. وهناك أيضاً مدى ثبات موقف تركيا المستقبلي من جماعة الإخوان المسلمين بشكل عام، ومستقبل العلاقة بين أنقرة وكل من الرياض والقاهرة، وكذلك التحولات القادمة في العلاقة التركية الإيرانية، والأهم من ذلك شكل التحالف الأمريكي - التركي. وفي النهاية تدرك أنقرة - التي تدهورت علاقاتها مع واشنطن، أن أبو ظبي والرياض حليفان متلازمان، تدعمهما أمريكا. لكن لا يتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة أي خطوة أو موقف صريح حيال التوتر الإماراتي التركي الجاري، خاصة وأن العلاقة بين أبو ظبي وأنقرة لم تصل إلى حد القطيعة.