- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأمة العربية تنتفض من جديد
خلال زيارته للملكة العربية السعودية نهاية هذا الأسبوع، سيوجه الرئيس ترامب خطابه؛ ليس فقط، للسعوديين الذين يستضيفونه، بل سيخاطب أيضا، مؤتمر القمة العربية الإسلامية. ويأتي هذا الخطاب في الوقت الذي يمر فيها العالم العربي بأزمة عنيفة داخل بلدانه؛ إضافة إلى أزمة وجود مع إيران. ولمعالجة هذا الأمر؛ ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتفهم نظرية (مركز الأرض central land) التي تقول بأن من يسيطر على الشرق الأوسط؛ سوف يسيطر على الاقتصاد العالمي.
وإلى جانب العالم العربي، هناك أيضا الشرق الأوسط الكبير الذي يشمل العرب إلى جانب إيران وتركيا وإسرائيل. وكل دولة من هذه الدول الثلاثة أعدت خطتها للسيطرة على الشرق الأوسط بكامله، بينما العالم العربي يغط في سبات عميق.
إننا لو نظرنا إلى إسرائيل؛ لوجدنا أنها لا تستطيع فعل ذلك؛ لأنها إن فعلت؛ فسوف تذوب في العالم الإسلامي والعربي، لهذا فهي قد تحولت من السيطرة على الأرض إلى النفوذ الاقتصادي، وهو ما دعا إليه "شيمون بيريز" في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) بالاشتراك مع "أرى نائور" عام 1993 م. واليوم، ترغب إسرائيل في الالتفاف على القضية الفلسطينية بمد الجسور مع الدول العربية والإسلامية قبل الوفاء بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. غير أن المملكة العربية السعودية ترفض التطبيع ما لم يتم تفعيل المبادرة العربية وتطبيقها وإعادة الحقوق الفلسطينية إلى أصحابها، وهو ما صرح به الملك "عبد الله"، رحمه الله.
أما تركيا، فترغب عن طريق الاستثمار الاقتصادي والثقافي، في التوسع داخل العالم العربي، ولذلك قررت أن تمد من الأناضول إلى المحيط الهندي جنوباً، لكن مهمتها توقفت في سوريا عندما اصطدمت بالطموحات الإيرانية. ومن ثم، يجب على تركيا الآن، أن تتصدى للحرب الأهلية الواسعة النطاق هناك. ولقد شجعت تلك الأوضاع إيران على تطويق العالم العربي من خلال الهلال الشيعي؛ حيث استخدمت أذرعها الشيعية في السيطرة على العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن. لكن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن، نجح في إيقاف هذا المد الإيراني، بل إنه أرغمه على التحول من الهجوم إلى الدفاع. ففي العراق شعر العرب الشيعة بأنهم أمام استعمار إيراني، وأدرك الكثيرون منهم بأن تشيعهم العربي يختلف عن التشيع الإيراني، لأنه لا يتعارض مع الثوابت الإسلامية، فلا وجود لعبادة الأشخاص، مثل: الحسين، ولا زواج بلا شروط شرعية، ولا شتم لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وهذا ما أكد عليه "مقتدى الصدر" في العراق والسيد "علي الأمين" الذي يعارض حزب الله في لبنان، وهو ما شهدناه مع إخواننا الشيعة بالمدينة المنورة. وعلى الرغم من أن "مقتدى الصدر" قد غير موقفه مرات عديدة من قبل، إلا أنه أصبح يتحدى التشيع الإيراني علنا، وقد انتقل اليوم، إلى العمل الوطني، فهو لا يريد أي قوة أجنبية صديقة أو عدوة، لا في سوريا، ولا في العراق، ولا حتى في أي دولة من الدول العربية. لهذا بدأ العرب في العراق يلتفون حوله، ويتبعون منهجه.
وارتباطا بهذا الموضوع، أذكر أنني عندما كنت في مؤتمر التأسيس لمركز الحواريين اتباع الأديان الذي دعت إليه المملكة في "فيينا"، تحدثت مع أحد كبار المفكرين الشيعة من العراق، وهو "عبد الحسن شعبان"، فقال لي: "عندما كنت صغيرا؛ قالت لي أمي: هل تعلم أني كلما ودعتك إلى المدرسة؛ كنت أذهب إلى ضريح محمد بن الحسن العسكري، وأساله أن يحفظك ويحميك. فقلت لها يا أماه: العسكري لم يتمكن من حماية نفسه وهو حي، فكيف يستطيع أن يحميني وهو ميت". عندها قلت له: "إذًا أنت سلفي. فالسلف هم أشبه بما يعرف بالبوريتانية (التطهيرية)، "PURITANISM” أي: العودة إلى الجذور في العبادات وليس في المعاملات. وهنا يتجلى الفرق بين التشيع العربي والتشيع الفارسي.
لقد تنبهت الولايات المتحدة إلى أن إيران تريد تدمير العالم العربي، وتتآمر على وجوده؛ لتسيطر عليه، لهذا عملت الولايات المتحدة العمل على توحيد الصفوف العراقية في مواجهة تنظيم "داعش"، حتى يتحقق الاستقرار بالشرق الأوسط. ولقد كان الإيرانيون شركاء للنظام السوري في تدبير الحادث الإرهابي ضد الأمريكيين في "الخبر" عام 1996، وهم الذين قاموا بالتفجير ضد الأمريكيين في لبنان عام 1983، وهم الذين دربوا الفلسطينيين في لبنان؛ ليصبحوا خبراء في تفخيخ السيارات وتشريك الانتحاريين ضد إسرائيل. وأخيرًا، فإن داعش والقاعدة لم تقوما ولا بتفجير واحد داخل إيران، بل انحصرت كل عملياتهما في أوروبا والعالم العربي.
إلى جانب ذلك، فإن الولايات المتحدة؛ تُصِرُّ على تحقيق السلام في سوريا أملاً في ضمان مغادرة الميليشيات الأجنبية - الإيرانية والروسية والقوات التركية - للبلاد، والمحافظة على الوحدة الوطنية دون تمزيق أو تقسيم. لكن النظام الإيراني يحاول خلط الأوراق بالكيماوي، والتهجير، وخرق الهدنة.
لقد بدأ العرب سُنَّةً وشيعةً، ينتفضون اليوم، ويعيدون إحياء أمتهم عن طريق التحالف العربي والإسلامي، كما نظر العالم العربي إلى أوربا وشاهدوها كيف كانت تتقاتل داخليا؛ حتى دمرت نفسها خلال القرن الماضي، وكان آخرها الحرب العالمية الثانية، وهاهم يشاهدونها اليوم، وقد شكلت تحالف "النيتو" الذي نجح في إخماد ألسنة حروبها، وفتح الباب لما تشهده الآن، من تقدم وازدهار واستقرار.
والعالم العربي نراه اليوم يأخذ بهذه التجربة عن طريق إيجاد (نيتو عربي) يوحد صفوف الأمة العربية في آسيا وأفريقيا، ويتعامل مع مختلف التحديات الداخلية والخارجية، بالاستعانة بالخبرات الأوربية والأمريكية.
ومن المؤكد أن هذه القضايا ستتم مناقشتها خلال زيارة الرئيس ترامب القادمة إلى الشرق الأوسط، ومن الممكن لتلك المحادثات أن تساعد على تحقيق السلام، وعلى وضع الخطوط العريضة للتعامل مع التحديات التي يعرفها العالم في مواجهته لخطر الإرهاب بصفة عامة، ولما تعانيه دول المنطقة في مواجهتها للممارسات الإيرانية بصفة خاصة. إذ أن استئصال رأس الأخطبوط سيؤدي حتما، إلى إسقاط جميع أذرعه.