- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
إعلان جدّة لم يصل إلى وقف إطلاق النار
أعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في 11 أيار/مايو أن ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وقعوا في محافظة جدة السعودية على إعلان الالتزام بحماية المدنيين في السودان.
على الرغم من أن بيان وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الإعلان أشارإلى ترتيبات لإجراء "محادثات في جدة" في المستقبل لتيسير المفاوضات اللاحقة بشأن وقف الأعمال العدائية على المدى الطويلبالتنسيق مع مدنيين سودانيين وشركاء إقليميين ودوليين، لم يذكر الإعلان إلى هذه المفاوضات سوى بإيجاز. ويتبين في الواقع عند التدقيق في إعلان الالتزام أنه ناقص ولا يفي بالغرض ولا يضمنإتمامه من جانبَي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
ما الذي يجب أن يلتزم به الطرفان في الواقع؟
يتضمن الإعلان سبع نقاط تهدف إلى تحسين الوضع الإنساني في السودان، لا سيما بعد مقتل ثمانية عشر عاملًا في مجال المساعدة الإنسانية على الأقل منذ اندلاع الصراع في شهر نيسان/أبريل،ويمكن تلخيصها على الشكل الآتي:
1. توفير ممر آمن للمدنيين الهاربين من مناطق النزاع.
2. التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية واحترام المؤسسات العامة والخاصة.
3. السماح بمرور المساعدات الإنسانية وحماية العاملين والامتناع عن التدخل في العمليات الإنسانية.
4. التقيد بالتزامات القانون الدولي الإنساني.
5. إتاحة اتخاذ الإجراءات اللازمة لدفن الموتى بالتعاون مع الجهات المختصة.
6. ضمان التزام الجنود ذوي الرتب الدنيا بالقانون الإنساني الدولي وإعلان الالتزام.
7. إعطاء الأولوية للمحادثات بنية التفاوض على وقف إطلاق نار قصير الأمد، ثم تحديد موعد لإجراء محادثات بهدف إنهاءالأعمال العدائية بشكل دائم.
كان الهدف من الإعلان التوصل إلى وقف إطلاق النار لمدة 10 أيام من أجل دعم استمرار المساعدات الإنسانية، إلا أنه لم ينص على ذلك، بل على أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع "ملزمونباحترام مبادئ القانون الإنساني الدولي" و"يذكرهما" بالتزاماتهما الواردة فيه. هذا أمر بديهي إذ من المفترض أن الطرفين ملتزمان أصلًا بهذه القوانين الإنسانية، وعليه فإن الإعلان لا يقدم شيئًا جديدًا لناحية الالتزامات أو الضمانات.
حتى لو جرى التوصل إلى وقف إطلاق نار مؤقت في محادثات جدة اللاحقة، التي لم يُحدد جدول زمني لها، تحيط الشكوك باستدامته.فمن جهة، سبق للطرفين أن انتهكا اتفاقات وقف إطلاق نار في الماضي. وعلى الرغم من أن آلية مراقبة وقف إطلاق النار التي اقترحها الوسطاء والمدعومة من قبل المجتمع الدولي كانت شاملة إلاأنها تفتقر إلى القيمة خاصة إذا كانت عواقب خرق وقف إطلاق الناريُنظر إليها كونها إسناد عام للمسؤولية، وليست إجراءات عقابية على حد قول المسؤولون الأمريكيون.
أين يمكن أن نذهب انطلاقا من هذه النقطة؟
خارج إطار التعميمات التي تهدف إلى حفظ ماء الوجه، لم تقدم القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أي التزامات ملموسة لتحقيق السلام أو حماية الناس على الأرض في السودان. ومع أن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن الإعلان ليس سوى خطوة أولى تهدف إلى إعطاء الزخم، اعترف مسؤولون آخرون بأن الطرفين لا يزالان "متباعدين تمامًا “، حيث استمرت اعمال العنف في الخرطوم حتى بعد توقيع الاتفاق.
كذلك، أعرب عدد من المشرعين الأمريكيين عن قلقهم بشأن تهميش القوى المؤيدة للديمقراطية في السودان. وفي هذا الإطار، أشار السناتور الديمقراطي، كريس كونز" في 10 أيار/مايو إلى أنه "لا يمكننا السماح بإقصاء القيادة المدنية للجماعات التي قادت الانتفاضة الجريئة ضد عمر البشير".
يشكل ربما إعلان الالتزام الخطوة الأولى، ولكن ينبغي بالخطوات التالية أن تتسم بمزيد من الموضوعية من أجل تحقيق السلام للشعب السوداني. وفي هذا الإطار، يجب على المجتمع الدولي نزع المصداقية عن عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، ومحمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، لدورهما في تدمير البلاد. كما ينبغي بأي اتفاقات لاحقة بشأن المستقبل السياسي والعسكري للسودان أن تضمن عدم قدرة القائدين على استغلال منصبَيهما العسكريَينلبسط سيطرتهما خلال المرحلة الانتقالية بعد انتهاء الصراع، وذلك بعد التقاعس المتكرر عن معاقبتهما على انتهاكاتهما السابقة لحقوق الإنسان، بما في ذلك مذبحة تموز/يونيو 2019 وانقلاب تشرين الأول/أكتوبر.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تخضع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للدرجة عينها من العقوبات الدولية المنسقة التي تعرضت لها روسيا بعد غزوها غير المبرر لأوكرانيا، ما أدى إلى عزل روسيا فعليًا عن جزء كبير من النظام المالي العالمي. وبالتالي، لا بدّ من اتخاذ مثل هذه الاجراءات نظرًا إلى حجم العنف وما يختبره الشعب السوداني من عدم استقرار نتيجة القتال المتهور. فما لم يشعر الطرفان بأنمصالحهما المالية في خطر، لن يكونا مستعدين للمشاركة في مناقشات حقيقية.