- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الانعكاسات السلبية لتجارة المخدرات المتنامية في العراق
خلال السنوات الأخيرة، تخطت ظاهرة الاتجار في المخدرات في العراق من كونها مجرد تجارة بحتة يمارسها تجار المخدرات، إلى أنشطة مرتبطة بالجماعات المسلحة والقوى السياسية والقبلية المؤثرة التي تجنى مكاسب طائلة من هذه التجارة وتستغلها للحفاظ على نفوذها وسلطتها.
قبل سقوط النظام، كان العراق ممراً لعبور المخدرات الإيرانية والباكستانية الى دول الخليج وتحديداً السعودية والكويت ودول خليجية أخرى، حيث تحول بعد 2003 الى مستهلك رئيسي وثم أصبح مُصنعاً في الآونة الأخيرة من خلال تجار صغار تلاحقهم القوات الأمنية بشكل مستمر، في حين تتجاهل المتورطين الرئيسيين لارتباطهم بجهات سياسية متنفذة وميليشيات مسلحة. حولت هذه الميليشيات الموالية لإيران منفذ الشلامچة الحدودي في البصرة جنوب العراق الرابط بين الدولتين الى معبر للمخدرات وتجارتها داخل البلد.
وفى هذا السياق، يقول مسؤولو الأمن والصحة انه مع تزايد تدفق الأدوية مثل الكابتاغون أو(الميثامفيتامين) ومخدر الكريستال- الذي انتشر بشكل واسع في الفترة الأخيرة - من الدول المجاورة في السنوات الأخيرة، وصل الوضع لمستويات خطيرة ولا يمكن للسلطات التعامل معه بسبب محدودية الموارد. كما قال العقيد زياد القيسي، المتحدث باسم إدارة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، أن ظاهرة تنامى تعاطى المخدرات والاتجار بها صار "مشكلة تحتاج إلى تعاون من جميع الأطراف - حتى من المجتمع الدولي".
إضافة الى ذلك، أدى ضعف الحكومة العراقية الى سيطرة الميليشيات على البيئة الأمنية وتورطها في الاتجار في المخدرات مع حماية تجارها. وفى هذا السياق، يلقى بعض المحللون اللوم على إيران حيث يرون أنها صارت تعتمد ترويج المخدرات في العراق لغايتين، الأولى تتعلق بإلهاء الشباب العراقي عن همومهم الوطنية، أما الأخرى بتوفير موارد مالية تمكّنها من إدارة الجماعات المسلحة المرتبطة بها.
اتجاه متزايد لإدمان المخدرات
أكد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إن مخدر الكريستال يعتبر الآن المخدر الأخطر والأكثر انتشارا في العراق، محذرا في تقرير صدر في فبراير/شباط من عام 2021 من أنه أصبح يُصنع سرا داخل العراق بعد أن كان يهرب سابقا من إيران وحسب التقرير، فإن البؤر الرئيسية لانتشار الكريستال هي المحافظات الحدودية الجنوبية، مثل البصرة وميسان.
مخدر الكريستال هو منشط تم تصنيعه لأول مرة في ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى، ثم طوره اليابانيون واستخدموه خلال الحرب العالمية الثانية لإبقاء الجنود في حالة يقظة لساعات طويلة، ويؤدي الإدمان عليه إلى تدمير جهاز المناعة، وقد يؤدي إلى الوفاة بسبب فشل القلب أو الفشل الكلوي أو الهبوط الحاد في الوزن. ونظرا لان مشكلة تعاطى المخدرات والاتجار فيها تعتبر مشكلة جديدة إلى حد كبير في العراق، أدى ذلك الى عرقلة الجهود الحكومية المبذولة وترك المجتمعات العراقية غير مهيأة للتعامل مع هذا التهديد الجديد.
أدت ظاهرة انتشار المخدرات في العراق الى انتشار الكثير من الآفات الاجتماعية والجرائم التي لم تكن مألوفة لدى الشعب العراقي، فمثلا، دفع الإدمان على (25 عاماً) بعد خمس سنوات من إدمانه "الكريستال ميث" الى التحرش بأمه جسدياً والاعتداء عليها لفظياً وبالضرب أحيانا وهي سيدة مجتمع محترمة يمنعها شعور الأمومة من أخبار أحد كي لا تضعه تحت سياط المجتمع ولا يمكنها البقاء مكتوفة اليدين تنظر الى فلذة كبدها وهو يموت ببطيء. لم تتوقف أم علي عن البكاء أثناء حديثها عن ما تعانيه مع ابنها المدمن، "كان على شاباً مثالياً يحسدني عليه جميع الأقارب والزملاء ثم بدون سابق إنذار دخل هذا النفق المظلم الذي دمر حياتنا كعائلة" وأكدت "خلال فترة إدمانه صار شكاكاً جداً حتى انه يشك بي إنني احضر رجالاً الى المنزل أثناء غياب والده".
وفي مدينة البصرة اقصى جنوب العراق اغتصب سلام أخته البالغة من العمر 15 عاماً بعد مرور عامين من بداية تعاطيه مادة "الكريستال ميث" والأخيرة كانت تموت صمتاً كل يوم فمجرد أخبارها أحد قد تُنحر بسبب الأعراف السائدة في تلك المدينة ذات الطابع القبلي وكانت تعاني الخوف في ساعات تواجده داخل المنزل حسبما نقلته لنا صديقتها شهد والتي تحاول منذ عام تقريباً إنقاذها من قتل نفسها "في كل يوم تفكر في الانتحار وانا اقضي ساعات طويلة في منعها عن ذلك وهي تعتقد أنها أن لم تقتل نفسها سيقتلها ذويها حين يكُشف الأمر".
ولم يكن تعاطي الكريستال وتجارتها حكراً على الشباب فقط فهناك شابات لجأن الى هذا المخدر هروباً مما يتعرضن له من ضغوطات يومية ومشاكل عاطفية وسوء معاملة الأهل كما أنهن أصبحن أدوات للمتاجرة لأنهن اقل عرضة للتفتيش. نور 22 عاماً من العاصمة بغداد رأت في مخدر الكريستال ملجئاً لألمها الذي عانته بعد تعرضها لصدمة عاطفية ومن سوء حضها أنها لجأت أولا لصديقة سوء أرشدتها الى المخدرات بدلاً من مؤازرتها وساعدتها في الحصول على الجرعة الأولى "كان خياري البديل عن الانتحار ولم أكن اعلم انه طريق موت بطيء" فقد شوه الكريستال ملامحها الشابة وخسرت 15 رطلاً من وزنها وكادت أن تتسرب من الجامعة لولا تماثلها للشفاء لاحقاً.
وفى هذا الصدد، تشير إيناس كريم رئيسة منظمة "عراق خال من المخدرات" إلى أن "نسب تعاطي المخدرات باتت مقلقة بشكل متزايد، مع تجاوزها حدود 40 في المئة بين بعض الفئات العمرية من الشباب"، مبيّنة أن "الفئة العمرية التي تتعاطى المخدرات هي بين 15 و35 سنة، إلا أن النسبة الأكبر في مراكز علاج الإدمان تنحصر بين عمر 17-25 سنة". وأكدت على أن "الخوف من العقوبات المتشددة التي تعامل المتعاطي كمجرم وليس ضحية والوصمة الاجتماعية تمنع الكثير من المدمنين من تلقي العلاج". كما ونوهت على أن "هناك مقاهي لترويج المخدرات، تجذب الزبائن للإدمان من خلال وضع المخدر في الاراكيل دون الطلب منهم".
العمل على مكافحة الظاهرة
حتى الآن، لا يبدو أن الحكومة العراقية تتعامل بشكل ملائم مع ظاهرة الاتجار في المخدرات، حيث ينحصر ردها فقط على معاقب المتورطين أما بالسجن أو الإعدام. وبالنسبة للأفراد الذين يتعاطون المخدرات أو يمتلكونها أو ينقلونها، تصل العقوبات إلى السجن لمدة تزيد عن على ثلاث سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن خمسة ملايين دينار ولا تزيد على عشرة ملايين. ومن ثم، يفتقر العراق إلى مؤسسات التأهيل الصحية والنفسية للضحايا والتعامل معهم كمجرمين، ما يدفعهم إلى الخوف وعدم اللجوء إلى المؤسسات الصحية، إلا بعد إلقاء القبض عليهم من الجهات الأمنية، لأن المتعاطي يعد مجرماً في نظر القانون".
وأخيرا، تتطلب عملية مكافحة المخدرات الفعالة في العراق تضافر جميع الجهود ومؤسسات الدولة الصحية والتعليمية والقانونيةً لتطبيق الأطر التي تهدف للتعامل مع المشكلة. ومن ثم، يجب أن تتبنى المؤسسات الحكومية استراتيجية شاملة تساهم في مشاركة أصحاب المصلحة والجهات الرئيسية الفاعلة لمعالجة هذه القضية. ينبغي أيضا على الإعلام العراقي الاهتمام بمعالجة الظاهرة ورفع الوعي العام لتكوين رأي عام لتشخيص أسباب الظاهرة والعمل على مواجهتها إعلاميا.
علاوة على ذلك، يجب أن يكون هناك استثمار في التعليم والبحث العلمي لدراسة أسباب ارتفاع معدلات تعاطى المخدرات خلال السنوات الأخيرة. كما يجب فتح مراكز مختصة في كل محافظة للاهتمام بالعلاج، على أن تكون مراكز عامة بعيدة عن مراكز العلاج النفسي لما تحمله هذه المراكز من معاني سلبية في ذهنية المجتمع العراقي، حيث أن القانون العراقي لم يسمح حتى الآن بفتح مراكز علاجية نفسية من خلال المعالجين النفسيين وليس الأطباء؛ وهو ما يتسبب في تفاقم مشكلة علاج الإدمان.
يجب على الأجهزة الأمنية أيضا التوقف عن الاعتماد فقط على الإجراءات العقابية للحد من استخدام المخدرات والاتجار بها، كما يتوجب أيضا أن تعمل الحكومة العراقية على تحسين الوضع الاقتصادي المزرى ومعالجة أزمة البطالة المتزايدة والتي تمثل أحد اهم العوامل التي تدفع الشباب الى تعاطى المخدرات أو الاتجار فيها.