- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الانشقاق المتّسع بين السعوديّة وحزب "التجمّع اليمني للإصلاح" يمدّد حرب اليمن
لا ينبغي على المملكة العربية السعودية أن تواصل ترتيباتها السياسية المثالية في اليمن على حساب السلام.
حدّدَ بيانٌ أدلت به "هيئة كبار العلماء" السعودية في 10 تشرين الثاني/نوفمبر أكثر فأكثر الاضطرابات القائمة بين القيادة السعودية وجماعة "الإخوان المسلمين". ورغم أنّ إعلان الهيئة قد لا يُحدِث تداعيات جدّيّة على كافة الأمم العربية، فقد يزيد الاضطرابات المتنامية الملحوظة بين السعودية والحزب اليمني التابع لجماعة "الإخوان المسلمين"، أي حزب "التجمع اليمني للإصلاح". وتشكّل هذه الانشقاقات في التحالف المعادي للحوثيين عائقًا مستمرًّا أمام عملية السلام في اليمن، ومن الحكمة أن تحافظ السعودية أقلّه موقّتًا على علاقة مثمرة مع حزب "التجمع اليمني للإصلاح" لتُحقّق الهدف المباشر المتمثّل في التغلّب على الحوثيين.
غير أنّ ما يُعَقِّد ذلك هو واقع قيام السعودية في العقد المنصرم بتكثيف جهودها لمكافحة "الإخوان المسلمين" في العالَم العربي. ففي عام 2014، أظهرت وزارة الداخلية السعودية عداوتها الصريحة إزاء هذه الجماعة من خلال تصنيفها كتنظيم إرهابي. ويشير خطاب بيان الهيئة إلى استمرار الحملة السعودية ضدّ جماعة "الإخوان المسلمين" في كافة البلدان العربية، ويوضح المسافة التي تحول دون تقارب الطرفين، إذ يعتبر أنّ "جماعة الإخوان المسلمين" بمثابة جماعة إرهابية لا تمثّل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف...".
مع ذلك، استمرّت السعودية في إدارة علاقتها مع الحزب التابع لجماعة "الإخوان المسلمين" في اليمن، أي حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، الذي تتعاون معه في نزاعها الجاري ضدّ الحوثيين. وفي الواقع، حين أصدرت الحكومة السعودية في البداية لائحة الإرهاب الخاصة بها، التي شملت الأحزاب التابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" في البلدان الأخرى، استثنت منها حزب "التجمع اليمني للإصلاح".
وهذا الاستثناء هو على الأرجح نتيجة المصلحة المشتركة بين الحكومة السعودية وحزب "التجمع اليمني للإصلاح" في محاربة الحوثيين. في آذار/مارس 2015، حين قادت السعودية تحالفًا عربيًّا لمكافحة الامتداد العسكري للحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن، أشاد "التجمع اليمني للإصلاح" بالتدخل السعودي ورحّب به. وتعاونت الحكومة السعودية كجزءٍ من استراتيجيتها مع فصائل يمنية متنوعة، من بينها "التجمع اليمني للإصلاح". ومنذ ذلك الوقت، أفادَ هذا الحزب المصالح السعودية عبر معارضة الحركة الحوثية على كلٍّ من الصعيدَيْن السياسي والعسكري. لكن مع مرور الوقت، أخذ هذا التحالف يضعف أكثر فأكثر. ومع هذا الإعلان الديني السعودي الجديد، قد تبلغ الثقة بين الطرفَيْن مستوًى أدنى.
يُفاقِم البيانُ الاضطرابَ في هذه العلاقة بين رفيقَيْن غريبَيْن. فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن في عام 2014، لم تكن الثقة كاملة بين السعودية وحزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وهي حالة تفاقمت بسبب تضارب جدولَيْْ أعمالهما. وعلى سبيل المثال، فيما أبدى "التجمع اليمني للإصلاح" دعمًا لانتفاضات الربيع العربي في مختلف البلدان العربية، بقيت السعودية محترسة من هذه التطورات. وفيما كان بعض كبار أعضاء "التجمع اليمني للإصلاح" يعيشون في المنفى في السعودية منذ عام 2015 بعد الفرار من الحُكم الحوثي، لم يُساعد انتقالهم على توطيد الثقة بين الطرفَيْن. كذلك، لم ينجح الدعم السعودي الماضي لحزب "التجمع اليمني للإصلاح"، لا سيّما بين عامَي 2014 و2015 (بعد الامتداد الحوثي السريع في اليمن)، في توليد علاقة تعاونية تدوم.
مع ذلك، لم يؤدِّ الاضطراب في العلاقة إلى استخدام لهجة عدائية علنية بين الجهتَيْن. فرغم الضربات السعودية-الإماراتية السياسية والعسكرية التي تلقّاها "التجمع اليمني للإصلاح" في خلال السنوات القليلة الماضية، بقيت القيادة العليا للحزب مطبقة الشفتَيْن، مفضّلةً الصمت على الرد العلني. فسيؤدّي أي بيان معادٍ للسعودية يُدلي به الحزب إلى تصادمه العلني مع المملكة. وعلى هذا النحو، تسير هذه العلاقة حتى الآن بخطوات متثاقلة من دون الانشقاقات العلنية، ولو أنّ الاضطرابات الداخلية تقلقها باستمرار.
لكن الآن، تشير الشائعات والأحداث الأخيرة، ولو أنها غير مؤكَّدة رسميًّا، إلى أنّ العلاقة المتعكّرة بدأت تتجاوز الاختلافات الاعتيادية في الرأي، حيث أدت العلاقة الطيبة بين حزب الإصلاح والقيادة السياسية التركية في إضعاف العلاقة بين السعودية وحزب الإصلاح. وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة "العرب ويكلي" الشهر الماضي أن العالم الديني البارز عبد المجيد الزنداني غادر السعودية متوجهاً إلى تركيا. وقالت الصحيفة إن هناك "نزوح جماعي" لقادة حزب الإصلاح الذين وصلوا إلى أنقرة.
كما أثار أداء المملكة العربية السعودية في اليمن غضب أعضاء حزب الإصلاح، ودفعهم إلى الاصطفاف مع الحوثيين، حيث انضم الشيخ محمد الخزاعي، العضو السابق في حزب الإصلاح، إلى الحوثيين في تموز / يوليو 2020، وأعلن انهم بمثابة "مدافعون عن سيادة اليمن واستقلاله". ومع استمرار الحرب في اليمن، تتسع الخلافات بين المملكة العربية السعودية وحزب الإصلاح.
تعكس هذه الدينامية الموقف الحرج الذي اعتمدته السعودية في تدخّلها في اليمن. فعلى الرغم من الاختلافات، يجب أن تعترف السعودية بأهمية حزب "التجمع اليمني للإصلاح" في السياسة اليمنية. فمنذ تأسيس هذا الحزب في عام 1990، احتلّ المرتبة الثانية بعد حزب "المؤتمر الشعبي العام" من ناحية الشعبية والنفوذ في البلد، وكان بمثابة قوة دفعت إلى اندلاع الانتفاضة الشعبية في اليمن في عام 2011. وإلى ذلك، حافظ "التجمع اليمني للإصلاح" على السيطرة على جناح عسكري مهم، ستكون عملية إزاحته أو حلّه غير سهلة وحكيمة بالنسبة إلى السعودية، نظرًا إلى قيمته في محاربة الميليشيات الحوثية وتنظيم "القاعدة". ورغم تراجُع شعبية هذا الحزب مؤخرًا على ما يبدو، فهو يبقى قويًّا. ولن تزال السعودية بحاجة إلى الدخول في حربٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ منفصلةٍ إذا أرادت إلغاء نفوذ هذه المجموعة في اليمن.
أدّى هذا الموقف الصعب بدوره بالنسبة إلى القيادة السعودية إلى تفاقُم النزاع اليمني وتمديده. فامتنعت القيادة السعودية المتخوّفة من حيازة حزبٍ تابعٍ لجماعة "الإخوان المسلمين" على النفوذ عن دعم إعادة الحكومة اليمنية التي تعترف بها منظّمة "الأمم المتحدة". فحاليًّا، في حين أنّ نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر يُنكر علنًا العضوية في حزب "التجمع اليمني للإصلاح" – زاعمًا أنه ينتمي بالأحرى إلى حزب "المؤتمر الشعبي العام" – فهو يُعتبَر إلى حدٍّ كبيرٍ على علاقة بالحزب. ولن تدعم السعودية أبدًا بشكلٍ جدّيٍّ حكومةً يمنيةً حين تعتقد أنّ بعض كبار المسؤولين اليمنيين هم موالون لجماعة "الإخوان المسلمين" أو متعاطفون معها. وترى القيادة السعودية أنّ الحكومة المشلولة في اليمن أكثر أمنًا من حكومة قوية متأثّرة إلى حدٍّ كبيرٍ بحزب "التجمع اليمني للإصلاح".
لسوء الحظّ، تركت هذه السياسة المعتمَدة من جهة القيادة السعودية مع القيادة الإماراتية اليمنَ من دون استراتيجية واضحة للخروج من حالة الحرب المتواصلة فيه حاليًّا. وعلاوةً على ذلك، في حين أنّ السياسات الراهنة التي تعتمدها المملكة إزاء حزب "التجمع اليمني للإصلاح" مناسبة على المدى القصير، فقد يكون لها تأثيرات سلبية دائمة بالنسبة إلى مصالحها الخاصة. فاستفاد الحوثيون والانفصاليون الجنوبيون إلى حدٍّ كبيرٍ من اتّساع الهوّة بين الطرفين والتي تعطل الحكومة المعترَف بها دوليًّا في اليمن. وتفتح هشاشة الحكومة أو حتى زوالها الباب أمام الحوثيين والانفصاليين لإنشاء دول مستقلة في شمال البلد وجنوبه. لذلك، طالما لا تتغيّر هذه الدينامية، لن تهزم السعودية على الأرجح الحوثيين إلا إذا عززت علاقتها مع الحكومة اليمنية، وحزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وكافة العناصر الأخرى المعادية للحوثيين في اليمن.
سيكون بالتالي من الحكمة بالنسبة إلى القيادة السعودية أن تضع جانبًا بعض هواجسها المتعلقة بحزب "التجمع اليمني للإصلاح" فيما تعبر في بيئة سياسية تصبح عدائية أكثر فأكثر في اليمن، الذي يشكّل مسرحًا حيث فقدت السعودية عمليًّا كافة أصدقائها تقريبًا. فعدا عن الحوثيين و"التجمع اليمني للإصلاح"، لا يشعر الانفصاليون الجنوبيون، وهم قوة نافذة أساسية أخرى في اليمن، بثقة كبيرة في الدعم السعودي للانفصال، وترى بعض الأقاليم الجنوبية المناهضة للتقسيم أنّ الوجود السعودي هو بمثابة استعمار. كما يعتقد عامة الناس في اليمن إلى حدٍّ كبيرٍ أنّ السعودية خانت اليمن من خلال دعمها للحرب الطويلة والمدمّرة في بلدهم. ونظرًا إلى تراجع الأصول السياسية السعودية في اليمن، من الحكمة أن تركز القيادة السعودية على هزيمة الحوثيين أوّلًا، ثمّ تعمل على تمكين أي أطراف و/أو قادة يمنيين تعتبرهم حلفاء في جهدها لإحباط نفوذ "التجمع اليمني للإصلاح" – على افتراض استمرارها في اعتبار أنّ هذا الحزب يشكّل تهديدًا حقيقيًّا لأمن السعودية أو مصالحها.
ستُضرّ على الأرجح السياسة السعودية الراهنة إزاء حزب "التجمع اليمني للإصلاح" بفعالية جهود السلام في اليمن، وهي تزيد تعقيد النزاع. فبدلًا من استمرار الرياض في وصم أعدائها كمنظمات إرهابية والاحتجاج عليهم، لا بدّ من أن تسعى إلى اتّباع نهجٍ أكثر واقعيةً ودقّةً يُعيد النظر في موقفها السياسي الذي يطرح التحديات وفي الحصيلة الكارثية للحرب المستمرة في اليمن. ولا تستطيع السعودية التخلص بالكلّيّة من الحوثيين وحزب "التجمع اليمني للإصلاح" والآخرين في اليمن الذين يرفضون سياسات الرياض، لكن يمكن أن تسعى إلى تسويةٍ لا تقتضي خوض حربٍ لا نهاية لها.