- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الانتخابات البرلمانية المصرية على المحك
تسلّط الانتخابات المقبلة في مصر الضوء على أداء البرلمان ومصداقيته الآخذين في التدهور.
ستجري مصر انتخابات برلمانية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، حيث سيكون موعد المرحلة الأولى من عملية الانتخابات في 24 و25 تشرين الأول/أكتوبر في 14 محافظة، والمرحلة الثانية في 7 و8 تشرين الثاني/نوفمبر في 13 محافظة. وقبل بضعة أيام فقط من الانتخابات البرلمانية، صدرت عدة تقارير زعمت أنه تمّ استخدام المال السياسي إلى حدّ كبير لشراء مرشحين مع تسليط الضوء على معدل مشاركة مختلف الأحزاب السياسية المتدني للغاية في الانتخابات.
ويتنافس المرشحون على عدد كبير من المقاعد، حيث أن العدد الإجمالي في مجلس النواب يبلغ 568 مقعدًا، يجري انتخاب 284 منها وفق "النظام الفردي" و284 وفق "نظام القوائم المغلقة المطلقة". وتخصص نسبة لا تقل عن 25 في المائة من المقاعد للنساء، كما لا يحق للرئيس تعيين أكثر من 5 في المائة من أعضاء البرلمان.
وكما حصل خلال انتخابات مجلس الشيوخ في 8 أيلول/سبتمبر من العام الجاري، يعتقد العديد من المحللين أن نسبة الاقتراع خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة ستبقى متدنية. ويمكن أن يعزى ذلك إلى عدة أسباب: الأداء السيئ للمجلس السابق الذي ألحق الضرر بمصداقيته، وسيطرة المال السياسي، والتراجع المستمر لأحزاب المعارضة.
تدهور الأداء والمصداقية
فشل مجلس النواب المصري بشكل عام في تقديم نفسه كمؤسسة عامة قادرة وجديرة بالثقة.، حيث أن تجربة البرلمان الحالي - الذي كان مجلس النواب المكون الوحيد فيه قبل تعديل دستوري أدى الى إنشاء مجلس الشيوخ، أخفق في تمثيل القوى والأحزاب السياسية المعارضة، وهو منحى حوّل البرلمان إلى دمية بيد النظام. كما طغت الأغلبية التابعة للنظام على الأصوات المعارضة القليلة التي علت في البرلمان.
ولسوء الحظ، كان الأداء العام لهذا البرلمان – رغم استمرار موالاته للنظام – مخيب للآمال. فقد شهد المواطنون على قدرة البرلمان على تشريع مئات القوانين التي تساهم في تشديد قبضة النظام الحاكم على العديد من جوانب الحياة السياسية في مصر. واللافت أن مجلس النواب قد وافق على 233 مسودة قانون جديرة بالملاحظة تتضمن بالإجمال 2490 مادةً خلال جلسته التشريعية الخامسة في غضون10 أشهر تخللها توقف كبير للجلسات على خلفية تفشي جائحة فيروس كورونا.
ساهمت آلاف التشريعات التي سنّها البرلمان ضد مصالح المواطنين وزادت من فقرهم. ويعتبر قانون التصالح في مخالفات البناء أبرز مثال على هذا الأمر، وهو قانون دفع بالحكومة في آب/أغسطس 2020 إلى إرسال إنذار إلى المواطنين الذين يقيمون في منازل مبنية بشكل غير قانوني للدخول في عملية تصالح أو يجري هدم منازلهم. وعندما لم يستجب الكثيرون لهذا الإنذار، حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب علني من أنه يدرس احتمال نشر الجيش في المحافظات لضمان تطبيق القانون وفق الأصول.
ونتيجةً لذلك، بدأت الحكومة بهدم مئات المنازل، تاركةً آلاف المواطنين مشردين من دون تعويض أو مساعدة حكومية. وقد خرج بعض السكان إلى شوارع العديد من المحافظات والقرى احتجاجًا على هذه الحملة في 20 أيلول/سبتمبر، ما دفع بالحكومة إلى تمديد المهلة النهائية للتصالح من أواخر أيلول/سبتمبر ولغاية أواخر تشرين الأول/أكتوبر. لكن من المرجح أن تُستأنف عمليات الهدم مع انقضاء هذا الموعد النهائي الجديد.
كما لم يستخدم البرلمان الاستجواب - الذي يعتبر إحدى أهم الأدوات التشريعية - بغية الحدّ من المشقات الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد والتي أدت إلى انتشار الأبنية السكنية غير القانونية أو التصدي للفساد المستشري، ولا حتى لمرة واحدة خلال جلساته. بدلًا من ذلك، أثقل كاهل البلاد بمجموعة ديون هائلة لن تتمكن إيرادات الموازنة المنخفضة من تسديدها. وما يزيد الأمر سوءًا هو تخصيص قسم كبير من موازنة الدولة السنوية لتسديد الديون التي وصلت إلى 121 في المائة من الناتج الوطني بحسب أرقام المصرف المركزي.
كذلك، لم ينجح البرلمان المصري في اتخاذ أي تدابير فعالة للتخفيف من الفقر المستمر أو تحسين الأنظمة الصحية أو التعليمية في البلاد. وخلال الجلسات التي عقدها، مرر 5 موازنات عامة للدولة غير دستورية، لم توفر أي منها نسبة العشرة في المائة من إجمالي الناتج الوطني المخصصة لقطاعات الصحة والتعليم والأبحاث العلمية. ورغم أن الدستور يخوّل البرلمان المصري إعادة النظر في قرارات المصرف المركزي وحتى نقضها، إلا أنه لم يحرك ساكنًا حين قرر المصرف تعويم الجنيه المصري في 2016، وهو قرار فاقم بشكل كبير الفقر والتضخم. فضلًا عن ذلك، عمّقت موافقة البرلمان الحالي على 14 قرارًا أصدره السيسي لتمديد حالة الطوارئ في أرجاء البلاد عدم ثقة الشعب بالبرلمان.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، كان نهج البرلمان المصري تجاه السياسة الخارجية ضعيفًا وغير فعال، حيث وافق البرلمان الحالي على اتفاق مثير للجدل إلى حدّ كبير من أجل التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة العربية السعودية، رغم الحكم الصادر عن "المحكمة الإدارية العليا" بأنهما مصريتان. هذا وعجز البرلمان عن صياغة استجابة أو سياسة مناسبة ضد "سد النهضة الأثيوبي" الذي من المتوقع أن يقلص حصة مصر من مياه النيل.
وفي حين لم تلقَ مساعي البرلمان الحالية تأييدًا شعبيًا كبيرًا، فإن احتمال أن تحدث الانتخابات المقبلة تغييرًا حقيقيًا في السياسة محدود للغاية. ومن خلال السير على خطى خطة نظام مبارك الممنهجة لقمع المعارضة داخل البرلمان من خلال ربط النظام بحزب سياسي، آنذاك "الحزب الوطني الديمقراطي"، عيّن النظام الحالي "حزب مستقبل وطن" ليضطلع بالدور نفسه.
وخلال انتخابات عام 2015، شكل "حزب مستقبل وطن" تحالفًا انتخابيًا ووضع قائمة "من أجل مصر" لخوض الانتخابات البرلمانية. وشمل التحالف "حزب الوفد" و"حزب المصريين الأحرار" و"حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي" إلى جانب "حزب مستقبل وطن". وفاز بأكبر عدد من المقاعد في المجلس (120) مقعدًا، تلاه حزب "مصر الحرة" (65 مقعدًا). كما فاز التحالف نفسه بنسبة 70 في المائة في انتخابات مجلس الشيوخ المشكل حديثًا في آب/أغسطس 2020. وحاليًا، نجح هذا التحالف أيضًا في ضم 12 حزبًا مصريًا سيخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ضمن قائمته.
المال السياسي
خلال الانتخابات المصرية السابقة، كان استخدام المال السياسي لشراء الأصوات خلال الحملات الانتخابية ممارسة معتادة. غير أن هذه الانتخابات غير اعتيادية من حيث أن المال السياسي الآن يستخدم لشراء المرشحين. وقد أظهرت العديد من التسريبات مؤخرًا أن قائمة "من أجل مصر"، التي يرأسها "حزب مستقبل وطن" الموالي للنظام، اختارت مرشحيها في القائمة مقابل المال. كما أشارت التقارير إلى تورط بعض الأجهزة الأمنية في عملية الاختيار التي أسفرت عن إقصاء نصف أعضاء البرلمان الحالي. وللمفاجأة، نددت بعض الشخصيات الموالية للنظام – على غرار النائب مرتضى منصور الذي استُبعد من قائمة "من أجل مصر" - بـ"حزب مستقبل وطن" واتهمته ببيع الترشيح على قائمته.
ويأتي الهجوم الذي شنه منصور بعد أسبوعين على توقيف قوات الأمن المصرية المحامي طارق جميل سعيد الموالي للنظام وإحالته إلى "نيابة أمن الدولة العليا" التي أصدرت حكمًا بسجنه لخمسة عشر يومًا بعدما انتقد بدوره "حزب مستقبل وطن" متهمًا إياه ببيع الترشيح والمقاعد. وقد تقوض هذه الشهادات الصادرة عن مؤيدين للنظام مصداقية البرلمان المقبل بشكل كبير. علاوةً على ذلك، يميل توسيع الدوائر الانتخابية ضمن النظام الفردي، في إطار القانون الانتخابي التي تمّ إقراره حديثًا، صراحةً لصالح المرشحين الأغنياء ويهمش في الوقت نفسه مرشحين آخرين لا يمكنهم صرف ما يكفي من الأموال لإدارة حملاتهم.
وبالتالي، يبدو أن "حزب مستقبل وطن" أصبح مركز جاذبية بالنسبة لأحزاب المعارضة – أي بوابتها الوحيدة إلى البرلمان. وصحيح أن العديد من الأحزاب السياسية التي انضمت إلى قائمته قد أطلقت اتهامات بحقه منذ ذلك الحين، لكن فوزها في الانتخابات لا يزال محتملًا.
ومع ذلك، ورغم الشوائب المذكورة أعلاه في مجلس النواب الحالي وفشله في أن يكون الممثل الفعلي للشعب، قد تشهد الانتخابات البرلمانية المقبلة ارتفاعًا بسيطًا في عدد المقترعين. ويمكن عزو هذا الارتفاع إلى واقع أن الانتخابات البرلمانية في مصر عادةً ما تحظى باهتمام شرائح مختلفة من المجتمع، إذ يعتبر البرلمان تاريخيًا رمزًا للسلطة والنفوذ. ولا تزال الشخصيات السياسية والقبلية مستعدة للتنافس تحت مظلة الأحزاب المقربة من الحكومة أو المعارضة لها أو كمرشحين مستقلين. وعليه، ستكون حملات الحشد المكثفة وعمليات شراء الأصوات المحتملة مسؤولة عن أي زيادة في أعداد المقترعين.
غير أن نسبة المشاركة الإجمالية في الانتخابات ستبقى منخفضة على الأرجح، رغم واقع أن الذين يقاطعون الانتخابات سيحالون إلى النيابة العامة ويدفعون غرامات – كما حصل خلال انتخابات مجلس الشيوخ السابقة عندما أحالت لجنة الانتخابات المصرية نحو 54 مليون شخص ممن قاطعوا الانتخابات إلى النيابة العامة.
وحاليًا، تسود رؤيتان في الدوائر الرسمية بشأن مستقبل البرلمان ما بعد الانتخابات الحالية. وتدعو الرؤية الأولى إلى الانفتاح والسماح بتشكّل جو سياسي جديد ونظيف في البرلمان من شأنه أن يحفظ ماء الوجه بالنسبة للنظام ويحسن صورته. أما الرؤية الثانية، فترفض هذا الاقتراح خوفًا تسلل العناصر التي تدعم جماعة الإخوان المسلمين سرًا الى البرلمان. لكن الآن، يبدو أن النظام سيعتمد الرؤية الثانية ويواصل تشديد قبضته على الجهاز التشريعي لتجنب أي عرقلة محتملة قد يتسبب بها المعارضون لعملية تشريع القانون.