- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الانتخابات العراقية القادمة: انقلاب عسكري عبر الديمقراطية
1 فبراير /شباط 2018
تترقب جميع من الأوساط العربية والغربية، إمكانية التغير في العراق وإمكانية الابتعاد قليلا عن إيران، إلا أن واقع الحال يؤكد على أن بلاد الرافدين تمر بمرحلة شديدة التعقيد، مرحلة تنذر بتغير جذري، قد يجعل من العراق بأكمله؛ ولاية من الولايات الإيرانية التي ترتبط بطهران سياسيا واقتصاديا وعسكريا. فبالرغم مما حققه العبادي من انتصارات عسكرية على تنظيم الدولة الإسلامية، وما حققه من تمدد ميداني على حساب الكرد في كركوك؛ إلا أن عمق هذه الانتصارات كان بإرادة ومساعدة إيرانية.
كما أن مشعل القيادة في العراق كان مقسما بين جناحين: تمثل الأول في شخص العبادي، فيما تمثل الثاني في شخص قاسم سليماني. هذا الأخير أصبح اليوم، يتمتع بنفوذ أكبر في ظل اندحار وانقسام الكرد في كركوك وتراجعهم. وهناك الملايين من النازحين العراقيين، معظمهم من السنة، والذين تم حرمانهم من العودة إلى ديارهم من قبل مليشيات الحشد الشعبي، وذلك بناء على أوامر مباشرة من سليماني. وهكذا، يمكننا التنبؤ بمستقبل العراق السياسي حيث انه من المتوقع أن يبقى العبادي كرئيس وزراء، وان تسيطر إيران على البرلمان العراقي وان يتم شرعنة المليشيات في العراق.
وإذا كانت الانتصارات التي حققها الحشد الشعبي ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ قد أبهرت العديد من أبناء الشعب العراقي، وجعلت بعضهم يطالب زعماء الحشد بالمشاركة في الانتخابات المقبلة من باب الاعتراف بجهودهم وتضحياتهم، حتى يَحُلُّوا مَحَلَّ النواب الفاسدين أو المتخاذلين الذين لم يكونوا في مستوى تطلعات المواطنين؛ فإن تلك المطالب هي دعوات غير قانونية، إذ أنها تخالف مضامين الدستور العراقي، والذي يمنع القوات الأمنية والقوات المسلحة من أي تدخل في الشؤون السياسية، فهو وإن كان قد أباح لأفرادها حق المشاركة في التصويت وانتخاب المرشحين؛ فإنه بالمقابل، قد قيد حق أفرادها في الترشح لدخول البرلمان العراقي؛ بشرط الحصول على التقاعد أو ترك الخدمة العسكرية بصفة نهائية. وما دام أفراد الحشد الشعبي بمثابة جزء من القوات المسلحة العراقية، يأتمرون بأوامر قيادتها العامة؛ فإن خوضهم لغمار الانتخابات البرلمانية القادمة يعتبر مخالفة قانونية ودستورية. ولذلك نجد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يُشدِّدُ على ضرورة التزام الأحزاب التي تنوي المشاركة في الانتخابات؛ بعدم امتلاك أي فصيل مسلح، ويؤكد على أن الحكومة لن تسمح بوجود سلاح خارج نطاق الدولة.
وبرغم ما سبق ذكره، إلا أن هناك مؤشرات عديدة على وجود نية من قبل الحشد الشعبي للمشاركة في العملية الانتخابية، إذ أعلن نعيم العبودي ـ المتحدث السياسي باسم "عصائب أهل الحق" ـ على أن "كتلة الصادقون التابعة للحركة ستشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة". وبالمثل، أعلن قيس الخزعلي زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن تحول تلك المليشيا إلى كيان سياسي، وأن تلك العصائب ستكون تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة وبمسمى جديد. ومن الجدير بالذكر أن تلك المليشيات تتبنى أيديولوجية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وتدين بالولاء لإيران بالدرجة الأولى.
واليوم تملك المليشيات عدة عوامل لتحقيق الصعود والارتقاء السياسي، في مقدمتها القوة العسكرية، وإدارة المناطق السنية، والتحكم بالنازحين، ودعاية جماهيرية صنعت منها صورة للمنقذ المنتظر الذي لن يحرر العراق فقط بل سيحرر القدس أيضا. ومن المتوقع أن تعمل تلك المليشيات خلال الانتخابات المقبلة المقرر عقدها في أيار/مايو المقبل على السيطرة على البرلمان العراقي بعد أن تستكمل عملية تحولها لكيانات سياسية، خاصة بعدما سمح لها العبادي بالتحول التدريجي إلى أحزاب سياسية، ودون أي ضمانات بصدق نيتها في التنازل عن أسلحتها وإنهاء ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني. كما كشفت بعض المصادر عن قرب الإعلان عن تحالف انتخابي واسع، سيضم خمس جهات ومليشيات مقربة من إيران، منها: نوري المالكي رئيس "ائتلاف دولة القانون"، وهادي العامري عضو البرلمان العراقي رئيس مليشيا "بدر"، وقيس الخزعلي الأمين العام لمليشيا "عصائب أهل الحق"، وأكرم الكعبي رئيس مليشيا "النجباء"، وقيادة مليشيا "حزب الله العراقي".
تدرك إيران وجميع الموالين لها في العراق، بأن السيد العبادي هو المرشح المرغوب فيه أمريكيا وعربيا، كما تدرك أنه لن يتصادم مع الحشد الشعبي أو حتى مع النفوذ الإيراني بشكل مباشر، وأن أقصى خطواته التصعيدية تجاه إيران، لن تتجاوز الخطابات الصوتية لا أقل ولا أكثر. ومن الجدير بالذكر هنا أن العبادي رجل وسطي ذو ميول إسلامية وغربية في الوقت نفسه، فهو منحدر من حزب الدعوة الإسلامي إيديولوجيا، وما زال منتميا له، علاوة على أنه كان قد حصل على تعليمه من جامعات أوروبية، وبالتالي، سيحافظ على علاقاته الخارجية مع الغرب خاصة مع أمريكا، ومع العرب وعلى رأسهم السعودية. ولن يقوم بتوجيه أي ضربة نحو شركائه السياسيين سواء فى إيران أو في أي مكان أخر. وهذا ما ترغب فيه السلطة الإيرانية من خلال إيهام الأمريكان والعرب بأنهم يملكون لاعبا محليا داخل العراق، في حين أن ذات اللاعب نفسه هو ورقة رابحة للإيرانيين، من أجل بسط نفوذهم المطلق على السلطة السياسية والأمنية بالعراق من خلال الأحزاب الموالية لطهران، ومن خلال المليشيات المسلحة التي ستتحول إلى قوى سياسية. ومن ثم، تكتسح نتائج الانتخابات، لتدخل إلى البرلمان دخولا قويا، هو أشبه بانقلاب العسكر أو المليشيا المسلحة للسيطرة على السلطة التشريعية.
وبالمقابل، هناك محاولات عربية لدعم تحالف سياسي برئاسة العبادي والصدر زعيم المليشيا الشيعية الذي بدا في الآونة الأخيرة مناوئاً لإيران. فقد استقبلت المملكة العربية السيد العبادي بحفاوة، في حين استقبلت دولة الأمارات العربية المتحدة السيد الصدر، تمهيدا لإنشاء ذلك التحالف بعيدا عن إيران. إلا أن هذه الأخيرة تتابع الوقائع عن كثب وسوف تترك للعبادي أمر الاستفادة من فرصة الدعم العربي لتحقيق التحالف مع الصدر؛ لأنها ترغب في استمراره رئيسا للوزراء؛ حتى تحقق مآربها في السيطرة على البرلمان العراقي، والذي سيمتلك القرار السيادي قبل رئيس الوزراء. وبذلك سيبقى شخص رئيس الوزراء هذا، مجرد أداة سياسية أو متحدث رسمي شكلي، دون القدرة على التأثير الفعلي على أرض الواقع.
ومن المتوقع أن تنحاز تركيا للحشد الشعبي ولبقاء العبادي في وضعه الحالي، مع نفوذ إيراني كبير على البرلمان العراقي؛ فالأكراد يمثلون خطرا استراتيجيا على وحدة تركيا، ومن مصلحتها أن تسيطر إيران على كركوك والموصل بدل أن يسيطر عليها الأكراد الذين تعتبرهم تركيا تهديدا استراتيجيا محتملا، وذلك عملا بمبدأ "عدو عدوي صديقي".
من هنا، نتوقع بأن البرلمان العراقي سيكون قوة إيرانية جديدة في المنطقة، خاصة في ظل وجود رئيس وزراء لا يمتلك القدرة التشريعية، كما أن القوة العسكرية للمليشيات ستمثل تهديدا للمنطقة؛ إذا ما تحكمت في القرارات البرلمانية، وسَنَّتْ سياسات تتماشى مع طموحات الهيمنة الإيرانية.
ولتفادي هذاالسيناريو أو للتخفيف من حدته؛ لابد من التأكيد على وجود ضمانات حقيقية تكفل نزاهة العملية الانتخابية بما فيها العمل الجاد لضمان عودة المشردين إلى مدنهم. كما أنه يستوجب على العبادي وحلفائه أن يستجمعوا إرادتهم وقوتهم للضغط على الأحزاب السياسية التي تنوى المشاركة في العملية الانتخابية؛ حتى تتخلى فعليا عن ميلشياتها.