- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الانتخابات الرئاسية في لبنان: كيف صبّ تغير ديناميات السلطة في مصلحة إيران
إنّ تنامي قوة "حزب الله" وإيران يشكل خطرًا على الديمقراطية في لبنان، مع ذلك يؤمل أن يمهّد اختيار الرئيس الجديد الطريق أمام إجراء الانتخابات النيابية أخيرًا بعد ثلاث سنوات من التأجيل.
وأخيرًا نصّب مجلس النواب اللبناني ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وهو رجل السياسة المسيحي المفضّل لدى الوكيل الإيراني "حزب الله". وما هذا التطور سوى مثال آخر على التطورات الإقليمية التي تجري بما تشتهيه إيران لتسهم في إمكانية تغيير موازين القوى في المنطقة
والواقع أن النواحي التقنية التي أوصلت إلى هذا الوضع غافلت الكثير من المراقبين. فالرئاسة اللبنانية تتهاوى منذ أكثر من عامين مع فشل التحالفين الرئيسيين في لبنان، أي تحالف "8 آذار" وتحالف "14 آذار"، في التوافق على مرشح قادر على ضمان الثلثين الضروريين لإجراء الانتخابات الرئاسية.
بيد أن لبنان شهد تحولات ضخمة على الساحة السياسية خلال الأشهر التي سبقت جلسة الانتخاب، ومن ضمنها إقدام اثنين من أبرز قادة الأحزاب السياسية المنتمية إلى تحالف "14 آذار" وبشكلٍ غير متوقع على تأييد ترشيح أعضاء من تحالف "8 آذار". ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أعلن رئيس "تيار المستقبل" السني سعد الحريري - الذي تم تعيينه حديثًا رئيسًا للحكومة - ترشيح رئيس "تيار المردة" المنتمي إلى تحالف "8 آذار" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في ما اعتُبر تطورًا مثيرًا للصدمة نظرًا إلى الصداقة العلنية التي تربط فرنجية بالرئيس بشار الأسد وإلى تحالفه القوي مع "حزب الله".
وإذا بالرد يأتي من رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي أيّد ترشيح رئيس "التيار الوطني الحر" ميشال عون، مع العلم بأن هذا الأخير كان قد انفصل عن تحالف "14 آذار" في العام 2006 حين وقّع مذكرة تفاهم مع "حزب الله" لزيادة حظوظه بالرئاسة. وقرار جعجع مستندٌ في النهاية إلى أسباب طائفية، إذ يقتضي النظام اللبناني أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيًا مارونيًا، ورئيس الحكومة مسلمًا سنيًا، ورئيس مجلس النواب مسلمًا شيعيًا. وكان من شأن هذه الخطوة أن وحّدت "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" للمرة الأولى منذ عام 2006، حتى أن الحزبين تحالفا في الانتخابات البلدية التي أجريت في أيار/مايو 2016. لكن هذا القرار، وإذ وحّد الشارع المسيحي، تسبب في الوقت نفسه بتغيير ديناميات تحالف "14 آذار" إلى حدًّ دفع الكثير من أعضائه إلى التساؤل عما إذا كان التحالف لا يزال قائمًا.
ثم بعد عشرة أشهر من الجمود ما بين تأييد جعجع لعون وترشيح الحريري لفرنجية، أثار الحريري صدمة المراقبين مرة أخرى حين غيّر مرشّحه إلى عون في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2016. وإذا بقرار الحريري يوحّد أعضاءً من تحالفَي "8 آذار" و"14 آذار" حول عون، بما فيها "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" و"حزب الله" و"الحزب التقدمي الاشتراكي". إلا أن ثلاثة أحزاب بقيت معارضة، وهي "حركة أمل" التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، و"تيار المردة" الذي يرأسه المرشح الرئاسي سليمان فرنجية، وحزب "الكتائب اللبنانية" بقيادة سامي الجميّل.
فما الذي دفع هؤلاء السياسيين إلى تغيير مواقفهم ودعم المرشح الأول لدى "حزب الله" بالرغم من الاختلافات الحادة في ما بينهم؟ لقد لعبت التغيرات الإقليمية والدولية دورًا كبيرًا في ذلك– ولعل التغير الأكبر هو الاتفاق النووي الإيراني وما يترتب عنه من تغير في موازين القوى الإقليمية.
الجدير بالذكر هو أن المملكة العربية السعودية وإيران تلعبان كلتاهما دورًا كبيرًا في الشؤون اللبنانية. فلطالما دعمت السعودية "تيار المستقبل" التابع للحريري فيما تمدّ إيران "حزب الله" بدعمٍ متواصل. وبعد التوافق على خطة العمل الشاملة المشتركة وتأييد الحريري لترشيح حليف بشار الأسد، سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية، تراجع الدعم السعودي لـ"تيار المستقبل" وألغت السعودية في شباط/فبراير2016 عقدًا بقيمة ثمانية ملايين دولار لدعم لبنان وثنت المواطنين السعوديين عن السفر إلى لبنان. وقرابة الوقت عينه، ازدادت حظوظ إيران في المنطقة حينما تدخلت روسيا لدعم حليفهما بشار الأسد، فأخذت قوة وكيل إيران في سوريا "حزب الله" تزداد بشكل ملحوظ.
إلا أن فقدان الدعم السعودي ترك الحريري في موقع ضعف، حيث تعذّر عليه الحفاظ على معارضة فعالة بوجه تحالف "8 آذار" و"حزب الله" اللذين تعاظم نفوذهما مع تلاشي تحالف "14 آذار".
وقد بدأت الصعوبات بالتبلور في وجه الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في حزيران/يونيو 2017، مع أن الكثيرين يتوقعون أن يتم تأجيلها للمرة الثالثة منذ العام 2013. فقد تصر الحكومة العتيدة على إرجاء الانتخابات ريثما يتم تشكيل مجلس الوزراء وسنّ قانون انتخابي جديد. لكن من المستبعد على المواطنين المغتاظين من الشلل الذي أصاب البرلمان على مدى السنوات الماضية أن يسكتوا عن تأجيل آخر ومن الممكن أن يخرجوا إلى الشارع في تظاهرات كما فعلوا سنة 2015 عندما توقّفت عملية جمع النفايات. ويشار إلى أن لبنان لم يجرِ انتخابات نيابية منذ العام 2009، وهو بذلك قد أقصى المواطنين عن العملية الديمقراطية وأضعف قدرة الحكومة على معالجة القضايا الأهم بالنسبة للشعب اللبناني.
في هذا الإطار، يتوجب على الرئيس ميشال عون أن يدلي بتصريح خلال الأشهر المقبلة ويعيّن حكومة جديدة. ويعتقد الكثيرون أن نبيه بري – الذي حجب بدعمه عن عون إنما لم يقاطع الانتخابات – سيبقى رئيسًا لمجلس النواب وأن أحد أعضاء كتلته سيعيَّن وزيرًا للمالية. أما الحريري فأصبح رئيس الحكومة الجديد كما كان متوقعًا، ومن المتوقع أن يكون قائد الجيش الجديد من معارف الرئيس عون.
في الواقع، يبشّر الرئيس الجديد بما قد يُعتبر صفحة جديدة في تاريخ لبنان ومرحلةً تشهد على الموت البطيء لتحالف "14 آذار" مع تنامي نفوذ "حزب الله" – وبالتالي إيران. وهذا خير مثال على تلاعب التغيرات الأوسع للقوى الإقليمية بالديناميات السياسية والطائفية في الداخل. فقد كان الخيار صعبًا أمام مسيحيي لبنان ما بين الإذعان لمرشح "حزب الله" المفضلّ أو استمرار الفراغ الرئاسي بما ينطوي عليه من خطر تهميش الدولة والمجتمع.
إنّ تنامي قوة "حزب الله" وإيران يشكل خطرًا على الديمقراطية في لبنان، مع ذلك يؤمل أن يمهّد اختيار الرئيس الجديد الطريق أمام إجراء الانتخابات النيابية أخيرًا بعد ثلاث سنوات من التأجيل. وبالرغم من أهمية إجراء الانتخابات النيابية، تبقى إعادة ثقة الشعب اللبناني بالنظام رهنًا في نهاية المطاف بما سيفعله رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب لمعالجة القضايا الرئيسية على غرار تدفق اللاجئين السوريين والبطالة وتوفير الخدمات العامة الأساسية.