- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الآراء في مختلف الدول حول التطبيع العربي الإسرائيلي و"اتفاقيات إبراهيم"
يشير استطلاع حديث للرأي إلى أنه على الرغم من تزايد عدد الخليجيين الذين يرفضون الآن "اتفاقيات إبراهيم"، هناك أيضًا أصوات خافتة تعبّر عن تقبّل لإقامة العلاقات مع الإسرائيليين.
تتعارض موجة الدول العربية التي طبّعت رسميًا العلاقات مع إسرائيل على مدى السنوات المتعددة الماضية مع الغياب المتزايد للدعم الشعبي لـ"اتفاقيات إبراهيم" في الخليج. وأظهر استطلاع جديد للرأي العام أجراه "معهد واشنطن" أن نسبة الأشخاص الذين ينظرون إليها بشكل إيجابي في المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة قد انخفضت في خلال العام الماضي لتصبح أقلية. إلا أن هذه البيانات تشير أيضًا إلى وجود تيار معاكس من الانفتاح إزاء السماح بإقامة علاقات تجارية واجتماعية مع الإسرائيليين في بعض أجزاء الخليج، لا سيما بالمقارنة مع نظرائهم في مصر والكويت والمشرق العربي. وفيما يُزعَم أن بايدن سيحثّ المملكة العربية السعودية على اتخاذ خطوات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في خلال زيارته، تُشكّل نسبة 40 في المئة من السعوديين الذين يوافقون الآن على السماح بإنشاء علاقات تجارية أو رياضية غير رسمية مع الإسرائيليين علامةً تدفع الإدارة إلى التفاؤل ربما.
شكلت الدعاية الرسمية التي ترافقت مع "اتفاقيات إبراهيم" – فضلًا عن الإشارات الأخيرة إلى استعداد السعودية لعقد اتفاقات معيّنة مع إسرائيل - علامة لطهران على تزايد ثبات التحالف "المناهض لإيران"، وعلامة لواشنطن على استعداد الحلفاء العرب "للتعاون" مع أجندة السياسات الأمريكية. ومع ذلك، يُظهر استطلاع "معهد واشنطن" الذي يعود إلى شهر آذار/مارس 2022 أن أكثر من ثلثَي المواطنين في البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ينظرون إلى "اتفاقيات إبراهيم" بشكل غير إيجابي بعد أقل من عامين.
تتناقض المواقف الحالية مع التفاؤل النسبي الذي أبدته نسبة كبيرة من الإماراتيين والبحرينيين والسعوديين وحتى بعض المصريين في الأشهر التي تلت الإعلان عن "اتفاقيات إبراهيم". فعند استطلاع الآراء للمرة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، انقسمت فعليًا المواقف في الإمارات والبحرين بين النظرة الإيجابية أو السلبية إلى الاتفاقية. وبمعزلٍ عن مواطني الدول الموقِّعة، أيّد 40 في المئة من السعوديين والقطريين الاتفاقيات آنذاك. أما الآن، فتتراوح نسبة الذين ينظرون إلى الاتفاق بشكل إيجابي بين 19 في المئة و25 في المئة في السعودية والبحرين والإمارات.
على نحوٍ مماثل، أصبحت المواقف أكثر تشددًا في البلدان التي لم تحظَ فيها "اتفاقيات إبراهيم" في البداية بشعبية. وارتفعت نسبة الأشخاص الذين ينظرون إليها بشكل "سلبي جدًا" في لبنان من 41 في المئة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 إلى 66 في المئة في آذار/مارس الماضي، بينما انخفض الدعم في مصر من نحو الربع إلى 13 في المئة. ومن بين البلدان كافة التي شملها الاستطلاع، أظهرت المواقف في الأردن أقل قدر من التغيير، إذ ناهز التأييد 12 في المئة منذ عام 2020. ولا تختلف هذه المواقف بشكل كبير لدى المجموعات الديموغرافية المقسَّمة بحسب العمر أو الدين.
من اللافت أنه من بين السكان العرب كافة الذين شملهم الاستطلاع في الأشهر القليلة الماضية، كان احتمال تعبير الفلسطينيين عن وجهة نظر سلبية إزاء "اتفاقيات إبراهيم" هو الأدنى في الواقع. فعند سؤالهم في حزيران/يونيو 2022، قال نصف سكان القدس الشرقية (48 في المئة) تمامًا إنهم ينظرون إلى "اتفاقيات إبراهيم" بشكل إيجابي نوعًا ما على الأقل. وأعرب 58 في المئة من سكان الضفة الغربية و39 في المئة فحسب من سكان غزة عن آراء سلبية بشأن هذه المسألة – وهي نسبة أدنى بكثير حتى من نسبة الإماراتيين البالغة 71 في المئة. ويعود ذلك تحديدًا إلى أن أقلية كبيرة من الفلسطينيين لم تحسم رأيها بعد بشأن هذه القضية، إذ أفاد 17 في المئة من سكان الضفة الغربية و27 في المئة من سكان غزة بأنهم "لم يسمعوا ما يكفي عن ذلك" للإجابة على السؤال.
وفي المقابل، أصبحت الآراء المتعلقة بالعلاقات التجارية والرياضية على المستوى غير الرسمي مع الإسرائيليين أكثر تنوعًا في أنحاء العالم العربي. وعلى وجه التحديد، يبدو أن بعض دول الخليج تشهد تحولًا كبيرًا ومتواصلًا في الرأي العام نشأ من هذه الفترة. فعند إجراء الاستطلاع للمرة الأولى في تموز/يوليو 2020، قبل أشهرٍ فحسب من إعلان 15 أيلول/سبتمبر، توافقت إلى حدٍ ما المواقف في الإمارات والسعودية ومصر والأردن. ومن بين السكان كافة، رفض ما لا يقل عن 80 في المئة هذا المقترح. وعارضت نسبة إضافية تبلغ 50 في المئة من السعوديين و47 في المئة من الإماراتيين بشدة السماح بإقامة علاقات مماثلة. وقفز تأييد هذا المقترح في هذين البلدين في أعقاب "اتفاقيات إبراهيم" وظلّ مستقرًا فعليًا منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020. وباستثناء الكويت، تقترب الآن معدلات رفض السماح بإقامة علاقات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين من النصف (58 في المئة في البحرين، و60 في المئة في السعودية، و55 في المئة في الإمارات). وتشير استطلاعاتٌ للرأي أُجريت سابقًا في قطر وتعود إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2021 إلى أن سكانها منقسمون بشكلٍ مشابهٍ حول هذه المسألة. وعلاوةً على ذلك، يتجه التأييد صعودًا بشكل تدريجي في بعض الحالات، إذ ارتفع قليلًا في الإمارات العربية المتحدة بنحو ست نقاط من تموز/يوليو 2021 إلى آذار/مارس 2022، وأصبحت نسبة 43 في المئة تؤيد الآن هذا الاقتراح.
على النقيض من ذلك، لا تزال نسبة الاعتراض على السماح بإقامة علاقات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين تبلغ 85 في المئة في مصر و87 في المئة في الأردن على الرغم من العلاقات الرسمية القائمة منذ زمنٍ طويل. وهذا الاعتراض أشدّ وقعًا بعد في البلدان التي لا تربطها أي علاقات بإسرائيل، سواء أكانت رسمية أو من نوعٍ آخر. وعارضَ 94 في المئة من الكويتيين و93 في المئة من اللبنانيين الذين شملهم الاستطلاع هذه الفكرة – ورفضتها بشدة نسبة إضافية تبلغ 77 في المئة من اللبنانيين و88 في المئة من الكويتيين. وعلى عكس معظم دول الخليج، يفوق عدد اللبنانيين والكويتيين الذين لا يوافقون على السماح بإقامة مثل هذه العلاقات مَن ينظرون إلى "اتفاقيات إبراهيم" بشكل سلبي.
وتجدر الإشارة إلى أن الغالبية في الأراضي الفلسطينية تعرب عن انفتاحها على إقامة شكلٍ من أشكال العلاقات مع الإسرائيليين، إذ يوافق 60 في المئة من سكان الضفة الغربية و62 في المئة من سكان غزة و84 في المئة من سكان القدس الشرقية على أن الفلسطينيين يجب أن يشجعوا "العلاقات الشخصية المباشرة والحوار مع الإسرائيليين، من أجل مساعدة معسكر السلام الإسرائيلي في الدعوة إلى بلوغ حل عادل" للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
مع وصول بايدن إلى إسرائيل، تشير هذه الاستطلاعات إلى أن التطبيع كان له تأثير مختلَط على الرأي العام. وربما أدى نطاق الاتفاقيات أخيرًا إلى تخييب آمال عدد كبير من الخليجيين الذين رأوها في البداية من منظور إيجابي محتمل. ومع ذلك، يبدو أن وجودها بدّل المواقف في بعض أجزاء الخليج تجاه العلاقات غير الرسمية مع الإسرائيليين، ما قد يفتح الباب أمام إقامة المزيد من العلاقات غير الرسمية.