- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأردنيون يركزون على الشؤون الداخلية ويشاركون أيضًا الولايات المتحدة نظرتها حول إيران والسلام في المنطقة
كانت الأردن المحطة الأولى في جولة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الدبلوماسية في الشرق الأوسط الشهر الفائت، وانضمّت إلى المؤتمر الذي عُقد في وارسو الأسبوع الماضي بقيادة الولايات المتحدة وتناول مسألة الأمن في الشرق الأوسط. وفي المناسبتين، أشاد المسؤولون الأردنيون والأمريكيون علنًا بموقفهم المشترك المعادي للإرهاب ولتدخلات إيران في المنطقة. وبالنسبة للنقطة الأخيرة، وهي نقطة أكثر إثارة للجدل، يكشف استطلاع جديد للرأي العام أن "الشارع" الأردني يتماشى بالفعل وإلى حدّ كبير مع المعارضة الرسمية لإيران. وفيما يتعلق بمسألة إقليمية مهمة أخرى – الدعم العربي لتسوية إسرائيلية-فلسطينية – يؤيد الشعب الأردني أيضًا بشكل مفاجئ هذه الخطوة، أقلّه من حيث المبدأ. ثلاثة أرباع تمامًا من المستطلعين يرغبون في أن تحضّ الحكومات العربية الطرفين على التوصّل إلى تسوية.
وفي الوقت نفسه، يُظهر الاستطلاع أن الأردنيين تؤرقهم في المقام الأول المشاكل الداخلية على غرار الفساد وعدم المساواة الاقتصادية. مع ذلك، لا يزال التأييد الشعبي للحزب المعارض المنظم الرئيسي، "جبهة العمل الإسلامي" التابع لجماعة "الإخوان المسلمين"، موقف أقليّة حيث لا تتجاوز نسبته 25 في المائة تقريبًا. في المقابل، تدعم نسبة أكبر بعض الشيء من الأردنيين تفسيرًا معتدلًا للإسلام. وتشير هذه الأرقام إلى أنه على الرغم من الآفاق الاقتصادية المضطربة والتظاهرات الاحتجاجية المتقطعة في الأردن، لا يواجه النظام الملكي أزمة فورية وسط الاحتفال الشهر المقبل بمرور عقديْن على تبوء الملك عبدالله العرش.
ثلثا المستطلعين يعتبرون أن الحكومة لا تقوم بالكثير لضمان الإنصاف
في نتيجة لافتة جديدة، تقول نسبة 66 في المائة من الأردنيين إن حكومتهم لا تقوم بالكثير من حيث "تشارك عبء الضرائب وغير ذلك من واجباتها بطريقة عادلة". كما يعتبر النصف تقريبًا (45 في المائة) من المستطلعين أن عمّان لا تنشط بما يكفي على صعيد "تخفيض مستوى الفساد في حياتنا الاقتصادية والسياسية". وتنعكس مثل هذه المشاعر بوضوح كبير مؤخرًا في الاحتجاجات التي عمّت الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي. وعلى نطاق أوسع، يوافق ثلاثة أرباع الأردنيين على أنه "في الوقت الراهن، يكتسي الإصلاح الداخلي للوضع السياسي والاقتصادي أهمية أكبر بالنسبة لبلدنا من أي مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية".
ومن ناحية أكثر إيجابية، يعتقد نصف الشعب الأردني أن حكومتهم تبذل الجهد الكافي "لحماية الحريات وخصوصية المواطنين الأفراد". غير أنه على نحو بارز، تقول نسبة 36 في المائة إن السلطات تقوم فعليًا "بالكثير" في هذا الخصوص. وتمثل هذه النظرة بشكل شبه أكيد طريقة تفكير إسلامية محافظة مناهضة للحريات الاجتماعية، وهو ما تكشف عنه إجابات أخرى مفصّلة أدناه شملها الاستطلاع.
الاستياء من الفساد والثغرات الاقتصادية عند أوجّه في المنطقة الجنوبية
ما يثير الاهتمام هو أن المنطقة الجنوبية في الأردن، التي غالبًا ما اعتبرت المعقل الأكثر وفاء للنظام الملكي، هي الآن المكان الذي يتجلى فيه عدم الرضا عن بعض مساعي الحكومة بشكل كبير. وفي موضوع الإنصاف على وجه الخصوص، فإن هذا الانقسام المناطقي بارز اليوم أكثر مما كان عليه في العديد من الاستطلاعات السابقة. فنسبة 84 في المائة تمامًا من سكان المنطقة الجنوبية تقول إن مساعي الحكومة في هذه المسألة غير مناسبة – مقابل 68 في المائة في المنطقة الوسطى و56 في المائة فقط في الشمال. وصحيح أن الفوارق أقل في مسألة الفساد لكنها مع ذلك ملحوظة: فنسبة 51 في المائة في الجنوب مقابل 37 في المائة في الشمال ترى أن المساعي الرسمية لمواجهة هذه المشكلة غير كافية.
ومما لا شك فيه أن المنطقة الجنوبية هي الأقل اكتظاظًا إلى حدّ كبير من بين المناطق الثلاث. لكن نظرًا إلى دورها التقليدي كحصن من الدعم الملكي، من شأن هذا التصور المنحرف للإهمال (أو أسوأ) في تلك المنطقة أن يكون مقلقًا. وستشكل كيفية معالجة عمّان أو على الأقل الإقرار بهذه الموجة الناشئة من الخيبة الشعبية اختبارًا مهمًا لبصيرتها السياسية خلال الفترة القادمة.
آراء متباينة حول حقوق المرأة والإصلاحات الإسلامية
عندما طُلب منهم تقييم المساعي الرسمية على صعيد "تعزيز الفرص المتاحة أمام النساء وضمان المساواة"، اعتبر نصف الأردنيين أن سياسة الحكومة "صائبة نسبيًا". لكن 38 في المائة منهم يقولون إن حكومتهم تقوم "بالكثير". في المقابل، ترى نسبة أقل بكثير، أي 11 في المائة فقط، أن المملكة "مقصرة للغاية" في هذا الخصوص.
على العكس، لدى سؤالهم عن "تفسير الإسلام بطريقة أكثر اعتدالًا وتسامحًا وحداثة"، عبّر 35 في المائة من الأردنيين، أي النسبة نفسها تقريبًا مقارنة بالعام الفائت، عن بعض الدعم لهذه الفكرة. لكن 3 في المائة فقط أعربوا عن تأييد "شديد" لمثل هذه التغييرات، في حين أبدى 60 في المائة منهم معارضته – بما في ذلك 22 في المائة يقولون إنهم يعارضونها "بشدة". وتُظهر هذه النتائج أن الإصلاحات الاجتماعية والدينية لا تزال تتسبب بالانقسام إلى حدّ ما ضمن المجتمع الأردني، وسط معارضة ثابتة لشريحة كبيرة من السكان.
تراجع حاد في الأهمية المتصورة للروابط الأمريكية؛ القضية الفلسطينية لا تزال تحتل الأولوية في السياسة الخارجية
من بين النتائج الأكثر إثارة للاهتمام في هذا الاستطلاع هو تراجع غير مسبوق في الرأي العام الأردني حيال قيمة العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة. فاليوم، 14 في المائة فقط تعتبر أن هذه العلاقات "مهمة إلى حدّ ما" بالنسبة لبلدهم؛ علمًا بأن هذه النسبة بلغت 58 في المائة العام الفائت. ويعود سبب هذا الهبوط الكبير على الأرجح إلى عاملين أساسيين: خيبة أمل متنامية من سياسة واشنطن إزاء المشاكل الفلسطينية، بما في ذلك القدس؛ وشعور عام بأن الولايات المتحدة تفقد اهتمامها ونفوذها في الشرق الأوسط ككل.
في المقابل، أصبحت نسبة المستطلعين الذين يعتبرون الآن أنه من المهم إقامة روابط جيدة مع العراق كبيرة للغاية حيث تبلغ 37 في المائة. أما نسبة تأييد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأردن فلا تتجاوز 2 في المائة فحسب، بينما يحظى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتأييد 72 في المائة من الشعب، وهي نسبة مذهلة. كما أن حظوظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيئة بدورها، حيث حظي بنسبة تأييد عند 5 في المائة. أما الرئيس الصيني شي جين بينغ فيقع في الوسط، حيث أن 36 في المائة من المستطلعين يقيّمون سياساته بأنها على الأقل "جيدة إلى حدّ ما".
ولدى الطلب منهم بشكل محدد أن يختاروا أبرز أولوياتهم لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، من المتوقع أن تبقي أغلبية من الأردنيين (37 في المائة) على خيار "بذل جهود أكبر لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي". لكن الخيار التالي، كما كانت الحال في استطلاع العام الفائت، هو "توسيع دورها في محاربة "داعش" و"القاعدة" وجماعات إرهابية مماثلة" (29 في المائة). غير أن نسب أصغر بكثير اختارت أولويات أخرى لسياسة الولايات المتحدة: سواء "تعزيز معارضتها الفعلية لنفوذ إيران في المنطقة" (11 في المائة)، أو "القيام بالمزيد لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة في اليمن" (8 في المائة).
دعم التوصل إلى سلام إقليمي مع إسرائيل يبقى أساسيًا رغم تراجع نسبته بشكل طفيف
رغم أن الدعم الشعبي لمساهمات الدول العربية في عملية السلام مع إسرائيل لا يزال يحظى بالأغلبية الساحقة، إلا أنه تراجع بعض الشيء اليوم مقارنة بالعام الفائت. فنسبة 76 في المائة توافق على أنه يتعين على "الدول العربية الاضطلاع بدور جديد في عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، مع تقديم محفزات للطرفين بغية اتخاذ مواقف أكثر اعتدالًا"؛ يُذكر أنه أواخر العام 2017، بلغت النسبة 85 في المائة. ونظرًا إلى أنه يتردد أن هذا المفهوم هو في صلب خطة السلام التي وضعتها إدارة ترامب، يجب أن يكون هذا التراجع، ولو الطفيف، مصدر بعض القلق.
وعلى نحو مماثل، انخفضت بدورها الأقلية التي تؤيد التعاون مع إسرائيل حتى قبل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين بشكل طفيف. واليوم، 26 في المائة فقط تعتقد أنه على "الدول العربية التعاون مع إسرائيل في مسائل أخرى، على غرار التكنولوجيا ومكافحة الإرهاب واحتواء إيران"، علمًا بأن هذه النسبة وصلت إلى 33 في المائة العام الفائت.
أغلبية ضئيلة تواصل دعم "حماس" وثلث المستطلعين لا يزالون يدعمون "الإخوان المسلمين"
في مسألة ذات صلة، عبّر 57 في المائة من الأردنيين عن تأييدهم لحركة "حماس"، التي ترفض السلام مع إسرائيل. ولم تتغير هذه النسبة تقريبًا منذ العام الفائت – رغم تراجعها بعض الشيء عن نسبة 72 في المائة المرتفعة والمسجلة في 2014، بعيْد حرب غزة الأخيرة. في المقابل، ثلث الشعب فقط ينظر بإيجابية إلى المنظمة الأم، أي "الإخوان المسلمين"، التي تعمل بشكل علني وقانوني في الأردن. وقد بقيت هذه النسبة مستقرة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
لكن الكراهية تجاه إيران و"حزب الله" والحوثيين ما زالت شبه جماعية
في تناقض صارخ مع هذه الفوارق، تُعتبر إيران وحلفاؤها في المنطقة من المسائل التي تتفق عليها بوضوح سياسة الولايات المتحدة والرأي العام الأردني. فنسبة 4 في المائة فقط من الأردنيين تعتقد أن إقامة علاقات جيدة مع إيران "مهمة إلى حدّ ما" بالنسبة لبلدهم. فضلًا عن ذلك، 95 في المائة من الشعب الأردني لا يوافقون على كل من "حزب الله" والحوثيين، وهما اثنان من أكبر عملاء إيران في المنطقة. يُذكر أن هذه النسب الأحادية الجانب إلى حدّ كبير كانت مستقرة للغاية خلال السنوات العديدة الماضية، وما من مؤشر على أي تغيير يلوح في الأفق.
تداعيات السياسة
استنادًا إلى التحليل السابق، يجب أن يتحول تركيز القلق الأمريكي حيال مواقف الشعب الأردني من السياسة الخارجية إلى المسائل المحلية. فالاهتمام بعدم المساواة والفساد والمشاكل الاجتماعية الجدلية المحسوسة مبرر بوضوح. وعلى صعيد السياسة الخارجية، يعرب الأردنيون عن موافقة شعبية غير متوقعة لتقديم محفزات عربية من أجل عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية. مع ذلك، لا بدّ من التخفيف من التوقعات بأي مبادرات أردنية مثيرة للجدل على هذا الصعيد من خلال فهم القيود التي يفرضها "الشارع" الأردني.
كما يمكن للكراهية الشعبية إزاء إيران ووكلائها في المنطقة أن تقدّم أرضًا خصبة لتنسيق أكبر على صعيد السياسة. لكن يتمثل تحذير جديد ببساطة في عدم اكتراث الشعب الأردني اليوم على الإطلاق بإرضاء واشنطن. ربما قد يساعد مسعى ملموس يرمي إلى تعزيز مصداقية أمريكا باعتبارها حليفًا إقليميًا فعالًا في عكس هذا المنحى الجديد.
هذه النتائج هي من استطلاع تجاري موثوق أجرته شركة إقليمية في تشرين الثاني/نوفمبر 2018. وانطوى الاستطلاع على مقابلات وجهًا لوجه مع عينة تمثيلية على الصعيد الوطني ضمّت ألف أردني، باستخدام تقنيات أخذ عينات متعددة الاحتمالات الجغرافية مع هامش خطأ إحصائي يبلغ نحو 3 في المائة. يمكن الوصول إلى التفاصيل المنهجية الكاملة عند الطلب.