أصبح خطاب الكراهية الذي مررته جماعات تلعب على المشاعر الدينية والفقر والحاجات بمثابة خطر حقيقي لا يتهدد المنطقة فحسب، بل وصل خطره إلى مدن أوروبية وأميركية، حيث باتت أفكار "داعش" الهلامية، قادرة في عصر الإنترنت على اختراق عقول الشاب، بغض النظر عن موقعهم، لتدفعه لتبنى أفكار متطرفة وارتكاب أفظع الجرائم وقتل الأبرياء. ومع ذلك، ما زالت شعوب المنطقة تواجه مجموعة قاتمة من البدائل ليس اقلها هي نجاح " داعش" في كسب أكبر موطئ قدم في سوريا.
كشابة تنتمي إلى أحد الأقليات السورية، وهي جماعة سريانية لها لغتها ودينها وثقافتها المستقلة، انتهى الأمر بنا بأن أصبحنا مجتمعاً نازحاً، بعد أن اجتاحت "داعش" الشمال السوري، ما اضطرنا إلى النزوح من أرضنا خشية التعرض للقتل والاضطهاد. لقد تحققت تلك المخاوف عندما اختطف “داعش" أكثر من 220 سرياني آشوري وخاصة الفتيات، من منطقتي شمال شرق الحسكة. كان جند الأسد لا يبعدون عن مكان الحادثة سوى بضعة كيلومترات ولم يفعلوا شيئا لأجل هؤلاء الفتيات. كان هذا مثالا واحدا على الإهمال المتعمد من جانب النظام للإرهاب، حيث كان تمدد "داعش" بمثابة الذريعة الأساسية التي أبقت على نظام الأسد، والذي يدعى انه يحمى سوريا فقط عندما يكون هناك تهديد قائم من قبل "داعش".
لقد وصلت إلى الولايات المتحدة الامريكية، بعد أن عشت في عدة مدن غربية من العالم أثر هروبي من الاعتقال الذي ذقته في سجون الأسد. وعلى الرغم من إقامتي في عدد من المواقع المختلفة، إلا أنني أضع أميركا في مكانة مختلفة ومميزة، حيث أننى أؤمن بالقيم الامريكية، وتواجدي هنا أعطاني الأمل في الإنسانية. وأصبح لدى حياه جديدة هنا، حيث يمكنني تجربة المساواة والحرية والفردانية والقدرة على الأبداع وتحمل المسؤولية، وهو ما يستحيل وجوده في سوريا. وربما كنت سأكون إنسان بقدرات شبه معطلة في بلادي سوريا، وهذا ما يدفعني للتفكير دائماً بمصير من تركتهم خلفي وخاصة بعد معرفتي بحجم التأثير الأميركي الكبير والهائل على المنطقة، وقدرة هذا التأثير على دعم القيم الامريكية الحقيقية التي تتسم بالتسامح والتنوع.
وفى حين كان الأسد يشدد قبضته على سوريا ويوجه قواته إلى إدلب، بدأ أنصاره في تدوين قصص جديدة لتبرير حكمه، ونسج روايات مشوهه حول “التسامح الديني" تحت حكمه. ورغم الجرائم التي ارتكبها الأسد في حق شعبه، إلا أن مؤيدوه صاروا يغزلون بعض القصص حول تربيته ونشأته، وذلك للدلالة على "إنسانيته " و "تسامحه" و "انفتاحه على الأخر"، كما ادعوا أن هذه الصفات تعود إلى نشأته وتعليمه، حيث كان الأسد يتردد في شبابه على دير صيدنايا وتربى على أيدي راهبات الدير.
في الواقع، امتلك كل من الأسد الأب والأسد الابن إرث شديد القتامة من حيث مقاربتهما للدين، حيث كانوا يمنعون على المسلم أن يطلق لحيته، أو أن يبدي أي مظهر من مظاهر التدين علانية، فهذا وحده كان كفيل بحشو السجون بالمتدينين، والذي خرجوا فجأة من السجون لينضموا للجماعات المتطرفة مثل تنظيم “داعش"، و "جيش الإسلام"، والنصرة" و "استقم كما أمرت" و "نور الدين الزنكي". وبالتالي، وحتى لو اعتقد المرء أن الأسد هو "صديق للكنيسة"، يجب أن نتذكر أنه كان سعيدًا بإخضاع المتدينين بسبب معتقداتهم، وقمع وجميع السوريين الذين لديهم الرغبة في أن يكونوا أحرارًا.
لسوء الحظ ، عززت كل من الولايات المتحدة ودول الغرب في البداية رواية النظام حول "التسامح" ، حيث لعب الولايات المتحدة الأمريكية دورا كبيرا في ترسيخ حكم الأسد، حيث باركت تولى الشاب الأسد لمنصب رئيس الجمهوري السورية خلفا لأبيه في عام 2000، وأرسلت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية للمشاركة في عملية التنصيب، إذ قالت مادلين أولبرايت أبان تنصيبه أنها متفائلة بشاب "عصر الأنترنت". وتم الترويج للأسد في الولايات المتحدة على انه متسامح وتقدمي، ما مكنه من أن يصبح وريثاً شرعياً لأبيه في دولة حكمها جمهوري. كما نجح الأسد أيضا بحملته حول التسامح في جلب (جون كيري) وكان وزيراً للخارجية إلى سوريا، وكان الأسد ماض ومتحمس لهذه النقلة الغربية، وإعجابهم بالرئيس السوري (المودرن) الذي أخذ الصحفيون الفرنسيون يأخذون الصور الرومانسية له ولزوجته في أحياء باريس.
وعلى الرغم من استمرار من محاولات الأسد لتحسين صورته بعد اندلاع الثورة السورية ومحاولته إقناع الغرب بان الإرهاب والتطرف سيكون البديل لحكمه اذا ما تمت الإطاحة به ، إلا أن الصورة النمطية التي حاول الأسد ترويجها حول تسامحه وتقدميته في الغرب لم تدم طويلاً، فمع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، وبعد فشل النظام السوري في السيطرة على حراك الشارع، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تساند ثورة الشعب السوري وطالبت برحيل الأسد، وقررت تقديم الدعم للجيش الحر في الشمال السوري لاحتوائه عسكريا وماليا.
ما أسهل وأكثر تهم التطرف التي تلقى اليوم في منطقتنا، بينما الحل للمنطقة يكمن في تيقن الحكومات الغربية خطورة الحلول الترقيعية التي هجرت المسيحيين في بلد الأسد الذي بات مؤيديه يطلقون عليه (حامي الأقليات). لذلك، بإمكان الولايات المتحدة أن تؤمن بأن القمع ليس حلاً لمكافحة التطرف، لأن التطرف يصبح في خدمة المستبد (الأسد) حين لا يجد حلول أمام شعبه حين يبدأ بالتفكير بحقوقه.
لجاء نظام الأسد الأب سابقا إلى استخدام الأدوات الدينية المتطرفة والمدمرة، حيث استغل الدين محلياً لتعزيز الترهيب والقمع، بينما يستخدم الأسد الابن الكنائس كستار للتخفي، والاختباء بجرائمه ضد الشعب السوري خلف الصلبان. ومع القليل من العناية والتأمل في وجوه الشباب ضحايا الاضطهاد، ومع القليل من الاعتبار لماضيهم، ستجدهم مؤمنين بقيم الحرية الفردية والشخصية وحرية التعبير والإبداع والسعي لتحقيق السعادة، والنجاح والسلام والاعتراف بالشعوب المختلفة.