- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الإصلاحات المحلية لا تزال على رأس أولويات الأردنيين؛ الأغلبية ترفض اتفاقيْ السلام الجديديْن مع إسرائيل ولكن العلاقات مع الولايات المتحدة تشهد تأييدًا كبيرًا
في استطلاع أجراه معهد واشنطن مؤخرًا، أعرب الأردنيون عن آرائهم حول إسرائيل والتحديات الداخلية والولايات المتحدة.
يكشف استطلاع جديد بتكليف من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أن الشعب الأردني يركز على الشؤون الداخلية في سنة تشوبها الصراعات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية. وعلى الرغم من نجاح الأردن في بادئ الأمر في الحدّ من انتشار فيروس كورونا، شهد النصف الثاني من العام 2020 ارتفاعًا في معدلات الإصابة والبطالة وكذلك حملات الحكومة لقمع المعارضة. وفي أعقاب استقالة رئيس الوزراء عمر الرزاز في تشرين الأول/أكتوبر، وبداية هذا الاستطلاع، ورثت حكومة الخصاونة الناشئة اقتصادًا متباطئًا واضطرابات سياسية متفرقة. من جهة أخرى، لم يتجاوز معدل المشاركة الرسمية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر نسبة 30 في المائة.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، تُظهر نتائج الاستطلاع عدم رضا واسع النطاق عن اتفاقيْ السلام اللذين أبرمتهما مؤخرًا الإمارات والبحرين مع إسرائيل – أو حتى عن احتمال تعزيز الروابط الأردنية مع الإسرائيليين. والمفاجئ أن هذه المواقف السلبية لا تختلف كثيرًا عن مواقف الجيل الشاب في الأردن. في المقابل، كشف الاستطلاع عن زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يؤيدون العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة – وهي نتيجة تُعزى بشكل شبه أكيد إلى الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
تبقى المسائل الداخلية هي الأهم بالنسبة للشعب الأردني
تتفق أغلبية ساحقة من الأردنيين (75 في المائة) على فكرة أن "الإصلاحات السياسية والاقتصادية الداخلية هي أهم بالنسبة للأردن من أي مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية"، ولم تتغير تقريبًا هذه النسبة منذ ثلاث سنوات. في المقابل، فاقم وباء فيروس كورونا الخلاف الاجتماعي في الأردن وتسبب في أكبر انكماش اقتصادي تشهده المملكة منذ عقديْن. فقد بلغت نسبة البطالة 23.9 في المائة في خلال الربع الثالث – وهو أعلى معدل رسمي للبطالة في تاريخ البلاد الحديث. وفي موازاة ذلك، لا تزال الطبقة الوسطى في الأردن مهددة بسبب إغلاق المؤسسات في إطار الإقفال العام الناجم عن فيروس كورونا.
تدني نسبة المشاركة تشير إلى شعور سلبي تجاه البرلمان لكن الاحتجاجات تزداد شعبية
أسفرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني عن إقبال الناخبين على التصويت بنسبة (30 في المائة) فقط. وعلى الرغم من أن هذه النسبة لا تقل بكثير عن نسبة المشاركة التي بلغت (37 في المائة) في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في عام 2016، إلا أن نسبة المشاركة المنخفضة باستمرار تعكس العلاقة المتناقضة التي تربط الأردنيين بالعملية الانتخابية. وفى المقابل، وعند استطلاع آرائهم قبل إجراء الانتخابات اعتبر نصف الأردنيين تقريبًا (47 في المائة) أن "الاحتجاجات المناهضة للفساد في شوارع لبنان والعراق وغيرهما من الدول العربية" هي تطور إيجابي، وهو بمثابة دعم ملحوظ في ضوء المشاركة المنخفضة في العملية الانتخابية. في أعقاب ذلك، شارك بعض مناصري المرشحين الخاسرين علنًا في أعمال شغب وعنف متحدّيين أوامر الدفاع الصارمة في المملكة ضد إقامة التجمّعات.
الدعم التي يحظى به "الإخوان المسلمون" مازال عند حاله ولم يتجاوز ربع السكان
مع ذلك، لا يزال الدعم الشعبي لجماعة "الإخوان المسلمين" – الحزب المعارض الرئيسي في الأردن – ثابتًا عند مستوى متدنٍ. فأكثر من ثلاثة أرباع (77 في المائة) المستطلعين الأردنيين يعربون في الحد الأدنى عن آراء "سلبية إلى حدّ ما" إزاء هذه الحركة الإسلامية العابرة للحدود، في هامش مماثل لاستطلاعات العام الفائت. ورغم الروابط الودّية تاريخيًا بين الأردن وجماعة الإخوان، التي كانت تعمل بشكل قانوني في المملكة لمدة 75 عامًا، أدّت الضغوط الإقليمية إلى تدهور هذه العلاقة تدريجيًا.
منذ اندلاع الربيع العربي، بدأت العلاقة بين الحكومة الأردنية والإخوان المسلمين في التآكل.
وتماهيًا مع مطالب السعودية والإمارات، اللتان صنفتا مؤخرًا جماعة "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية، قطع الأردن العلاقات مع الجماعة في وقت سابق من العام الجاري. ففي 16 تموز/يوليو، أصدرت محكمة التمييز في الأردن قرارًا باعتبار فرع الإخوان في البلاد منحلًا حكمًا ورسميًا وذلك "لعدم قيام الجماعة بتصويب أوضاعها القانونية وفقًا للقانون الأردني". إلا أنه سُمح لـ "جبهة العمل الإسلامي" وهي الجناح السياسي للإخوان في المملكة، بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر – غير أنها خسرت نصف مقاعدها تقريبًا.
الأغلبية الساحقة من الأردنيين تعارض اتفاقيْ السلام المبرميْن مؤخرًا مع إسرائيل
عند السؤال عن اتفاقيْ التطبيع اللذين أبرمتهما إسرائيل مؤخرًا مع الإمارات والبحرين، اعتبر 85 في المائة من الأردنيين الاتفاقيْن "سلبييْن إلى حدّ ما" على الأقل – في أعلى هامش معارضة مسجل في أي من الدول العربية السبع التي تمّ استطلاعها. وتُعتبر هذه القيمة المتطرفة مثيرة للاهتمام إذ تجمع بين الأردن وإسرائيل معاهدة سلام يعود تاريخها لأكثر من ربع قرن.
فوارق ضئيلة فحسب سواء بين المجموعات العمرية أو المناطق في البلاد
للمفارقة، لا تكشف النتائج عن أي اختلافات في مواقف الرأي العام الأردني سواء بين الأجيال أو بين المناطق، لا سيما حين يتعلق الأمر بإسرائيل. فقد تباينت بشكل طفيف الإجابات بين البالغين ما دون أو فوق سنّ الثلاثين وبين المواطنين في المحافظات الشمالية والوسطى (حيث الأغلبية من أصل فلسطيني) والجنوبية. وبالنسبة لـ "اتفاقيات إبراهيم" المبرمة مع إسرائيل، تنظر نسبة 80 في المائة من الشباب الأردنيين إلى الاتفاق "بسلبية إلى حدّ ما" على الأقل، مقابل 89 في المائة ممن هم فوق سنّ الثلاثين. وفي حين تصبح المواقف تجاه الدولة اليهودية أكثير تأييدًا في أوساط الشباب في دول الخليج، لا تزال نسبة كبيرة تناهز 89 في المائة من الشباب الأردني تعارض فكرة أن "من يرغب من الشعب في أن تربطه علاقات عمل أو روابط رياضية مع الإسرائيليين يجب أن يُسمح له بذلك"، حسبما جاء في استطلاع حزيران/يونيو 2020.
تبقى القضية الفلسطينية أبرز أولويات الأردنيين في السياسة الخارجية
في وقت تأتي فيه الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الداخلية فوق أي مسائل عالمية في نظر الشعب الأردني، لا تزال القضية الفلسطينية تكتسي أهمية كبيرة في ما يتعلق بالقضايا السياسة الخارجية. وعند سؤالهم عمّا يجب أن تكون أبرز أولويات السياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة إزاء الشرق الأوسط، اختار 43 في المائة من الأردنيين "السعي إلى إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي". ويعتقد الأردنيون أن إيجاد حل للصراع يجب أن يفوق من حيث الأهمية "العمل على احتواء نفوذ إيران وأنشطتها" (24 في المائة)، أو "إيجاد تسوية دبلوماسية للحرب الدائرة في اليمن وليبيا" (14 في المائة)، أو حتى "تزويد الدول العربية بالمزيد من المساعدات الاقتصادية والاستثمارات [الأمريكية]" (14 في المائة).
المواقف تجاه العلاقات الأمريكية الأردنية تتحسن والنفور من إيران يستمر
قبل أقل من عام، اعتبرت نسبة 20 في المائة فقط من المستطلعين الأردنيين أنه من "المهم إلى حدّ ما" أن تحافظ عمّان على علاقات جيدة مع واشنطن، بغض النظر عما إذا كان موقفهم من الولايات المتحدة إيجابيًا أو سلبيًا. واليوم، تعتبر نسبة 47 في المائة من المستطلعين أن علاقة الأردن مع الولايات المتحدة مهمة، في زيادة ملحوظة تفوق 25 نقطة. ويشير هذا التوقيت بشكل واضح إلى أن الحملة الانتخابية الأمريكية بين تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر – التي تزامنت مع العمل الميداني المرتبط بالاستطلاع الأخير – أثّرت في وجهة نظر الأردنيين إزاء العلاقات مع الولايات المتحدة.
وفي موضوع الانتخابات الأمريكية التي أجريت مؤخرًا، تعارض نسبة ساحقة من الأردنيين (82 في المائة) التصريح القائل إنه "كان من الأفضل للأردن لو أعيد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر". وعليه، ربما يكون احتمال استلام إدارة بايدن لزمام الأمور قد ساهم في إعراب المستطلعين الأردنيين عن تأييد أكبر للعلاقات الثنائية الأمريكية الأردنية. ويُذكر في هذا السياق أن الملك عبدالله الثاني كان القائد العربي الأول الذي تحدث رسميًا مع الرئيس المنتخب جو بايدن عقب انتخابه. ولطالما كان بايدن أكثر تعاطفًا مع المخاوف الفلسطينية وأكثر تأييدًا لحلّ الدولتين، بخلاف سلفه.
وفي تناقض واضح، فإن معارضة إيران ووكلائها في المنطقة مرتفعة على نحو حاسم. فترى نسبة 84 في المائة من الأردنيين أنه "ليس من المهم" أن يقيم الأردن علاقات جيدة مع إيران، وعبرت حتى نسبة أكبر بلغت 95 في المائة عن رأي سلبي إزاء عميلها اللبناني، "حزب الله". وبالإضافة إلى ذلك، ترى نسبة 75 في المائة من الأردنيين أن رفع حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران "سلبي إلى حدّ ما" على الأقل.
ملاحظة منهجية
استُخلصت هذه النتائج من استطلاع أجرته بين 17 تشرين الأول/أكتوبر و9 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 شركة أبحاث تجارية موثوقة ومستقلة وغير سياسية إطلاقًا في المنطقة مع عينة تمثيلية وطنية شملت ألف مواطن أردني. وينطوي هذا الاستطلاع على مقابلات أجريت وجهًا لوجه مع عيّنة عشوائية (أرجحية جغرافية) من إجمالي السكان، ما أسفر عن نتائج موثوقة تتماشى تمامًا مع أعلى المعايير المهنية الدولية.
ويبلغ هامش الخطأ الإحصائي لهذه العينة نحو 3 في المائة. يمكن توفير التفاصيل المنهجية الشاملة، بما فيها إجراءات أخذ العينات وضوابط الجودة والاستبيان الكامل وغيرها من المعلومات ذات الصلة، عند الطلب.