- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الإسلاميون في كوردستان التحديات والتطلعات
على عكس ما يعتقد الكثيرون، يتقدم الإسلاميون في كوردستان على غيرهم من حيث الانفتاح والتطور في الفكر والممارسة، بيد أن وجود عقبات وتحديات داخل هذه الأحزاب وأخرى خارجية فرزها الواقع السياسي والاقتصادي والإداري تحول دون قيامهم بمساهمة أكثر فعالة في حلحلة المشاكل.
إن التيار الإسلامي، هو جزء من الواقع الاجتماعي والسياسي في كوردستان، ونقصد بذلك أن كل من التيار الإسلامي والأحزاب الإسلامية وعلى الرغم من وجود نقاط التباين بينهما وبين الأحزاب الأخرى سلبا أو إيجابا فانهما جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الكوردي والأحزاب السياسية الكوردية الأخرى، ويشاركونهم نقاط ومواطن الضعف والقوة.
مرت الأحزاب الإسلامية بالكثير من المنعطفات خلال مسيرتها التاريخية من إشكالات فكرية وتبني منهجية أيدولوجية في تنظيم العلاقة بينها وبين الأخرين من الدول والأحزاب العلمانية الداخلية منها والخارجية. كانت الأحزاب الإسلامية اممية التفكير، ولم تكن تهتم بالقضية القومية والوطنية وإنما كانت تهتم بشعارات تتعلق بالأمة الإسلامية ككل وكانت تركز على الهوية الإسلامية أكثر من وظيفتها الأساسية كأحزاب سياسية.
وبالنظر إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط، نجد أن الأحزاب الإسلامية وغيرها من الأحزاب الأخرى المتواجدة على الساحة السياسية الكردية أصبحت أسيرة لممارسات خاطئة. بيد أن الأحزاب الإسلامية في كوردستان أثبتت خلال العقد والنيف الأخير من الزمن بان لديها القدرة على تجاوز الكثير من التحديات الداخلية لها في الفكر والممارسة أكثر من غيرها من بعض الأحزاب العلمانية. وفى واقع الأمر، تسبب الكثير من العلمانيين الأكراد المزيد من الضرر للسيادة الكردية والمجتمع المدني عن نظرائهم الإسلاميين.
لقد تخلت الأحزاب الإسلامية عن الكثير من الأسس التي كانت تعتبرها في الماضي من ثوابت أهدافها مثل الدعوة إلى تأسيس دولة إسلامية وتطبيق الشريعة وبدلا عن ذلك تطالب الأن ومنذ سنين بوضع دستور مدني وديمقراطية شفافة.
في المقابل، فان بإمكان الكتاب والمثقفين والإعلاميين وبغض النظر عن خلفياتهم الفكرية أن يلعبوا دورا إيجابيا في مسيرة تنضيج الأحزاب السياسية في كوردستان من خلال دعمهم لمحاولات تصحيح مسارهم نحو الديمقراطية.
شاركت جميع التيارات الإسلامية في الإقليم بقائمة واحدة في الانتخابات الأولى التي أجريت عام 1992 وكان، ولم تفز القائمة باي مقعد ولم يفز مرشحها برئاسة الإقليم ولكنها قبلت بنتائج الانتخابات في حين أن بعض الأحزاب العلمانية لم يقبلا بالنتائج في تلك الانتخابات وهذا ما دفع بهما إلى الاقتتال الداخلي.
كما وان الأحزاب الإسلامية تحمل أجندة وطنية عندما تطالب الأن بتنظيم الممارسة السياسية في كوردستان وفق أسس دستورية وفصل السلطات وسيادة القانون والمساواة أمام القانون. ومرة أخرى تخفق بعض الأحزاب الأخرى (غير الإسلامية قطعا) في هذا الاتجاه وتخرق الأسس المدنية في بناء هيكلية الدولة الحديثة لأكثر من عقد من الزمن ولمصالح شخصية وحزبية بحتة ضاربة بذلك جميع الأسس القومية والمدنية والديمقراطية عرض الحائط.
تمتلك الأحزاب الإسلامية علاقات جيدة مع الأحزاب السياسية في كوردستان العلمانية منها وغير العلمانية والمسيحية والتركمانية. كما تمتلك علاقات تفاهم في إطار التوجه العام لحكومة إقليم كوردستان مع الكثير من الأحزاب العراقية والدول الإقليمية والدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وهذا تطور إيجابي يكتب لتلك الأحزاب بانها تتمكن من تجاوز أفكارها الخاطئة في تنظيم علاقاتها مع الأخرين.
إن تجربة دخول حزبين إسلامیين مع حزبين علمانيين بقائمة انتخابية واحدة في انتخابات برلمان كوردستان التي أجريت عام 2009 كانت تعكس ما طرأت على فكر الأحزاب السياسية والتوجهات الفكرية المختلفة من تغيرات جذرية إيجابية.
أن الواقع الإسلامي في كوردستان ساهم في تكوين أحزاب وجماعات إسلامية متطرفة وإرهابية بامتياز. كما تبنت تلك الأحزاب والجماعات الإسلامية المتطرفة العنف والإكراه في مناطق نفوذهم وارتكبت الكثير من جرائم القتل بحق صحفيين أجانب والتمثيل بالجثث لعناصر من البشمركة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن ممارسة العنف لم يكن يقتصر على بعض الجماعات والأحزاب الإسلامية فقط وإنما كانت سمة بارزة لأحزاب علمانية التي كانت تلجأ إلى استخدام اسلوب العنف والإكراه لتحقيق أهدافها ضد مناوئيها.
وفي الوقت الذي تشكل الأحزاب الإسلامية في كوردستان جزءا أساسيا من بناء برلمان وحكومة كوردستان وتسهم في تعزيز مكانتهما ودورهما داخليا وخارجيا، فإنها (أي الأحزاب الإسلامية) بكل بساطة ليست جزءا ولا سببا لإيجاد وديمومة أي من الأمراض الفتاكة التي يعاني منها كيان الشعب الكردي وقضيته العادلة في الوقت الحاضر، فهي ليست جزءا من الفساد الإداري والمالي الذي ينخر كيان الحكومة، كما أنها ليست مسؤولة عن شلل المؤسسات الرسمية، ولا عن فوقية الأحزاب السياسية على المؤسسات ولا عن عدم استقلالية السلطة القضائية. ولا تمتلك الأحزاب الإسلامية في كوردستان ميليشيات مسلحة كونها أحزاب مدنية يتم حماية مقراتها من قبل عناصر من الشرطة تابعة لحكومة إقليم كوردستان.
هناك من يتهم الأحزاب الإسلامية في كوردستان بعدم امتلاكها رؤية سياسية لوضع الحلول الناجعة للتحديات التي تواجه تجربة إقليم كوردستان. ومثل هذا الاتهام لا يخلو من الصحة، لكن في المقابل هل بالإمكان مطالبة الأحزاب السياسية بغض النظر عن خلفياتها الفكرية للقيام بوظيفتها الأساسية دون توفير الأرضية الدستورية والقانونية المناسبة لها؟ الم تقدم أحزاب المعارضة (التي كانت تتشكل من حزبين إسلاميين وحزب علماني) العديد من الحلول لمعالجة المشاكل وتجاوز التحديات وكان هناك تأييد شعبي وجماهيري كبير لتلك البرامج لكنها ذهبت أدراج الرياح لعدم توافر الفرصة لممارسة المنافسة الحزبية والسياسية؟ كيف يمكن مطالبة الأحزاب السياسية في أي بلد القيام بوظيفتها الأساسية في ظل غياب تلك الأرضية؟
لا اشك بان الأحزاب الإسلامية لازالت بحاجة ماسة إلى مراجعات جدية في الكثير من الامور مثل الجمع ما بين الدعوة والعمل السياسي، وكيفية التعاطي مع الثوابت الشرعية عند ممارسة العمل الحزبي والسياسي إلى جانب تقديم مواقف واضحة عن الحريات الاجتماعية والدينية من حيث الفكر والتطبيق.
وأخيرا لابد من القول بان الأحزاب الإسلامية في كوردستان أدركت أيضا أنها لم تفعل الكثير بعد، وهذه القناعة تدفعها لكي تتطلع إلى المزيد من التغییر نحو الأفضل، وبما إن هناك نسبة من معوقات التطور وتحسين الأداء، ترجع اغلبها إلى عوامل ومؤثرات خارجية، فلابد أن يشكل الرأي العام والصحفيين والمثقفين سندا لها لكي تقوم بدورها المرتقب جنبا إلى جنب مع جميع الأحزاب والتيارات الأخرى.