- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الاتحاد الأوروبي: مشاركة مشوشة في شؤون الشرق الأوسط
واجهت المبادرة الفرنسية المطروحة حالياً على الساحة السياسية من أجل استئناف مفاوضات السلام الاسرائيلية-الفلسطينية، الكثير من الجدل والرفض وقلة الموافقة وتعدد الأطراف. فبعد مرور شهرين على مؤتمر باريس الذي ضم أعضاءً من "اللجنة الرباعية الدولية" ودول عربية، بالإضافة إلى تركيا، يبدو جلياً أن قرار المبادرة باستبعاد مسؤولين من إسرائيل أو السلطة الفلسطينية من المحادثات، لم يكن مُحفِّزاً على إحياء مسلسل المفاوضات.
لقد أصر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان له، على أن "إسرائيل تتمسك بموقفها، وأن أفضل طريقة لحل النزاع بينها وبين الفلسطينيين، هي طريقة المفاوضات المباشرة الثنائية". وأضاف البيان بأن "إسرائيل مستعدة للبدء على الفور دون أي شروط مسبقة". وفى الوقت الذي ترى فيه السلطة الفلسطينية أن تلك الصفقة قد حققت الكثير من المكاسب، ترى «حماس» أن "المبادرة تضر بالشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية، وتمثل محاولة لإحياء المفاوضات التي شهدت إخفاقات عديدة في الماضي".
وقد أعلن المشاركون في المؤتمر عن نيتهم للدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بين الإسرائيليين والفلسطينيين قبل نهاية العام الحالي، الأمر الذي لقي دعماً كبيراً من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم الأخير في لوكسمبورغ. وفى سياق هذه الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، تم توجيه دعوتين منفصلتين إلى كل من الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين والرئيس الفلسطيني أبو مازن، لزيارة بروكسيل عاصمة الاتحاد الأوروبي، من أجل عقد عدة لقاءات مع المسؤولين الأوروبيين، وإلقاء كل منهما خطاباً أمام البرلمان الأوروبي بشكل منفصل. وقد أبرزت كلتا الزيارتين مدى المشاركة المباشرة التي يقوم بها الاتحاد الأوربي في الشرق الأوسط، وذلك من خلال المبادرة الفرنسية وعدد من الخطط الأخرى، مثل: «خطة العمل المشتركة الشاملة». كما سلطت تلك الزيارات الضوء على الانحراف الذي طرأ على الرؤية الأوروبية فيما يخص الشرق الأوسط، وما قد يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة.
لقد وضع الرئيس أبو مازن عملية السلام في سياق الحرب الدولية على الإرهاب، مدعياً أنه "سيتم القضاء على الإرهاب في جميع أنحاء العالم، إذا ما انسحبت إسرائيل من الضفة الغربية والقدس الشرقية"، وقد حاول بذلك استغلال حالة الخوف التي تعيشها أوروبا نتيجة لما تعرضت له من هجمات إرهابية، كالتي لحقت بها مؤخراً. كما أن هذا الادعاء يسلط الضوء مرة أخرى، على جديد الأولويات في الشرق الأوسط، والذي يتمثل في التخوف من تفاقم حالة عدم الاستقرار، وما يمثله ذلك من ضرر على عملية السلام.
ومن الواضح أن ادعاء أبو مازن يلامس واقع التحديات التي تواجهها الدول الأوروبية في ما يخص عملية السلام، فضلاً عن علاقة هذه الدول مع الشرق الأوسط. وعلى الرغم من استغلال الجماعات الإرهابية للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني كذريعة لأعمالهم، إلا أن المحرك الرئيسي للإرهاب في الشرق الأوسط، لا يتمثل في وجود إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية كما ادعى عباس، وإنما يتجلى في الصراعات الطائفية الساخنة في المنطقة، بالإضافة إلى أخطاء الماضي التي ارتكبها الأوروبيون خلال الفترة الاستعمارية، ونخص بالذكر اتفاقية "سايكس بيكو" التي كانت المحرك التاريخي لموجة الإرهاب الدولي التي يشهدها العالم حالياً.
لقد واصلت أوروبا دورها غير المباشر في زعزعة الاستقرار في المنطقة، خاصة بعد دعم (مجموعة «دول الخمسة زائد واحد») للاتفاق النووي الإيراني، وهو الدعم الذي بدا ظاهرياً خطوة لتحقيق التقارب، في حين أنه ساهم في تعزيز دور إيران في المنطقة، لتتصاعد بذلك حدة الصراعات الطائفية المتعددة، مما أدى إلى تزايد التهديدات الإرهابية في يومنا هذا.
وأمام هذا الوضع، تحركت الدول العربية الفاعلة للرد على تلك التهديدات، فعملت على تجفيف منابع التطرف. وهذا بدوره سيؤدي إلى زيادة تعرض أوروبا إلى حالة من الفوضى النفسية والمادية التي جلبها الإرهاب، والذي وصل مداه إلى مجتمعات أمريكا الشمالية وأوروبا، بعدما كانت هذه المجتمعات في منأى عن مخاطره سابقاً.
لقد أصبح لزاماً على القادة الأوروبيين النظر جيداً إلى المنطقة، والعمل على تقييم أولوياتها ومشكلاتها بشكل صحيح، تفادياً لنتائج كارثية على الاتحاد الأوروبي ("الاتحاد")، الذي يعاني حالياً من عدة مشاكل هيكلية، تجلت مؤخراً في انفصال بريطانيا عنه، وما صاحب ذلك من اهتمام متزايد من قبل بعض الدول الأخرى التي قد تحذو حذوها. وبالطبع، يشير كل ذلك إلى أن الاتحاد الأوروبي مقبل على مستقبل مقلق وملبّد بالغيوم. ومن المتوقع أن تستمر هذه الموجة من اللامركزية بعد أن أثبت "الاتحاد" عدم فعالية سياسته، وعدم قدرته على مواجهة مشكلة الهجرة الحالية الناتجة عن الحرب الدائرة في سوريا، وعن الصراعات الطائفية التي تفتك بالمنطقة.
وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد للاتحاد الأوروبي بعملية السلام في الشرق الأوسط، يجب على أوروبا أن تتفهم جيداً أولويات المنطقة وأن تستوعب التحديات التي تواجهها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي لم تعد في طليعة جدول الأعمال الإقليمي، بسبب التهديدات الوجودية الكبرى التي تواجهها الدول العربية من قبل إيران و تنظيم «الدولة الإسلامية».
وفى الوقت الذي لم يقم فيه المسؤولون العرب بدعم عملية التطبيع مع إسرائيل ودفعها للأمام، لم تكن الزيارة الأخيرة التي قام بها اللواء أنور عشقي لإسرائيل، سوى حلقة في سلسلة من الاعترافات بأهمية التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل. وقد جاء هذا التحول دون إحراز أي تقدم يذكر في عملية السلام. ويبدو أنه سيستمر بغض النظر عما يحدث من تطورات في مستقبل مسلسل المفاوضات.
ونستحضر هنا، ما صرح به المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد في حديثه أمام مؤتمر "هرتسليا" السنوي، حيث أشار إلى تقدم العلاقات بين إسرائيل والعديد من البلدان العربية، ولكنه لم يرغب في ذكر أسماء تلك الدول، بسب حساسية شعوبها تجاه إسرائيل. كما أضاف غولد أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتواجد في أسفل أجندة العالم العربي، وكذلك الأجندة الإسرائيلية، خاصة في ظل تفشي الهجمات الإرهابية والحروب الأهلية، وتزايد العنف الطائفي، واستمرار مسلسل الإطاحة بالحكومات.
في ظل هذا الواقع الإقليمي الحالي، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يحاول الاستماع لسكان المنطقة، عوضاً عن وضع جدول أعمال بطريقة تعكس ماضيه الاستعماري. وإذا ما استمر "الاتحاد" في العمل بشكل انفرادي مستقل عن رغبات الجهات الإقليمية الفاعلة، فإن ذلك سيؤدي إلى تأزيم الوضع بشكل أكبر في منطقة تعاني من عدة تحديات معقدة، وهو ما قد يعرض أوروبا ذاتها، لفوضى محتملة.
رامي عزيز هو صحفي مصري مقيم في أوروبا. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"