في السابع والعشرين من يناير 2017، أصدر الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، قرارًا تنفيذيا؛ يتم بموجبه تعليق برنامج الولايات المتحدة لاستقبال اللاجئين، مع حظر دخول اللاجئين السوريين إلى أجل غير مسمى، إضافة إلى حظر دخول المواطنين من دول ذات أغلبية مسلمة -سوريا، والعراق، وإيران، وليبيا، والسودان، والصومال، واليمن. وفور صدور القرار، اندلعت موجة شديدة من الانتقادات العالمية في عدة دول حول العالم. كما تعرض هذا القرار لانتقادات بعض الهيئات الدولية والإقليمية، منها: الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
لقد تراوحت ردود الأفعال الرسمية من قبل دول المنطقة؛ ما بين الدفاع والهجوم والتأييد، وحتى الصمت. فكانت السودان والعراق في مقدمة الدول المتبنية للموقف الدفاعي، بينما كانت اليمن من بين الدول التي اتخذت موقفا هجوميا، مثلها مثل حكومة الوفاق الوطني في ليبيا. وبالمقابل عبرت دول الخليج عن موقفها المؤيد للحظر، باستثناء قطر. كما أن سوريا اصطفت في صف المؤيدين. في حين فضلت كل من مصر وتونس والأردن ولبنان؛ أن تلجم لسانها، وتلزم الصمت المطبق.
وفيما يخص ردود فعل الدول التي اتخذت موقفا هجوميا، فقد أعلن وزير خارجية إيران، على أن بلاده ستطبق سياسة المعاملة بالمثل؛ للرد على تلك القرارات، بينما اتهم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية "على خامنئي"، النظام السياسي الأمريكي بالفساد. لقد جاء هذا الرد الإيراني العنيف؛ في أعقاب تدهور العلاقات الأمريكية الإيرانية، بعد إعلان ترامب عن نيته في مراجعة الاتفاق النووي الذي أبرم سابقا مع إيران، وبعد قيام ترامب بفرض عقوبات إضافية على إيران، بعد تجربتها الصاروخية الأخيرة.
أما بالنسبة للموقف اليمنى، فقد اتسم أيضا بالرفض والمعارضة لقرار ترامب، حيث عارض نائب وزير الخارجية اليمنى - عبد المالك المخلفى، القرار ووصفه بأنه "غير مبرر"، وبأنه يدعم الإرهاب. لم تكن تتوقع اليمن أن يوضع اسمها في قائمة الحظر التي حددها "ترامب"، خاصة، وأنها بلد يقود حربًا طاحنة ضد المليشيات الحوثية المدعومة من قبل إيران.
أما في ليبيا، فقد وصف وزير خارجية حكومة الوفاق الوطني؛ القرار بأنه “غير عادل" و"عنصري"؛ باعتباره يميز بين الناس استنادا إلى دياناتهم، كما أنه ينتهك مبادئ حقوق الأنسان المتعارف عليها عالميا. ويذكر أن قرارات "ترامب"؛ كانت سببا في إلغاء مؤتمر رفيع المستوى حول ليبيا، كان من المقرر أن يعقد في منتصف يناير الماضي، بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
وإذا كانت هذه الدول قد عبرت علانية عن معارضتها لموقف "ترامب"، فإن هناك دولا أخرى فضلت المهادنة والمسايرة، حيث اتخذت موقفا دفاعيا ممزوجا بالأمل في أن يتراجع ترامب عن تلك القرارات، فهذه وزارة الخارجية السودانية قد أعلنت في بيان لها ردا على القرار؛ أعلنت أن الجالية السودانية في الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بسمعة جيدة، وأنها تحترم القانون الأمريكي، ولا يرتكب أفرادها أي أعمال إجرامية أو متطرفة. كما دعت الرئيس الأمريكي إلى إعادة النظر في قراراته. ويبدو أن الدولة السودانية قد اتخذت موقفا دفاعيا؛ حتى لا تنسف مساعيها لبناء علاقات متقاربة مع الولايات المتحدة، خاصة وأنها لم تتنفس الصعداء إلا بعد رفع العقوبات عنها في الأونة الأخيرة، بفضل المباحثات الثنائية التي تمت بينها وبين الولايات المتحدة، والتي مهدت الطريق للتعاون المشترك بينهما على المستويين الاقتصادي والأمني.
ولم يكن موقف العراق بعيدا عما ذهب إليه السودان، إذ عبر في بيان وزارة خارجيته عن دهشته وأسفه على هذا القرار، خاصة وأن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، قد قطعا شوطا كبيرا في محاربة تنظيم "داعش"، ومن ثم، تضمن البيان أيضا، دعوة الرئيس الأمريكي إلى مراجعة القرار، مفصحا عن رغبة العراق في استمرار شراكته الاستراتيجية صحبة الولايات المتحدة لتكثيف جهود مكافحة الإرهاب. ويعتبر العراق الحليف الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، ويأمل في استمرار تدفق المساعدات الأمريكية العسكرية والاقتصادية إليه. لذلك، ارتأت القيادة العراقية أن تتخذ موقفا دفاعيا؛ لمحاولة إقناع الإدارة الأمريكية بحذف العراق من قائمة الدول المحظورة، وهو ما تم بالفعل، في وقت لاحق. ففي السادس من آذار/ مارس، أصدر ترامب أمرا تنفيذيا آخر، رفع بموجبه الحظر على العراق. وجاء هذا القرار بعد المكالمة الهاتفية التي تمت بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء حيدر العبادي، في العاشر من شباط فبراير الماضي، والتي وعد فيها ترامب بإعادة النظر في مسألة إدراج اسم العراق ضمن قائمة الدول المحظورة. ويبدو أن التفسير الأكثر ترجيحا لتراجع الإدارة الأمريكية عن قرارها؛ هو تخوفها من تنامى النفوذ الإيراني؛ حال منع العراقيين من دخول الولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدى إلى غياب التنسيق الأمني بين البلدين في هذا الصدد. وقد توج هذا التفاهم بين البلدين بزيارة العبادي إلى واشنطن في منتصف شهر مارس الجاري، حيث وعده الرئيس ترامب بزيادة المساعدات العسكرية الممنوحة للعراق؛ بغية دعم جهود مكافحة الإرهاب.
باستثناء قطر، أيدت أغلب دول الخليج قرار ترامب، حيث أعلن وزير الطاقة والبترول والثروة المعدنية السعودي - خالد الفالح - أنه من حق الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة لحماية شعبها، واصفا العلاقات بين الولايات المتحدة وبلادة ب “القوية" "والعميقة ". فيما اعتبر وزير الخارجية الإماراتي - الشيخ عبد الله بن زايد، ذلك القرار بأنه شأن من الشؤون الداخلية لأمريكا، وأنه قرار لا يستهدف المسلمين. ونحى وزير الخارجية الكويتي - خالد جار الله، المنحى نفسه مفصحا على أن بلاده تحترم قرارات وخيارات الرئيس الأمريكي، والتي على حد قوله، قرارات تتوافق مع مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي هذا التأييد الخليجي للقرار الأمريكي؛ بعد أن ارتآى أمراء الخليج الحفاظ على علاقة جيدة مع ترامب، خدمة لأجنداتهم بشكل أفضل. كما رحبت دول الخليج بدعوة ترام إلى إنشاء مناطق آمنة في سوريا، حيث لقيت دعوته ترحيبا كبيرا من قبل دول الخليج، والتي تتوقع من إدارة ترامب أن تتخذ موقفا أكثر حزما؛ لمواجهة الخطر الذي يتهددها، والمتمثل في التحرك الإيراني داخل سوريا واليمن.
ولقد كانت سوريا أيضا، ضمن المعسكر المؤيد، إذ أعلن الرئيس السوري - حافظ الأسد، بأن القرار لم يستهدف الشعب السوري بعينه، لكنه يستهدف الإرهابيين الذين يتسللون إلى الدول الغربية مندسين بين اللاجئين. كما أضاف الأسد، بأنه ليست من مسؤوليته كرئيس؛ أن يطلب من الرئيس الأمريكي السماح للاجئين بدخول بلاده. وقد جاء رد الفعل السوري المؤيد لقرارات ترامب بعد أن صرح الأخير سابقا، بأن إدارته ستعمل على قطع الدعم الذي توفره الولايات المتحدة للمتمردين. لكن، تأتي الرياح بما لا تشتهى السفن، فبعد قيام نظام الأسد بقصف المدنيين في خان شيخون في ريف إدلب بالأسلحة الكيمائية، انقلب إدارة ترامب بشدة على نظام الأسد، وردت بشن غارات صاروخية على مطار الشعيرات بسوريا.
هناك معسكر أخر اختار لغة الصمت، والذي يتكون من الدول التي لم يشملها قرار ترامب، وتضم كلا من مصر والأردن ولبنان وتونس، فهذه الدول كانت تسعى دوما، إلى إقامة علاقات أمنية واقتصادية وطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فهي لا ترغب في المخاطرة. بل إنها لم تكتف بالصمت فقط، وإنما سارعت إلى تنفيذ قرارات ترامب على الأرض، حيث قامت مصر والأردن بمنع عدد من الجنسيات التي شملها قرار ترامب من السفر إلى الولايات المتحدة عبر مطاراتها. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول الرؤساء الذي هنؤوا ترامب بفوزه في الانتخابات. كما أن ترامب قام مؤخرا بوصف السيسي بأنه "رجل رائع "، ويبدو أن موقف السيسي المتشدد ضد الإسلاميين؛ قد وقع موقعا حسنا في نفس ترامب، خاصة وأن مصر تسعى إلى إقناع الولايات المتحدة لأمريكية بإدراج الإخوان على قائمة الإرهاب.
من جهة أخرى، كانت تونس أيضا، قد التزمت الصمت، خاصة وأنها في حاجة ماسة إلى توطيد علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمر بظروف اقتصادية وأمنية صعبة، تتطلب الدعم الأمريكي. وقد وعد ترامب الرئيس الباجي قايد السبسي في مكالمة هاتفية مؤخرا، وعده بالتزام واشنطن بالوقوف إلى جانب تونس، وبتقديم الدعم اللازم لها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها. وأما لبنان والأردن اللذان التزما الصمت أيضا، فإنهما يتمتعان بعلاقات اقتصادية وأمنية وطيدة مع الولايا ت المتحدة، وهما أيضا يسعيان إلى الإبقاء عليها.
وبالرغم من الدعم الذي تلقته قرارات ترامب في المنطقة، إلا أن الكثيرون اعتبروها عنصرية وتستهدف الإسلام، وستكون بمثابة وقودا للجماعات الإرهابية المتطرفة التي ستنجح دون بذل جهد كبير في إقناع الشباب الذي يمر بانتكاسات اقتصادية واجتماعية، بأن الولايات المتحدة تحارب الإسلام، ومن ثم، تستغل هذا الخطاب لتجنيدهم بسهولة. إن محاربة الإرهاب الحقيقية تتمثل في محاربة الأفكار المتطرفة التي لا تمنعها حدود أو إجراءات أمنية. فقد شهدت الولايات المتحدة ذاتها بعض العمليات الإرهابية التي قام بها أفراد ينتمون للفكر المتطرف؛ لكنهم في ذات الوقت يقطنون على الأرض الأمريكية، ولنا في حادث أورلاندو العبرة، حيث أن "عمر متين" الإرهابي الذي قام بمهاجمة مقهى ليلى في أورلاندو؛ لم يكن يحتاج تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليقوم بتلك العملية؛ إذ أنه كان بالفعل، يعيش على الأراضي الأمريكية، ويحمل الجنسية الأمريكية. ومن ثم، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل وثيق مع حكومات الدول التي تعاني من وطأة الإرهاب. كما يجب أن تدرك الولايات المتحدة الأمريكية بأن حلفائها في الشرق الأوسط الذين تستعين بهم في مكافحة الإرهاب هم أنفسهم من ساهموا في تضخم تلك الظاهرة وتفشيها، فكبت الحريات، وتفشى الفساد، وغياب العدالة الاجتماعية هم المسئولين عن حالة الإحباط التي يعيشها الشباب والتي تدفعهم إلى الانضمام لتلك المجموعات الإرهابية.