البرلمان المصري الجديد تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت السيسي
10 ديسمبر 2015
يرتكز الإصلاح السياسي في دول العالم على ثلاثة أركان, أولاً دولة قوية تستطيع بسط نفوذها على البلد التي تحكمها وتستطيع إجبار كافة الشعب بكل أطيافة على الإنصياع للقوانين التي تصدرها, ثانياً, وفي المقابل لا بد من وجود أليات لإجبار الدولة بكل نفوذها أن تعمل للصالح العام وليس لحاكم بعينة أو فئة مصالح بعينها, تلك الأليات تتمثل في المحاسبة الديمقراطية و سلطة القانون على الجميع سواء كانت حكومة أو شعب. وتتجلى عدالة وسلطة القوانين عندما لا يصبح احداً مهما كان فوق القانون, والأسس التي يبني عليها القانون هي قيم إنسانية عالمية لا يختلف عليها إثنان.
لكن في الحالة المصرية, هناك دولة تسيطر بقوة السلاح ويسن القانون ليس لبناء عقد اجتماعي بين الحكومة والشعب ولكن بهدف الحفاظ على بقاء النظام وفئة المصالح المنتفعة بة, وهذا ما يسمى في العلوم السياسية ب "كليبتوقراطية", وتسمح الحكومة بمجتمع مدني يخدم فقط مصالحها وسياستها. وبعد أن قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسن الكثير من التشريعات التي تدعم من بقائة وبقاء نظامة في الحكم مثل قوانين منع التظاهر و الحد من حرية التعبير و غيرها, أدارت حكومتة إجراء إنتخابات تشريعية بهدف تشريع قوانين متناسقة مع رغبات الحكومة, وفي شكل لم يسبق حتى في أحلك فترات حكم مبارك, جاء المرشحون بالتعيين المباشر من الأجهزة الأمنية كما صرحت رئيسة حزب الدستور و الناشطة جميلة إسماعيل في مؤتمر معهد الشرق الأوسط في واشنطن قبيل إجراء الإنتخابات, وأشارت أنة "هناك قيود أمنية وإختيارت من جانب الأجهزة الأمنية لنواب البرلمان القادم, هذا بالرغم من عدم خبرتهم في المجال السياسي" وهذا المعيار في الإختيار يؤدي إلي فساد الحكم او ما يسمي بالإنجليزية الذي يعتبر أرض خصبة لزيادة معدلات الفقر التي لا ترجع لنقص الموارد لكن لفساد الحكم.
وفي الوقت الذي ينتقد فية الناشطين السياسين تلك العملية الإنتخابية برمتها بسبب فقدانها أدنى معايير الديمقراطية, تعتقد حكومة السيسي أن سياستها تهدف في المقام الأول الى "الحفاظ على الدولة المصرية التي كاد الإخوان أن يختطفونها من قبل", ويتذرعون بتصاعد الإرهابي المحلي والإقليمي وحتى الدولي, وبالتالي أصبحت المعادلة هي إما الإرهاب وإما ديكتاتورية السيسي وفساد حكمة, وكلاهما يستفيد من الأخر في بسط نفوذة وجذبة لموالين لهما, وكلهما يحقق نجاحات على الأرض. من ناحية اخرى , إستطاعت حكومة السيسي كبح جماح بل و إرهاب المعارضة التي نجحت من قبل في إسقاط ثلاثة حكومات ( مبارك ،والمجلس العسكري، ومرسي). وكلمة إرهاب هنا بالمعني اللغوي الذي يعني تخويف, من ناحية أخرى, يتزايد الإرهاب في سيناء وفي مناطق أخرى, وكانت عملية إسقاط طائرة االركاب الروسية في سيناء هي أكبر دليل على إختراق تكفيروا داعش للأجهزة الأمنية, ويتخذ هؤلاء الإرهابيون السياسة القمعية لحكومة السيسي, خصوصاً ضد الإسلاميين كذريعة أوغطاء لتنفيذ مثل تلك العمليات.
وفي ظل تلك المعادلة ،إرهاب سياسي في مقابل إرهاب تكفيري)، لم يكن لشباب الثورة الذي يريد في المقام الأول تغيير تلك المعادلة اي دور سياسي في تلك الفترة وذلك للحفاظ على سلامتهم الشخصية والتي هي الأهم على الأقل في تلك الفترة حتى تتغير الظروف. وبالتالي لم تقتصر مقاطعة العملية الانتخابية على على الناخبين فقط ولكن ايضاً المرشحين من التيارات التي ترفض تلك المعادلة. وبعد إنتهاء الجولة الأولى من الإنتخابات المكونة من جولتين, أصبح من المتوقع تشكيل برلمان غير ديمقراطي يهدف في الأساس لتوفير حصانة لحكومة السيسي. في هذا الصدد سيخفف البرلمان من حدة المعارضة ضد حكومة السيسي بشكل مباشر, وسيصبح من السهل تمرير جميع التشريعات التى يرغبها السيسى وحكومته بلا صعوبات تذكر , وبالتالي سينجح السيسي في تفتيت الإنتقاد الموجهه لحكومتة وبسط سيطرته على الحكم لأطول فترة ممكنة. وفي ظل قوانين تمنع التظاهر وحكومة تزج بالمتظاهرين في السجون, لا يمكن التظاهر ضد مجلس نيابي لأنة منتخب من الشعب, والحالة الوحيدة التي يمكن التظاهر ضدة, وهو أمر مستبعد, عندما يريد السيسي حلة.
وكان عزوف الناخبين متوقعاً في ظل حالة إحباط ممزوجة بمشاعر غضب دفين من سياسة السيسي القمعية. ترجع حالة الإحباط هذه الى فشل حكومة السيسي في حل المشاكل ألاساسية للمواطن,ارتفاع أسعار السلع بشكل غير مسبوق, إنخفضاض العملة المحلية (الجنية) في مقابل الدولار, توقفت السياحة تماماً وهذا لة تاثير الدومينو (Domino Effect) على قطاعات أخرى مرتبطة بلقمة العيش للمصريين منها على سبيل المثال لا الحصر, المشاريع الخدمية و المواصلات وغيرها. حتى في فترات الإرهاب في عهد مبارك, كان السياح الروس هم البديل لبقاء القطاع على قيد الحياة, لكن الأن توقفت الرحلات الجوية من روسيا لمصر, بما يمثل ذلك من المسمار الأخير في نعش السياحة. علاوة على ذلك, تجلت في الفترة الأخيرة مدى تهالك البنية التحتية خصوصاً شبكات الصرف في المدن الساحلية مثل الأسكندرية والبحيرة وغيرها, وتوقفت الحياة بعدما أغرقت الأمطار الشوارع, كل تلك العوامل وغيرها سببت حالة من الإحباط لدى عموم المصريين لدرجة أن احد العمال الذى توقف عمله نتيجة الاحداث الاخيرة لم يجد سوى الغضب للتعبير عن رأية في لقاء تليفزيوني قائلاً " بطالة زايدة, وأسعار زايدة, وكمان بيشيل التموين ؟ عشان إحنا حبناة وإخترناة يعني؟" وفي نبرة إنفعالية إنفجارية قال "ملعون أبو السيسي على مرسي على حسني مبارك" .
وكما قال أحد المسئولين اثناء الجولة الأولى " لم تكن هناك خروقات أو شكاوى أو إنتهاكات لأنه لم يكن هناك ناخبين في الأساس". وكأن الشعب يعطي للسيسي الضوء الأخضر لمواصلة سياسته السلطوية دون أي مشاركة وهذة الرسالة التي في ظاهرها الرحمة لكن في باطنها العذاب قد تعصف بحكومة السيسي في نهاية المطاف بعد وصول الغضب لمرحلة الإنفجار كالنبرة التي تحدث بها المواطن المصري البسيط.