- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الضغط على الأحزاب الكردية الحاكمة العراقية لإجراء إصلاحات
إذا كانت إدارة بايدن جادة في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، فعليها الضغط من أجل حكومة أكثر ديمقراطية وحرية وعدالة في كردستان العراق.
في 28 كانون الأول/ديسمبر، كتب مستشار الأمن القومي الأمريكي المقبل جيك سوليفان تغريدة على موقع "تويتر" جاء فيها: ستتصدى إدارة بايدن-هاريس لانتهاكات حقوق الإنسان أينما حصلت".
ويدرك الأمريكيون الذين جمعتهم علاقات بالأكراد أنهم حلفاء موثوقون ومقاتلون شجعان وشعب بلا وطن وغالبًا ما يتعرضون للخيانة. فقد ضحى الأكراد بحياة الآلاف خلال المعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وأثبتوا أنهم إحدى الأمم الأشد ولاءً لأمريكا في الشرق الأوسط. ولسوء الحظ، يجهل الأمريكيون كيفية معاملة الأحزاب الكردية الحاكمة لشعبها.
تجدر الملاحظة أن أكراد العراق يسيطرون على منطقة تتمتع بحكم ذاتي أنشائها الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الأولى عام 1991. وحكم حزبان مهيمنان كردستان العراق هما: "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، على التوالي، بقيادة أسرتي بارزاني وطالباني.
وطيلة نحو ثلاثة عقود من الحكم، لم تتمكن الأسرتان الحاكمتان من تأسيس إقليم مزدهر يمكن لجميع الأكراد التنعّم به. فالإقليم غارق في الفساد المستشري والمحاباة وانعدام المساءلة والشفافية وانتهاكات حقوق الإنسان. كما أن تفاعلات الولايات المتحدة مع أكراد العراق لم تتجاوز الأسرتين الحاكمتين.
والآن أمام إدارة بايدن فرصة لتغيير هذا التقليد والوفاء بوعدها بالتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان أينما كانت. وعلى إدارة بايدن والكونغرس السابع عشر بعد المئة التركيز على المظالم المحلية ضمن إقليم كردستان.
قمع الاحتجاجات
منذ سنوات يخرج الأكراد إلى الشوارع طورًا وينسحبون منه تارةً، وكان شهر كانون الأول/ديسمبر قد شهد جولة الاحتجاجات الأحدث. مطالبهم بسيطة؛ يريدون الحصول على الخدمات الأساسية، ووضع حدّ للفساد والمحاباة. ولنحو ثلاثة عقود، شلّ الحزبان الحاكمان "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" الإقليم ومنعاه من إحراز أي تقدّم. فضلًا عن ذلك، يعامَل المحتجون بقسوة وصرامة. فقد أطلقت القوات التابعة للحزبين النار عليهم وضربتهم وقامت باختطافهم وتهديدهم وقتلهم. في هذا الصدد، كانت صحيفة "فاينانشال تايمز" نقلت أن ثمانية محتجين لقوا حتفهم. غير أن المؤيدين المحليين للأسرتين الحاكمتين قادرون على التصرف كجنود مشاة من دون مواجهة أي عواقب. والدليل على ذلك، فيديو مصوّر لأحد مؤيدي "الحزب الديمقراطي الكردستاني" يطلق النار على محتجين شباب، علمًا بأنه لم تتمّ محاسبته على فعلته.
وردا على ذلك، ومن جهتها، دعت الوكالات الدولية والمحلية لحقوق الإنسان الأسرتين الحاكمتين إلى الإصغاء إلى مطالب المحتجين بدل معاقبتهم. وفي هذا السياق، كانت "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" قد حثّت "سلطات إقليم كردستان على حماية التجمعات وحرية التعبير".
بالنسبة للولايات المتحدة، هذه قضية ذات صلة خاصة، حيث استخدم الحزبان الحاكمان معدات عسكرية أمريكية لقمع المحتجين. فهذه المعدات كانت مُنحت إلى الأكراد لمواجهة "الدولة الإسلامية" وليس لقتل المدنيين أثناء الاحتجاجات. ويُذكر أن القوات التابعة لـ"الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" تتلقى التمويل والسلاح والتدريب من الولايات المتحدة عبر "قانون الإذن بمخصصات الدفاع الوطني" السنوي.
استهداف الصحفيين
يعرّض الصحفيون في إقليم كردستان حياتهم للخطر يوميًا لتغطية تلك القضايا، حيث يتم استهدافهم من قبل حكومة إقليم كردستان. وقد هددت السلطات صحفيًا من "صوت أمريكا" يتخذ من كردستان مقرًا له بإطفاء كاميراته خلال المظاهرات وإلا "سيدقّون عنقه". ومن جهتها، أفادت "هيومن رايتس ووتش" أن السلطات الكردية "أغلقت بشكل غير قانوني مكتبين لشبكة "إن آر تي" الإعلامية الخاصة منذ أكثر من شهر، على ما يبدو بسبب تغطية الاحتجاجات وبث فقرات تنتقد الحزب الحاكم".
حتى أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" ذهبا أبعد من ذلك وأغلقا الإنترنت. وذكرت مؤسسة "سكاي لاين إنترناشيونال" الدولية ومقرها ستوكهولم أنها "جمعت شهادات تفيد أن السلطات في كردستان العراق أبطأت خدمات الإنترنت وحجبت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في المناطق الخاضعة لسيطرتها".
ومؤخرًا، اتهم رئيس الوزراء مسرور بارزاني خمسة صحفيين وناشطين بأنهم "جواسيس أجانب" و"إرهابيين" قبل بدء المحاكمة، وذلك بعد اتهامهم بلقاء قنصليات أجنبية، بما فيهم قنصلية الولايات المتحدة في أربيل. وهذا يعني أن الحزب سيسجن الأكراد الذين يتواصلون مع أجانب ويعربون لهم عن المظالم التي يعانونها ولو كانوا أمريكيين. وبهذا ضرب رئيس الوزراء استقلالية القضاء عرض الحائط وتدخل بالحكم. وكما كان متوقعًا، بعد مرور عدة أيام، أصدرت المحكمة المزيفة المتحالفة مع رئيس الوزراء نفسه، حكمها بسجنهم لمدة ست سنوات. وفي هذا الإطار، ورد في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 2020 ما يلي: "تردد أن كبار القادة في حكومة إقليم كردستان تدخلوا بقضايا حساسة من الناحية السياسية. كما تردد أن التعيينات والأحكام القضائية خاضعة بدورها لنفوذ الحزبين السياسيين الأقوى في الإقليم".
يجب أن يعلم الحزب الديمقراطي الكردستاني أن المدنيين الأكراد لن يقوموا أبدا بمشاركة مظالمهم مع القنصليات الأجنبية إذا شعروا أن لديهم حكومة عادلة وموثوقة يمكنهم الاعتماد عليها. وكانت "لجنة حماية الصحفيين" قد دعت رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى "احترام حرية الصحافة". وطالبت بإطلاق سراح "الصحفيين المسجونين" والسماح للمذيعين والصحفيين المحليين بـ"ممارسة عملهم بحرية وأمان من دون الخوف من التعرض لأي أعمال انتقامية".
العشائر الحاكمة
اليوم، يُعتبر الوفاء للأسر الحاكمة فوق كل اعتبار. لقد أعطت الولايات المتحدة لفترة طويلة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" منصة لا يرغبان في مشاركتها مع باقي الشعب الكردي. ويعتبر الأكراد العاديون هذه المقاربة نقطة ضعف في سياسة الولايات المتحدة إذا ما أرادت تقوية إقليم كردستان.
وفي حين يشكو الحزبان الحاكمان "أزمة اقتصادية" أمام الدبلوماسيين الغربيين، يشتريان سرًا قصورًا في الخارج. هذا ويخضع عدد من الشركات المتخذة من كردستان مقرًا لها التي تربطها علاقات بالأسرتين الحاكمتين للتحقيق من قبل وزارة العدل الأمريكية على خلفية تهم رشاوي ومحاولة "احتكار عقود نفط مبرمة مع البنتاغون تناهز قيمتها مئات الملايين من الدولارات".
ويستميت الشعب الكردي حتى يلقى آذانًا صاغية. والآن هو الوقت المناسب للإصغاء إلى مطالبه وتسليط الضوء على عجز العشائر الحاكمة في كردستان عن الحكم. ولا يمكن للولايات المتحدة السماح لكردستان بأن تصبح إقليمًا مستقلًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا مستبدًا بالكامل. وبدلًا من ذلك، يجب أن يكون الهدف في تشكيل حكومة كردية شاملة تمثل كافة الفئات الشعبية.
وإلى جانب الكونغرس، على فريق بايدن أن يشدّد على أن دعم بلاده للإقليم المستقل مشروط لضمان تمثيل المواطنين الأكراد من قبل حكوماتهم. كما يجب أن يقوم الدعم العسكري والسياسي مشروط، فأي دعم للإقليم يجب أن يكون مقابل إصلاحات ملموسة.
ويجب ألا تنتهج الولايات المتحدة بعد الآن مقاربة "الشيك على بياض" إزاء إقليم كردستان فقط لمجرد أنهم حلفاء. فللولايات المتحدة نفوذ كبير على أفعال "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، وفي حال رغبا في مواصلة تلقي الدعم الأمريكي، عليهما تلبية مطالب الشعب الكردي.
تجدر الملاحظة أخيرًا أن الشعب الكردي قادر على إنشاء إقليم مزدهر يحترم حقوق الجميع. ويجب ألا تعترض العشائر هذا المسار كما يجب ألا تذهب دولارات المكلفين الأمريكيين لدعم القادة الفاسدين على حساب شعوبهم، حتى لو كانوا حلفاء مقربين.