- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الدولة الإسلامية في باكستان وشبكتها المتنامية
أنشأ تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش") قاعدةً له في باكستان، وأطلق عليها اسم "ولاية خراسان" عاملاً على تكثيف جهوده بشكل ملحوظ لتوسيع شبكته في تلك البلاد. لكن الدولة الباكستانية ترزح تحت وطأة الإرهاب والمعارك، ولذلك فهي ليست مستعدة لتقبّل وجود تنظيم إرهابي آخر على أراضيها. والهدف من هذه المقالة هو إعطاء نظرة شاملة عن شبكة "داعش" المتوسعة في باكستان إلى جانب تحليل الوضع الراهن والنظر في المساعي التي تبذلها باكستان لاقتلاع جذور هذا التنظيم.
مع طفرتها الشبابية غير المسبوقة، قد تشكل باكستان مركزًا كبيرًا لتجنيد عناصر "داعش"، مع العلم بأن عدة تنظيمات إسلامية إرهابية سبق أن استغلت وضع البلاد الهش، وكان تنظيم "القاعدة" المستفيد الأول مع توافد الآلاف من مقاتليه إلى مخيمات التدريب التي أقامها في أفغانستان ما بين العامين 1996 و2001. وبالرغم من الحواجز اللغوية والثقافية، عمل عدد من التنظيمات الإرهابية الإسلامية الباكستانية تحت إشراف "القاعدة" منذ العام 2001، من بينها "حركة الجهاد الإسلامي" و"حركة المجاهدين" و"لشكر جهنكوي" و"جيش محمد" و"لشكر طيبة" و"طالبان باكستان".
والواقع أن باكستان تعتبر نقطة تجنيد جذابة لتنظيم "داعش" بحكم عدد سكانها البالغ 180 مليون نسمة وإمكانياتها النووية وموقعها الجغرافي على مقربة من أفغانستان ناهيك عن اقتصادها المتردّي – والدليل الأبرز على ذلك هو التنامي الهائل الذي شهدته خلايا "داعش" في باكستان على مدى السنتين الماضيتين. فالقائمة الصادرة عن الحكومة الباكستانية بالتنظيمات الإسلامية الإرهابية تضم ما يفوق المئة تنظيم، وهذا يفتح باب التجنيد أمام "القاعدة" على مصراعيه .
بيد أن الجيش القوي لدى الحكومة الباكستانية ليس مستعدًا للسماح لـ"داعش" بتعزيز شبكته الجديدة. مع ذلك، سيكون من الصعب تفادي انتشاره نظرًا للظروف المؤاتية لتجنيد العناصر وللعدد الكبير من التنظيمات الإرهابية الإسلامية الناشطة أصلاً في البلد. وقد أقر مكتب الخارجية الباكستانية بأن هذا الأمر يطرح مشكلة في باكستان وكشف أن السلطات "ستنشئ خلية جديدة معنية بتنظيم "داعش" وتابعة للهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب" .
وفق ما ورد على لسان الفريق سليم باجوا، المتحدث السابق باسم الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني، أوقفت قوات الأمن والقوات شبه العسكرية في باكستان 309 عناصر من "داعش"، ومن ضمن هؤلاء المعتقلين أجانب من أفغانستان وسوريا والعراق. لكن بالرغم من هذه الأرقام، أنكر الفريق مزاعم الوجود الرسمي والمنظم للتنظيم في باكستان، بل ادعى أن "التنظيم يعمل الآن على الجانب الأفغاني من الحدود" .
تنظيم "داعش" يبسط جناحيه: الانتشار والاستحواذ
مع ذلك، فإن ثلاثة تنظيمات إرهابية إسلامية باكستانية سابقة كانت مرتبطة بتنظيم "القاعدة" بالإضافة إلى عدد كبير من زعماء حركة "طالبان باكستان" وفصائل منشقة عن "لشكر طيبة" كلها بايعت خليفة "داعش" أبو بكر البغدادي منذ العام 2014. والجدير بالذكر هو أن هذه التنظيمات لم تكتفِ بالتحالف بل امتد دعمها إلى أعمق من ذلك بكثير. فالمدعو عبد الرحيم مسلم دوست مثلاً، الذي كان معتقلاً في سجن غوانتانامو وكان في السابق من أتباع جهيمان العتيبي في المملكة العربية السعودية وشارك في الحصار على الحرم الملكي سنة 1979، نُصّب أميرًا على ولاية الخرسان (التي تشمل باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى) ولكن سرعان ما تم استبداله في أيلول/سبتمبر 2014 بحافظ سعيد خان من أوركزاي، وهو زعيم سابق في "طالبان باكستان". ولقي سعيد حتفه في غارة جوية أمريكية في مقاطعة نانجارهار في أفغانستان خلال تموز/يوليو 2016 ولم يتم تعيين خلف له بعد.
وقد حصل الأمر نفسه مع عدد من قادة "طالبان باكستان" في بيشاور والمناطق القبلية من باكستان، من بينهم حافظ قران دولت وغل زمن ومفتي حسن وخالد منصور والمتحدث السابق باسم الحركة شهيد الله شهيد.
لكن فيما حاولت بعض التنظيمات التزلّف بالكامل إلى "داعش"، اكتفت تنظيمات أخرى بالإعراب عن دعمها لا أكثر. فبعض فصائل "طالبان باكستان" مثلاً استجابت بلهجة استرضائية ولكنها لم تتخذ أي خطوة لمبايعة "داعش". والناطق باسم فصيلة "فضل الله" التي تعتبر الأقوى بين فصائل حركة "طالبان باكستان"، تحدث عن "داعش" بالأسلوب نفسه في تشرين الأول/أكتوبر 2014 حين قال:
"إخواننا، نحن نفتخر بانتصاراتكم، ونحن معكم في أفراحكم وفي مآسيكم... وكل مسلمي العالم ينتظرون منكم الكثير... نحن معكم وسوف نمدّكم بالمجاهدين وبكل أشكال الدعم الممكنة"
من الواضح أن أقوى حركة فاعلة غير دولية ومرتبطة بـ"القاعدة" في باكستان، أي "طالبان باكستان"، توخت الحذر في علاقاتها وتعاملاتها مع "داعش". وفيما قررت بعض الفصائل الحفاظ على علاقة مقرّبة بـ"القاعدة"، قامت فصائل أخرى على غرار "حركة أوزبكستان الإسلامية" التي انتقلت من مناطق باكستان القبلية إلى مقاطعة نانجارهار، بمبايعة "داعش". وتعزى هذه الحصيلة بشكل خاص إلى نقمة حركة "طالبان" الأفغانية التي شنت هجومًا ضخمًا شمل عدة مقاطعات أفغانية شرقية ومحت معظم كوادر "حركة أوزبكستان الإسلامية" من الوجود. وعلى النحو نفسه، كان من شأن الهجوم الذي نفذته حركة "طالبان" الأفغانية ضد "داعش" في تلك المقاطعات الشرقية – مصحوبًا بالضربات الجوية الانتقامية والعمليات العسكرية التي نفذتها القوات الأمريكية والأفغانية بعد الهجوم الانتحاري على كابل خلال شهر تموز/يوليو ، أن أضعفت "داعش" بشكل ملحوظ في أفغانستان.
ولذلك من المرجح أن يحاول تنظيم "داعش" صب جهوده على شبكته المنتشرة في المدن الباكستانية. فقد تبنّى التنظيم التفجير الانتحاري الذي وقع في مدينة كويتا وأودى بحياة 70 شخصًا، ما يشير إلى أنه يسعى إلى ترك انطباع قوي لدى الشعب. ومع أن التنظيم قد يكون متأثرًا سلبًا بالعمليات العسكرية التي تقع على جانبَي الحدود، إلا أنه سيحاول الاستفادة من التجمّع الهائل المحتمل لتجنيد العناصر الذي تشكله التنظيمات الإسلامية الباكستانية. بمعنىً آخر، ستواصل شبكة "داعش" توسعها بوتيرة ثابتة في باكستان على الرغم من تلك العمليات.
"جند الله" و"حركة الخلافة باكستان"
عند استحواذ تنظيم "داعش" على الموصل في تموز/يوليو 2014، كانت حركة "جند الله" و"حركة الخلافة باكستان" أولى التنظيمات التي بايعت أبو بكر البغدادي. وفيما لا يُعرف سوى القليل عن "حركة الخلافة باكستان"، نجحت حركة "جند الله" المتفرعة عن اتحاد طلاب "الجماعة الإسلامية" في كسب اهتمام إعلامي كبير إثر الاعتداء الذي نفذته سنة 2004 على موكب قائد الجيش في كاراشي الفريق أحسان سليم حياة. وبينما تنتمي الحركتان إلى تنظيم "القاعدة" وإلى قسم من الشبكة الكبرى لحركة "طالبان باكستان"، صرّحت هذه الأخيرة علنًا عند مبايعة "داعش":
"من اليوم يستطيع الشيخ أبو بكر البغدادي اعتبار "حركة الخلافة" والمجاهدين في باكستان سهمًا من أسهم قوسه".
في المقابل، قام المتحدث باسم "جند الله" فهد مروات بمبايعة أبو بكر البغدادي بالنيابة عن الحركة. والواقع أن "جند الله"، كونها حركة صغيرة من الجهاديين المتعلمين والمندفعين ارتبط اسمها بتنظيم "القاعدة" منذ نشأتها سنة 2004، تحظى بمصداقية أكبر في صفوف الجهاديين. ويشار إلى أن الحركة كانت في السابق جزءًا من شبكة تنظيمات "طالبان البنجاب" المرتبطة بـ"القاعدة" والعاملة ضمن الأراضي الباكستانية. كما أن معظم عناصر "جند الله" الإرهابيين متمركزون في كراتشي وهم أعضاء سابقون في الحزب السياسي الإسلامي المعروف بـ "الجماعة الإسلامية في باكستان".
وبحكم الروابط الوثيقة بين "جند الله" و"القاعدة"، فالأرجح أن قرار الحركة بتغيير تحالفاتها كان قرارًا صعبًا. مع ذلك، وبما أن الحركة خسرت معظم قياداتها الرئيسية بسبب الإجراءات الصارمة التي اتخذتها القوت الأمنية الباكستانية بعد الهجوم الذي نفذته سنة 2004، تدل هذه الخطوة على أن الحركة تنتهج ساسية لتجديد نشاطها من خلال "داعش".
"لشكر جهنكوي"
من الممكن أن يكون بعض التنظيمات الإرهابية الجهادية التي لها جذور أقدم مهتمًا بهذه السياسة. فحركة "لشكر جهنكوي" تعمل في باكستان منذ العام 1990 وتتصف بطابع طائفي ولها قواسم مشتركة كثيرة مع "داعش". وباعتبارها متفرعة عن جماعة "سباه الصحابة" المعادية للشيعة والتي أسسها جهنكوي في أواخر ثمانينات القرن الماضي، فهي تسعى إلى تحويل باكستان إلى دولة إسلامية سنية خاضعة لأحكام الشريعة.
تولى قيادة "لشكر جهنكوي" رجلٌ يدعى مالك إسحق، وهو مقاتل معروف بمعاداته للشيعة ومتورط في أكثر من مئة جريمة قتل ذات طابع طائفي. وفي 29 تموز/يوليو 2015، لقي مالك إسحق مصرعه مع نجلَيه ونوابه في اشتباك مزعوم وقع في غابة بالقرب من مدينة مظفر كره في إقليم البنجاب بعد ما حكي أنه ينوي مبايعة البغدادي في العلن.
ظهور الخلايا إلى العلن
علاوةً على انشقاق الجماعات الإسلامية وانضمامها إلى "داعش" في باكستان، يبقى الخطر الأكبر كامنًا في خروج الخلايا الصغيرة إلى الواجهة في مدن البلاد. وقد كشفت قوى إنفاذ القانون أربعة من هذه الخلايا على الأقل منذ قيام "داعش" سنة 2014.
كراتشي، إقليم السند
في 15 أيار/مايو 2015، أقدم ستة مسلّحون يركبون دراجات نارية على إيقاف حافلة تابعة للشيعة الاسماعيليين في صفورا وأطلقوا النار على 43 مدنيًا منهم بدمٍ بارد، ونثروا كتيبات لـ"داعش" قبل أن يغادروا المكان مسرعين. وبعد إلقاء القبض عليهم، كشف الراديكاليون الإسلاميون ذوي المستوى التعليمي العالي والأصول العرقية البنجابية أنهم كانوا يبرهنون عن عزمهم قبل مبايعة "داعش". وتولى قيادة هذه الخلية طاهر منحس المعروف بلقب "سعين" وهو مقاتل متمرس من "القاعدة" وأصله من باهاولبور وكان يدرب العناصر في مخيمات التدريب التابعة لـ"القاعدة" في أفغانستان. وبفضل المداهمات اللاحقة التي نفذتها الشرطة، توصل المحققون إلى شبكة من 14 امرأة متورطة في أعمال التجنيد والمسائل اللوجستية الرامية إلى دعم أنشطة "داعش" في باكستان.
سيالكوت، إقليم البنجاب
حتى الآن، نجح قسم مكافحة الإرهاب لدى شرطة البنجاب في الكشف عن خلايا "داعش"، حيث تم مثلاً تفكيك شبكة تجنيد لـ"داعش" في مدينة سيالكوت الصناعية خلال شهر كانون الثاني/يناير 2016. وأفادت حكومة الإقليم في بيانٍ لها عن توقيف 42 شخصًا بسبب أنشطتهم المزعومة مع "داعش"، وتمت مصادرة مخزن ضخم من الأسلحة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والمتفجرات وكتيبات "داعش". وقد استمد عناصر الخلية الإلهام من عقيدة "داعش" فأرادوا تأسيس دولة الخلافة الإسلامية تحت راية "داعش" في باكستان. وكانت الخلية قد بايعت البغدادي عبر الإنترنت وكان كل أعضائها ينتمون في السابق إلى "جماعة الدعوة" وهي الجناح السياسي لجماعة "لشكر طيبة".
العاصمة إسلام آباد
تم اكتشاف خلية أخرى تابعة لـ"داعش" بقيادة أمير منصور في إسلام آباد. وقد أعطى هذا الأخير خلال استجوابه قائمة بالأشخاص الذين تلقوا التدريب في أفغانستان بقيادة زعيم "داعش" الملا محمد عبد الرؤوف، كما كشف أن "داعش" تدفع للمقاتلين الباكستانيين مبلغًا شهريًا يتراوح بين 35 ألف 40 ألف روبية باكستانية (ما يعادل 330-380 دولار) للقتال إلى جانب التنظيم في سوريا. ووقعت حادثة أخرى حين قام رجل الدين الراديكالي وإمام المسجد الأحمر الشهير في إسلام آباد مولانا عبد العزيز بإعلان تأييده لرسالة "داعش" في كانون الأول/ديسمبر 2014. هذا وقامت جماعة من الطالبات في مدرسة دينية تابعة للمسجد الأحمر بمبايعة البغدادي في الشهر نفسه.
بلوشستان
تم الاشتباه بتغلغل "داعش" في إقليم بلوشستان في أفغانستان، ثم تأكدت الشبهات حين زعم وزير الشؤون الداخلية في إقليم بلوشستان أنه تم توقيف 6 مقاتلين تابعين لـ"داعش" من مدينة نوشكي في إقليم بلوشستان ومصادرة مخزن كبير من الأسلحة والكتب الجهادية والمتفجرات في آب/أغسطس 2016.
بذلت الحكومة الباكستانية جهودًا كبيرة لعدم إفساح المجال أمام "داعش" بالعشعشة داخل البلاد. وتفكيك أعداد كبيرة من الخلايا التابعة للتنظيم هو خير دليل بأن وكالات إنفاذ القانون والهيئات الاستخباراتية قد بلورت نوعًا من العلاقة في ما بينها – أقله في ما يخص "داعش". ولكن بالرغم من هذه الجهود، لا تزال شبكة "داعش" تطلّ في أوقات وأماكن مختلفة في كافة أرجاء باكستان. من هنا، لا بد من وضع استراتيجية مستقلة وملموسة لمكافحة الإرهاب من أجل مواجهة "داعش"، ويجب على دوائر مكافحة الإرهاب في كل الأقاليم أن تنمّي روابط وثيقة في ما بينها تكون قائمة على الثقة المتبادلة إنما أيضًا على تشارك الخبرات والاستخبارات من أجل التعامل مع هذا الخطر. وكذلك يتعين على الحكومة الأمريكية أن تساعد باكستان على رفع معايير تدريب قوى إنفاذ القانون الباكستانية على القتال ضد "داعش".