- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الهدف وراء الخطاب النفاقي لإعلام المليشيات
تعتمد قنوات الإعلام التابعة للميليشيات الموالية لإيران على التشويه واغتيال الشخصيات معنويا وبث المعلومات المضللة لجذب الجماهير العراقية، وذلك بعد أن تيقنوا من عدم جدوى الاعتماد على الرسائل الدينية المستمرة.
اقتصرت جهود إعلام المليشيات خلال السنوات الأخيرة على تفعيل مسارين خطابيين تعبويين، الأول: المديح المبالغ به للحشد الشعبي وفصائل المقاومة بعد دحر تنظيم الدولة الإسلامية، والثاني: شن حملات واسعة للتشهير بكل من لا يتفق مع توجهاتهم، وما حصل مؤخرا مع قائد لواء أنصار المرجعية حميد الياسري أوضح برهان حميد الياسري دليل واضح على آثار هذا الخطاب.
ونظرا لان تلك المليشيات ليس لها أي إنجاز ملموس على ارض الواقع، عمدت هذه المليشيات إلى اللجوء للتشويه الإعلامي لكسب تأييد الناخبين العراقيين، وتعكزت كثيرا على البعد الطائفي لاغتصاب ذاكرة جمهورها من أجل إبقائهم في مسار الوهم الطائفي.
التحول النفاقي في الخطاب الإعلامي للمليشيات
في حين يصوغ الاستراتيجيات الإعلامية لوسائل إعلام المليشيات اتحاد يسمى (اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العراقية) الذي يرتبط باتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية في إيران، إلا أن ذلك لا يمنع اجتهاد بعض تلك المليشيات لأنشاء مسار إعلامي مختلف. وأبرز مثال على ذلك كان تحول قناة العهد التابعة للعصائب من قناة ملتزمة تمنع الرياضة استنادا لفتوى المرجع الراحل محمد صادق الصدر وتمنع ظهور النساء السافرات إلى قناة تروج للرياضة وتسمح باستضافة النساء غير المحجبات وتُظهر صور الفنانات، وهذا التطور في خطاب وصورة قناة العهد ليس تطورا مبدئيا أو عن قناعة بحقوق المرأة وحرية التعبير، بل في إطار عملية تلاعب تهدف إلى جذب الانتباه للرسالة الأساسية للقناة وهي فرض السيطرة على المتلقين وإدخال فكرة المقاومة في عقولهم.
لم يقتصر هذا التحول في الخطاب لإعلام المليشيات على قناة العهد، بل تعداها إلى إنشاء قنوات ذات صبغة ليبرالية كقناة (وطن / الولاء) المملوكة لابي تراب التميمي القيادي في الحشد الشعبي، وقناة (اي نيوز) التابعة لكتائب سيد الشهداء، وأخيرا قناة (الرابعة) التي يديرها الإعلامي المليشياوي المقرب من أبي مهدي المهندس غزوان جاسم، والذي يحظى بعلاقة مميزة مع مدير إعلام هيئة الحشد الشعبي مهند العقابي.
تُظهر هده الحالة لإعلام المليشيات فشل اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العراقية ومن خلفه اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية الإيراني في جذب المتابعين من خلال الرسالة الإسلامية الملتزمة أو ذات الانطباعات الدينية. أن هذا التحول نحو تغيير الصورة والخطاب يعكس فقدان السيطرة على الوسط الاجتماعي الذي تبث هذه القنوات موادها المختلفة له.
تشويه تجربة التحليل السياسي
بدءً من العام 2007 ومع تعدد القنوات الفضائية في العراق دخل التحليل السياسي بقوة للميدان الإعلامي، وتصدر أساتذة الجامعات والأكاديميين كالدكتور عامر حسن فياض والدكتور عبد الجبار أحمد والدكتور سعيد مجيد دحدوح وأخرين شاشات الفضائيات لتحليل المشهد السياسي، واستبشرت الأوساط الثقافية بهذه الظاهرة التحليلية ولكنها سرعان ما أُجهضت على يد القنوات المليشياوية من خلال استقطاب بعض الأساتذة والأكاديميين وتطويعهم لمصلحة اتجاه القناة وبخدمة مموليها، و تهميش من يستعصي ويريد أن يبقي تحليله في إطار الموضوعية والقواعد العلمية والمنهجية. وفى هذا الإطار، قامت هذه القنوات المليشياوية مؤخرا وبأوامر من اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العراقية بعدم استضافة أي محلل سياسي لا يدعم توجهاتها فحصرت وظيفة المحلل السياسي على المؤيدين فقط وأبقت المساحة الخلافية والمناظراتية بين السياسيين فقط لإظهار أن القناة تحترم الرأي الأخر.
وتطور مسار تشويه تجربة التحليل السياسي بتشكيل مجموعات من أنصاف المثقفين وتمويلهم ليؤسسوا مراكز للتفكير السياسي من أجل استضافتهم في التلفزيون العراقي. ومن ثم، حرمت هذه العملية الاحتيالية الكثير من المحللين المنصفين والمتجردين من الظهور في قنوات المليشيات والقنوات الأخرى كون المحلل السياسي الذي انظم إلى هذه المجموعات لا يتقاضى مكافأة مالية من القناة بل يحسب له راتبا شهريا من مراكز الدراسات والمجموعات التي أنشأتها المليشيات ، بينما المحلل السياسي الذي رفض الانضمام إلى هذه المراكز والمجموعات لم تعد تستضيفه القنوات لأنه يطالب بمكافأة مالية عن أتعابه وأجور النقل التي يصرفها، فبرز عبر هذه الألية عدد من المؤدلجين والمسيسين لينتحلوا صفة المحللين السياسيين.
خلية حزب الله الإعلامية الجديدة
تسعى خلية كتائب حزب الله الإعلامية الجديدة التي يقودها المعممان الحوزويان (رضا عبد الرحمن ومازن المطوري) إلى اختراق الشارع الثقافي عن طريق كسب عدد من المثقفين المؤيدين ، وإيجاد بدائل ثقافية على ارض الواقع عن بعض المراكز الثقافية المحايدة كمقهى (رضا علوان وقهوة وكتاب) وكذلك تأسيس خطاب ثقافي في وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق صفحة الخلية على الفيسبوك والمسماة (ندوة) والتي بدأت باستقطاب المثقفين والمتلقين عبر عدد من الريبورتاجات واللقاءات الثقافي لتمرير أفكار كتائب حزب الله من خلال المحتوى الثقافي المدروس، خصوصا أن احد أعضاء هذه الخلية صانع الوثائقيات المتمرس (طالب السيد) الذي يعمل معدا ومخرجا للوثائقيات والبرامج الثقافية في قنوات الاتجاه واي نيوز التابعتين لكتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء.
اتبعت خلية حزب الله الإعلامية نفس المسار النفاقي الذي اتبعته بعض القنوات المليشاوية، حيث صار المعممون الحوزويون يتنصلون من مهمتهم الدينية الإرشادية للانخراط في أعمال ثقافية ليست من صميم اختصاصهم وتتعارض مع الفتاوى التي يتلقونها في المدارس الدينية كالاختلاط بالنساء الذي تقاومه الأيديولوجية المقاوماتية، فهذه الخلية ضربت كل هذه القيم أو القيود الدينية عرض الحائط ووظفت نساء لا يمتن بصلة لواقعهم الانتمائي والأيديولوجي واعدت لهن برامج ثقافية هدفها استقطاب الشباب عن طريق جسد وجمال المرأة.
وعلى الرغم من أن الحوزات الدينية والمزاج الشيعي بشكل عام لا يروقهما طرح قضايا إشكالية في المجتمع أو الاقتراب من المحظورات أو ولوج الزوايا المحرمة استناداً للآية (لا يحب الله الجهر بالسوء) إلا أن هذه الخلية بدأت تطرح قضايا ساخنة وتستعد لإطلاق حزمة برامج لمناقشة المحظور من زاوية أيديولوجية وبمعالجات ظاهرها إنسانية وعلمية وباطنها عقائدية دينية اجتهادية.
يبدو أن المخططين الاستراتيجيين لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات العراقية وصلوا إلى قناعة بان إعلامهم أصبح مستهلكا ولا يقوى على الاستقطاب بشكل أوسع حتى ولو بضخ المزيد من الأموال كما اعتادوا على ذلك، فجاءت خطتهم الجديدة لتتجه باتجاهين، الأول: اختراق المثقفين وأصحاب الراي المعارض من خلال إنشاء كيانات موازية، واستهداف الشباب التواقين للثقافة والفن والأدب، وهؤلاء الشباب لقمة سهلة لأولئك الساعين لاغتنام أي فرصة لبث أفكارهم التي أصبحت مكشوفة وصعبة القبول بدون تجميل وتلميع.
أما الاتجاه الثاني فهو يتمثل في إغراق المجال الاجتماعي العام بالاتهامات والاغتيال المعنوي لكل من لا يتفق معهم في رؤيتهم، وإلصاق تهمة (الدونية) بكل من يريد التقارب مع الطرف الأخر المعارض للمليشيات. ومن هذا المنطلق، باتوا يسعون إلى المحافظة على ما بيدهم والمرتبطين بهم المحايدين. كما قام إعلام المليشيات بإغراق الأجواء الإعلامية بمستويات عالية من التضليل والإنجازات الوهمية مما يصعب على الإنسان المنصف والموضوعي قول الحقيقة للناس أو مخاطبتهم بعقلانية لأنه سيواجه سيل من المواد الإعلامية والدعائية الكاذبة التي أصبحت حقائق مسلمة لدى الناس. والحل الأمثل لمواجهة هذه الاستراتيجية الإعلامية المليشياوية هو إنشاء أو تأسيس تجمع إعلامي وطني يفند محتواها ويصنع للناس البدائل المطلوبة التي يحتاجونها لفهم الواقع الذي تشوهه هذه المليشيات.