مهما بدا أنه من الصعب على إيران مواجهة "الحرب الناعمة" التي تشنها الولايات المتحدة، ما من خطوات أسهل وأقل تكلفة من تعبئة الإيرانيين في جميع أنحاء العالم ضد المملكة العربية السعودية أو تسميم ضمائرهم بزرع المشاعر المعادية للعرب فيها.
مهما بدا أنه من الصعب على إيران مواجهة "الحرب الناعمة" التي تشنها الولايات المتحدة، ما من خطوات أسهل وأقل تكلفة من تعبئة الإيرانيين في جميع أنحاء العالم ضد المملكة العربية السعودية أو تسميم ضمائرهم بزرع المشاعر المعادية للعرب فيها.
لطالما وجه رجال الدين التقليديون الانتقادات للجمهورية الإسلامية الإيرانية لميولها للوحدة الإسلامية، وإهمالها الهوية الشيعية، وإعطاء الأولوية لأجندتها السياسية على حساب القضية الطائفية. من جهة أخرى، يُعتبر ملايين الإيرانيين غير راضين عن التوجهات الشيعية الإسلامية للسياسات الإيرانية على الصعيدين الإقليمي والخارجي. إن الانخراط العام في "حرب كلامية شرسة " ضد إيران أشبه بالمشاركة في لعبة تضع الجمهورية الإسلامية الإيرانية قواعدها: فمجموعتي النقاد تقفان وراء إيران ولا تجدان فقط أن السياسات الإيرانية المعادية للمملكة مشروعة وضرورية، بل أن التدخل العسكري للنظام في أجزاء مختلفة من المنطقة مشروع وضروري أيضًا.
إلى جانب النسيج الاجتماعي والثقافي المعقّد للشعب الإيراني، تبرز كافة أنواع الدوافع الدينية والقومية واليسارية واليمينية التي تجعل هذا الشعب "يكره" المملكة العربية السعودية، ويؤمن بحق إيران المطلق في مواجهة طموحات المملكة وتطلعاتها في المنطقة. لهذا السبب يجب ألا نتفاجأ بصمت المعارضة الإيرانية الديمقراطية أو رجال الدين الإيرانيين تجاه الكارثة الإنسانية التي تشهدها سوريا، والتي يقع جزءًا من مسؤوليتها على عاتق النظام الإيراني. في هذا السياق، لا ينبغي العودة إلى الزمن القديم للبحث عن أصل هذه المشاعر المعادية للعرب، إذ إن الذاكرة الجماعية للإيرانيين حافلة بالصور الحية من حرب الخليج الأولى التي امتدت على ثماني سنوات بين إيران والعراق، والتي تركت فيها معظم الحكومات العربية إيران وحدها ودعمت عدوها.
عندما اعتبر المفتي العام للمملكة، من دون حسن تقدير، أن الإيرانيين "ليسوا مسلمين"، أشاد الإيرانيون بموقف المرشد الأعلى آية الله خامنئي عندما اعتبر الحكومة السعودية "شجرة خبيثة ملعونة"، في إشارة إلى الآية 26 من سورة إبراهيم: "كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ".
إن الاعتماد على "حركة مجاهدي خلق" لتغيير النظام أشبه باستخدام مطرقة لتفكيك آلة إلكترونية متطورة فالحركة يمكنها فقط أن "تدمر" النظام عوضا عن "تفكيكه “، ومن ثم، يمكن استبدال النظام بنظام جديد وأفضل. فإذا كان تغيير النظام يُعتبر خيارًا معقولًا ومتوازنًا وفعالًا من حيث التكلفة، فإن المعرفة العميقة بطبيعة النظام تشكّل الخطوة الأولى في هذا المسار. ولكن في خلال العقود الأربعة الماضية، أثبت السعوديون عدم إلمامهم بنظرة الإيرانيين إلى العرب السعوديين، وبطبيعة النظام الذي يرغبون بتغييره، وبالجماعات المعارضة المختلفة للنظام، فضلًا عن النظرة العامة الإيرانية تجاه "حركة مجاهدي خلق".
فعلى الرغم من كونها الجماعة المعارضة الأكثر تنظيمًا، تُعتبر "حركة مجاهدي خلق" المنظمة ذات السمعة الأسوأ والتي تلقى أقل نسبة من الدعم بين الإيرانيين داخل البلاد وخارجها، وذلك يعود لأسباب عدّة: هيكليتها مشابهة لطائفة أكثر منها لكيان سياسي، وهي أكثر إسلامية من الجمهورية الإسلامية (يكفي النظر إلى لباس النساء الأعضاء فيها)، كما أنها أقل ديمقراطية من النظام الذي تحلم بتغييره، والأهم من ذلك هو تحالفها مع العدو في الحرب، أي الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والقتال إلى جانبه ضد إيران في خلال الحرب. بالتالي، ما من استراتيجية انهزامية أكثر من دعم هذه الحركة علنًا أو ربطها بمواجهة إيران. الأمر الذي يثبت مزاعم الحكومة الإيرانية: أعداؤنا ليسوا فقط أعداء الحكومة، بل أعداء الشعب. بالنسبة إلى الغالبية العظمى من الإيرانيين، تقلى كل من صدام حسين و"حركة مجاهدي خلق" التمويل السعودي في خلال الحرب.
إن تجاهل مثل هذه التصورات، والانخراط في الخطابات الملهبة للمشاعر ضد إيران أو الإيرانيين، وتجنب المساءلة الخاصة بحوادث كالذي وقع في مِنى، وتأجيج نار التوترات الطائفية، كلها عوامل لن تؤدي سوى إلى تعزيز الموقف المتطرف الذي تمثله الجمهورية الإسلامية، وإضفاء الشرعية على نشاطاتها التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار وسياساتها الإقليمية العدوانية، واستعادة علاقاتها مع النقاد المحليين المحتملين إن السابقين أو المستقبليين.
في النهاية، لن يتمكن أحد من تغيير النظام إذا ما تغاضى عن صورته البشعة في أذهان الناس. يحق للسعوديين أن يشعروا بالقلق من جدول الأعمال الإيراني والطموحات الإقليمية الإيرانية، ولكن هذا لا يكفي. إذ إن الإلمام العميق بالحكومة والشعب والمعارضة في إيران يشكل عاملًا حيويًا. بالتالي، بدلًا من السياسات الانهزامية، مثل الاعتماد على "حركة مجاهدي خلق"، يكون السعوديون أكثر حكمة إذا فكروا في وضع أطر وأجهزة فعالة ومتطورة لمعالجة الشؤون الدبلوماسية العامة تجاه إيران.