- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
الحفاظ على التعاون الأمني الإسرائيلي الفلسطيني
وسط التطورات الرئيسية التي يشهدها الشرق الأوسط، مرّ الخبر - الذي نُشر في 8 نيسان/أبريل - حول افتتاح مراكز شرطة تابعة للسلطة الفلسطينية في البلدات القريبة من القدس بشكل غير ملحوظ نسبياً. ويختلف هذا التطور إلى حد كبير عن الدبلوماسية عالية المستوى والحدة التي عادة ما تحتل عناوين الصحف والتي تتسم بها بالأخبار حول الوضع الإسرائيلي الفلسطيني. ومع ذلك، يجسد الخبر إحدى السبل القليلة الواقعية للحفاظ على الاستقرار وحتى تحقيق قدر من التقدم على المدى القصير.
وبالنسبة إلى الفلسطينيين المقيمين في هذه المناطق، توفر الخطوة تدبيراً قانونياً ونظامياً طال غيابه. فقد كانت قرية الرام وغيرها من البلدات القريبة من القدس تشكل ملاذاً آمناً للمجرمين - بحيث لم تتمكن القوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية من مراقبة هذه المناطق، وقد ركزت القوات الإسرائيلية جهدها بشكل كبير على مكافحة الإرهاب بدلاً من حفظ الأمن، لذا فقد استغلت العناصر المسيئة الفراغ الناجم عن ذلك. وفي بعض الأحيان، كانت العمليات التي أطلقتها السلطة الفلسطينية لمكافحة الجرائم فعّالة لكن في ظل غياب أي وجود دائم للسلطة، أصبح من الصعب إحراز أي تقدم بناءاً على هذه المكاسب. وفي الواقع، يشكل هذا الأمر مشكلة في معظم مناطق الضفة الغربية، حيث لا يُسمح للسلطة الفلسطينية بالحفاظ على وجود دائم للشرطة ، مما أدى إلى نشوء فجوة في القانون والنظام أضرت بالمكانة العامة للسلطة الفلسطينية.
وبالإضافة إلى إعطاء السلطة الفلسطينية درجة من المصداقية بين الجماهير هي بحاجة ماسة إليها، فإن إنشاء مراكز للشرطة في مثل هذه المناطق يمكن أن يساعدها على مواجهة انتقادات واسعة النطاق التي تَعتبر أن التعاون الأمني مع إسرائيل هو بمثابة عمالة. وكما أشار رئيس بلدية الرام يوم الأربعاء، بأنه يمكن لقادة السلطة الفلسطينية أن يدّعوا الآن بأن سياساتهم تنتج خطوات صغيرة بل ملموسة نحو الاستقلال الفلسطيني.
ولم يكن هذا التطور محتملاً دون التعاون الأمني الإسرائيلي - الفلسطيني المستمر. ففي ظل حكم رئيس الحكومة السابق سلام فياض، جرت إعادة هيكلة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بدعم لا غنى عنه من "منسق التعاون الأمني الأمريكي" ومن الأردن. ومنذ ذلك الحين، وصل التعاون الأمني مع إسرائيل إلى مستوى غير مسبوق من العمق والوسع والتناسق والمهنية.
يُشار هنا إلى أن قوات "جيش الدفاع الاسرائيلي" كانت في البداية تشك في هذه الجهود نظراً إلى تجربتها في الانتفاضة الثانية، لكنها تعمل الآن بشكل كامل مع قوات السلطة الفلسطينية المعاد تكوينها. وأتى هذا التحول نتيجة عملية أطلقت برعاية "منسق التعاون الأمني الأمريكي" وتطلبت جهداً كبيراً حيث كان التعاون الأولي يقتصر على النجاحات الصغيرة ولكن القابلة للتحقيق. واستخدمت هذه النجاحات بدورها لتوسيع التعاون. أما اليوم، فالاتصالات بين المسؤولين الأمنيين تتم يومياً، وقد سمحت إسرائيل في بعض الأحيان لأفراد الأمن الفلسطينيين بالعمل في المناطق التي ليس لهم فيها وجود فعلي. ومن المرجح أن نجاح عمليتين من هذا النوع في العام الماضي قرب الرام أثّر على القرار الإسرائيلي بالسماح بإقامة وجود أكثر ديمومة واستمرارية لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية هناك.
ومن المثير للاهتمام أن هذه الخطوة لم تأت نتيجة مفاوضات رسمية رفيعة المستوى أو مداولات سياسية مفتوحة. وفي الواقع، لو كانت تخضع للمفاوضات، فربما لم تكن لتتحقق نظراً إلى النمط المتبادل من المواقف المتشددة التي برزت في المحادثات الرسمية الأخرى. وبدلاً من ذلك، تم الإعلان عن القرار من قبل قائد المنطقة الوسطى في "جيش الدفاع الإسرائيلي" اللواء روني نوما. وفي حين أن إحراز تقدم على نطاق أوسع مع إجراءات كهذه يتطلب قراراً سياسياً، إلا أن نجاحها الفعلي يعتمد على مدى تفويض مهمة التنفيذ للمستوى الأمني المهني وإبعادها عن الإدارة السياسية التفصيلية.
ومع ذلك، إن القدرة على توسيع هذه المبادرة الأمنية تواجه تحديات سياسية خطرة. فرداً على تزايد التوترات مع إسرائيل وعدم الرضا العام من التعاون الأمني، قررت منظمة التحرير الفلسطينية مؤخراً إيقاف التعاون الأمني مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس جمّد عملية تنفيذ هذا القرار من خلال إحالته إلى لجنة، إلا أن الضغط لتنفيذه كان سيزداد حتماً. وبالمثل، فإن الردود الإسرائيلية على التوترات الدبلوماسية، مثل حجب عائدات الضرائب الفلسطينية، يمكن أن تؤثر بشكل غير مباشر على قدرة السلطة الفلسطينية على مواصلة اتخاذ تدابير أمنية فعّالة.
وعلى الرغم من هذه العقبات، فإن التعاون الأمني والديناميات الإيجابية التي يخلقها هي من بين فسحات الأمل القليلة في ما يشكل ساحة مظلمة. وبالتالي يمكن لتوسيع المبادرة الأمنية الأخيرة لتطال أجزاءً أخرى من الضفة الغربية أن يعطي الفلسطينيين شعوراً هُم بحاجة ماسة إليه وهو أن التقدم جارٍ، وذلك من دون تعريض أمن إسرائيل للخطر. وفي حين أن هذا التقدم ليس بديلاً عن عملية السلام السياسية، إلا أن بإمكانه أن يساعد في ملء الفراغ في الوقت الحالي وحتى زيادة فرص استئناف محادثات السلام من خلال تدعيم الثقة بين الجانبين.
وعلى هذا النحو، ينبغي على واشنطن إعطاء الأولوية للجهود الرامية إلى حماية التعاون الأمني ودعمه، ونقل هذه الأولوية بشكل واضح للقادة الفلسطينيين والإسرائيليين. ويعني ذلك تشجيع الطرفين على تمكين مسؤولي الأمن لديهما، بحيث يمكنهم اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية المماثلة، وتحذيرهم في الوقت نفسه من أي تدابير قد تهدد التعاون الأمني. وعلى أرض الواقع، فإن "منسق التعاون الأمني الأمريكي" هو من الأصول الهامة التي يجب الحفاظ عليها، وتعزيزها عندما يلزم الأمر. وهذا من شأنه أن يسمح لمكتب المنسق بمواصلة تقديم الدعم الذي لا يقدر بثمن لتنمية القطاع الأمني للسلطة الفلسطينية والتعاون الأمني بين إسرائيل والفلسطينيين.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن.