- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الحِراك الاحتجاجي لساكنة أراضي "كيش الوداية" بالمغرب
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدا ملحوظا للسلوك الاحتجاجي لأفراد قبائل كيش الوداية بالرباط رفضا لقرارات السلطات العمومية بتفويت أو تأجير أراضيهم وهدم مساكنهم وترحيلهم.
في ضواحي العاصمة المغربية الرباط، عاد مؤخرا إلى واجهة المشهد العمومي موضوع "أراضي كيش الوداية"، حيث تصاعد المد الاحتجاجي لساكنة الأراضي المذكورة بضواحي مدينة الرباط على خلفية قيام السلطات العمومية بتفويت مساحات عديدة من أراضي "الكيش" لصالح الدولة، ويتم ذلك في الغالب دون تعويض كافٍ أو في الوقت المناسب لفائدة ذوي الحقوق. إن الفهم الأعمق للملف يستلزم العودة إلى جذوره وتاريخه، كما أنه لا يجب الاقتصار فقط على الأبعاد التقنية والقانونية، بل النظر كذلك إلى الأبعاد السياسية والاجتماعية الأكثر تعقيدا.
ومن الجدير بالذكر أن أراضي الكيش المتواجدة بالعاصمة الرباط وضواحيها (وفي مدن أخرى أيضا مثل فاس ومراكش ومكناس والقنيطرة) أُعطيت في الماضي (نهاية القرن التاسع عشر) من قبل ملوك المغرب لمجموعة من أفراد الجيش المغربي مقابل خدماتهم العسكرية، وتم تسجيلها وتحفيظها لدى السلطات المختصة باسم جماعة كيش الوداية في عهد الملك المغربي الراحل محمد الخامس.
تتسم أراضي كيش الوداية بضعف نظامها القانوني عكس باقي الأنظمة العقارية التقليدية الأخرى الموجودة في المغرب (أراضي الجماعات القبلية، أراضي الأوقاف والأحباس ...)، ذلك أن تطورها التاريخي المعقد جعلها تخضع لأنظمة قانونية مختلفة، وهو الأمر الذي فسح المجال أمام السلطات في عديد الأحيان لإجراء بعض المعاملات بخصوصها مثل تفويتها أو تأجيرها حسب الرغبة، مما خلق احتقان كبير لدى الساكنة التي كثيرا ما أبدت المقاومة الشديدة لقرارات الدولة دفاعا عن ما تقول إنه حقها المشروع في أراضيها أو على الأقل الحصول على تعويض عادل ومنصف لقاء التخلي عن الأراضي التي قطنتها لما يقارب القرنين من الزمن.
مطالب الساكنة "الكيشية"
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدا ملحوظا للسلوك الاحتجاجي لأفراد قبائل كيش الوداية بالرباط رفضا لقرارات السلطات العمومية بتفويت أو تأجير أراضيهم وهدم مساكنهم وترحيلهم، وقد وجدت بعض الهيئات المعبرة عن الساكنة (أحزاب، جمعيات حقوقية...) الفرصة مواتية لشجب قرارات السلطات بخصوص أراضي الكيش، ويمكن إجمال أهم النقاط التي يطالب الكيشيون المحتجون بحلها في ما يلي:
*تعيينات النواب: حسب التشريعات المنظمة للجماعات السلالية -والتي تسري على أراضي الكيش-، فإن تشكيل مجالس ممثلي ونواب الجماعات يتم عن طريق الانتخاب في الأصل، وإذا تعذر ذلك يتم اللجوء إلى طريقة التعيين المباشر من طرف عامل الإقليم باعتباره ممثلا للسلطة المركزية.
في حالة أراضي كيش الرباط/تمارة، تم اللجوء إلى طريقة التعيين المباشر للنواب من طرف ممثل السلطة المذكور، وهو الإجراء الذي اعتبرته الساكنة يضرب عرض الحائط المبادئ الديمقراطية التي تقتضي المرور عبر عملية وآلية الانتخابات الممكنة قانونيا.
*إعلان لوائح ذوي الحقوق: تسجل الساكنة المحتجة أن لوائح ذوي الحقوق الصادرة عن السلطة لا تحترم قواعد العدالة والإنصاف من حيث ضمانها لحق جميع الكيشيين في أراضيهم، يقولون إن تلك اللوائح تضم "أفراد من نفس الأسرة وإقصاء أشقائهم، ثم حضور أفراد من ذوي الحقوق من الجالية المغربية بالخارج دون غيرهم مع إقصاء أشقائهم المقيمين داخل المغرب".
يطالبون في هذا السياق بإعمال معايير واضحة وموضوعية في تحديد اللوائح المذكورة، مع إشراك جميع الأطراف المعنية في هذا الإجراء بشكل منهجي ومنضبط..
*جماعات الضغط العقارية: يُظهر المحتجون توجسهم وخوفهم من أن يكون تفويت أراضيهم واستغلالها من طرف الأجهزة الإدارية يتم لصالح الشركات العقارية ذات النفوذ الاقتصادي القوي، خصوصا في ظل الحضور القوي لمشاريع البناء العقاري بمدينة الرباط وضواحيها.
*الملاحقات القضائية للكيشيين: يتظلم الكثير من الكيشيين من قيام الأجهزة الأمنية في أحيان كثيرة بتنفيذ حملة من الاعتقالات لأفراد قبائل الكيش بسبب اتهامهم باحتلال عقارات واستغلالها بشكل غير قانوني، وهو ما يعتبره الكيشيون "تهديدا وترهيبا للمالكين الأصليين لأراضي الكيش".
*إقرار التعويضات: يرفض الكيشيون مقدار التعويضات التي أقرتها أجهزة الدولة مقابل تفويت أراضيهم، حيث يعتبرونها "مجحفة" وغير متناسبة مع القيمة الحقيقية للعقارات المفوتة، مطالبين بإقرار معايير عادلة في تعويض "المتضررين"، وذلك في إطار التوافق والتراضي بين السلطة والساكنة المعنية.
* معايير السلطة المزدوجة: من النقاط التي تسببت في سخط الكيشيين تلك المتعلقة بإقرار الدولة لمعايير مختلفة في كل مرة تلجأ فيها إلى إعادة تخصيص أجزاء من أراضي الكيش بالرباط وضواحيها، يقول الكيشيون إنه "فيما مضى كان يستلم الكيشي قبل مغادرة أرضه مبلغ الإيجار ثم فيما بعد يتسلم تعويض وبقعة"، ولذلك تطالب الساكنة الكيشية بـ "المماثلة والاستفادة المتكافئة على غرار من سبقوهم".
موقف الدولة من القضية "الكيشية"
سبقت الإشارة إلى أن أراضي الكيش سلمت في فترة سابقة للعسكريين كمكافئة على "الخدمات العسكرية التي أسدوها للدولة"، وقد عبر ملوك المغرب في أكثر من مرة على سعيهم إلى حماية هذا الشكل من الملكية العقارية باعتباره تراثا تاريخيا.
ومع ذلك؛ لجأت أجهزة الدولة المغربية عبر "آلية الوصاية" إلى الإشراف على أراضي كيش الوداية من خلال تدبير مساراتها ومختلف المعاملات التي تجري عليها من تفويت وإيجار ...إلخ، ويتيح القانون المنظم للوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها في مادته الثانية للدولة إمكانية ممارسة ولايتها "على أراضي الكيش التي تم التخلي عن ملكية رقبتها لفائدة الجماعات السلالية المعنية".
تلجأ الدولة إلى تبني العديد من المبررات في سبيل تسويغ قراراتها تجاه أراضي كيش الوداية، وهي المبررات التي تتراوح بين ضرورات البناء العقاري من أجل حل إشكالية السكن الاجتماعي، أو تشييد مشاريع تجارية أو مهنية أو إقامة بنايات إدارية.
ومن أجل ذلك؛ قامت الدولة في السنوات السابقة باقتطاع أجزاء كبيرة من أراضي كيش الوداية مما أثار استياء سكانها، وتعد سنة 2003 مفصلية في مسار التدبير الرسمي لأراضي الكيش، حيث قام مجلس الوصاية التابع لوزارة الداخلية اعتمادا على الاتفاقية المشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة المالية والوزارة المنتدبة المكلفة بالسكنى والتعمير وصندوق الإيداع التدبير بتفويت ما يصل ل 96 هكتار من الأراضي التابعة للجماعة الأصلية كيش الوداية بالرباط، مقابل "درهم رمزي"، وذلك لصالح شركة تهيئة الرياض. هذا القرار أدى إلى إحداث العديد من الديناميات الاحتجاجية، منها جمعيات وتنسيقيات وشبكات مدنية هدفها الترافع عن حق الكيشيين في الأرض استنادا إلى المرجعيات الوطنية والدولية لحقوق الإنسان.
ورغم الحديث مؤخرا عن بعض الانفراجات والتسويات للمشاكل العالقة لسكان قبائل كيش الوداية، وذلك من قبيل إصدار لوائح ذوي الحقوق، إلا أن الوضع يعرف الكثير من التصعيد بسبب اعتقال الشاب الكيشي "حسن عزمي" وتقديمه للمحاكمة على خلفية قيادته لمجموعة من الوقفات الاحتجاجية المناهضة لقرارات وزارة الداخلية المغربية تجاه قضية كيش الوداية.
خاتمة: مآلات الحراك الاحتجاجي لقبائل "كيش الوداية"
لا تزال -إلى حدود كتابة هاته الورقة- العديد من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية المنظمة بالرباط وتمارة من طرف قبائل كيش الوداية، وذلك من أجل المطالبة بتسوية القضايا العالقة، ويبدو أن هذا الحراك الاحتجاجي كان متوقعا في ظل تصاعد مشكلة الحق في الأرض بالمغرب، والتي أخذت أبعاد سوسيوثقافية خلال السنوات الأخيرة، كما أن الحراك المذكور مرشح لمزيد من التفجير والتصعيد لا سيما في ظل الحركات الاحتجاجية المتنامية في الشارع المغربي، والرافضة لتوجهات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، كما أن اتجاه مهم من الفعاليات الحقوقية المعارض لتوجهات الدولة فيما يخص أراضي الجماعات السلالية قد يكون داعما للمسار الاحتجاجي الكيشي.