- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الهجرة غير الشرعية للشباب الجزائري معضلة تؤرق الجزائريين
مع إعلان الرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة (82 عاما) الترشح لولاية رئاسية خامسة، تعاظمت مخاوف الجزائريين بشكل متزايد على مستقبل بلادهم، وينطبق هذا بشكل كبير على فئة الشباب الذي ترجم تلك المخاوف إلى احتجاجات - انتشرت كالنار في الهشيم - عبر عدة مدن جزائرية رفضا لترشح الرئيس الذي يعاني من أوضاع صحية صعبة منعته من مخاطبة شعبه منذ عام 2014. وتبرر الأحزاب الداعمة لبوتفليقة موقفها بترشيح الرئيس المريض بضرورة استكمال مسيرة التنمية التي جسدها من خلال برنامجه الاقتصادي الذي انطلق مع عهدته الأولى في أبريل/نيسان.
ومع ذلك، يبدو أن هذه الرؤية لم تقنع قطاعات عريضة من الجزائريين وخاصة الشباب منهم الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية بسبب تداعيات تآكل احتياطي البلاد من العملة الصعبة، والذي تراجع من نحو 180 مليار دولار عام 2014 إلى أقل من 90 مليار دولار حاليا، إلى جانب انهيار قيمة العملة المحلية والتي وصلت إلى مستويات متدنية غير مسبوقة أمام العملات الأجنبية، ما تسبب في ارتفاع معدل التضخم من 2.92 في المائة في عام 2014 إلى 5.59 في المائة في عام 2017، اضف إلى ذلك التراجع الشديد للقوة الشرائية نتيجة لارتفاع الأسعار. وفى هذا الصدد، يقول تقرير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وهي منظمة غير حكومية أن فشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي اعتمدت في الجزائر، وانتشار الفساد مع احتكار الثروة في يد فئة لا تتجاوز 10% من الأشخاص، جعلت نسبة البطالة تتجاوز 35% بين أوساط الشباب ما يدفعهم للهجرة على نطاق واسع.
منذ عام 2009، شددت الجزائر قوانين محاربة الهجرة غير الشرعية، فقد أقرت تجريم من يحاول الهجرة بالسجن لفترة تزيد عن ستة أشهر، وتجريم عناصر شبكات الهجرة غير الشرعية بالسجن لمدة خمس سنوات. ومع ذلك، لا يزال الوضع الاقتصادي المتدهور في الجزائر يدفع الشباب إلى الفرار نحو أوروبا على متن "قوارب الموت"، وهي الظاهرة التي يطلق عليها الجزائريون مصطلح "الحراقة". ومن المؤشرات الخطيرة في ظاهرة "الحراقة" بين أوساط الجزائريين هي أنها لم تقتصر فقط على الشباب اليائس بل باتت وسيلة حتى للنساء والأطفال وكبار السن للهروب إلى أوروبا بحثا عن فرص أفضل للحياة. ورغم تغني السلطة بسجل حافل من الإنجازات للحكومات المتعاقبة منذ مجيء الرئيس بوتفليقة وذلك على مستوى السكن، وتوفير فرص الشغل وإنعاش الاقتصاد المحلي، إلا أن المعارضة ووسائل الإعلام الغير حكومية تقول أن ظاهرة الحراقة وحدها تعصف بكل مزاعم السلطة في نجاح الإصلاحات الاقتصادية الكبرى.
وردا على تفشى ظاهرة "الحراقة"، عقدت وزارة الداخلية في يناير الماضي لقاء موسعا دعت إليه خبراء لتسليط الضوء على الظاهرة، والغريب في الأمر أن اللقاء حضرته شخصيات رسمية وحكومية وغاب عنه الشباب المعني بالظاهرة بشكل مباشر. وتوصل المجتمعون إلى اتهام ورصد 51 صفحة في مواقع التواصل الاجتماعي تشجع حسب الوزير نور الدين بدوي الشباب الجزائري على ركوب قوارب الموت باتجاه أوروبا، وذلك عوضا عن تقديم حلول عملية وملموسة للتخفيف من وطأة المشكلة. وكشف الوزير أنه تم تقديم 344 شخصا إلى العدالة وسجن 24 شخصا، مع فتح تحقيق في 200 قضية مشابهة. وأضاف أن السلطات تبحث عن 96 حالة "حراقة" مفقودين، مؤكدا انتشال 119 جثة من البحر، وتسجيل أكثر من 4 آلاف وفاة.
ومن ناحية أخرى، تعمل الحكومة الجزائرية على استخدام المساجد لتوعية الشباب من مخاطر الهجرة غير الشرعية، حيث دعا وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، مؤخراً، أئمة المساجد عبر الجزائر إلى تخصيص فقرات من خطبة الجمعة للتوعية بخطورة الظاهرة وتقديم النصيحة للشباب حتى "لا ينقادوا لهذا الإغراء الآثم".
وعلى الرغم من أن السواحل الجزائرية الممتدة على مسافة 998 كلم مراقبة بعدد كبير من الزوارق والمروحيات التابعة للجيش إلا أن كل الجهود فشلت في احتواء الظاهرة. فوفقا للإحصائيات الصادرة عن الموقع الرسمي لقيادة حرس السواحل التابعة للقوات البحرية، فإن قوات حرس الشواطئ للقوات البحرية سجلت إحباط محاولات هجرة غير شرعية لـ 3983 مهاجرا غير شرعي فقط خلال عام 2018، من بينهم (287) مرأة بينهم (1126) قاصر. وعلى النقيض، تؤكد الرابطة بأن إحصائيات حرس السواحل التابعة للقوات البحرية الجزائرية لا تعكس العدد الحقيقي، حيث أن العدد الحقيقي يفوق سنويا 17500 شخص ممن نجحوا في الهجرة ووصلوا إلى الشواطئ الإسبانية والإيطالية ثم توزعوا منها نحو مختلف الدول الأوروبية.
لا شك أن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب تقديم حزمة جديدة من القوانين الصارمة التي تستهدف المهربين الذين يجنون أرباح تقدر بنحو سبع مليارات دولار سنويا، حيث تكلف تذكرة الهجرة غير الشرعية للفرد ما بين ألف إلى 10 آلاف دولار أميركي، فالاتجار بالبشر يحقق مكسبا ماليا يضاهي الاتجار بالمخدرات.
ومع ذلك، فان مواجهة الظاهرة لا يكون إلا بالإسراع في وضع مقاربة شاملة لاحتوائها. ففي ضوء الإحباط واليأس اللذين ولدتهما القيادة السياسية والاقتصادية للجزائر، والتي تتألف في معظمها من الجيل الجزائري القديم "الثوري" الذي شهد حرب الجزائر من اجل الاستقلال، فانه من غير المحتمل أن يتم حل المشكلة إلا من خلال وضع آليات فعالة لمباشرة إصلاح اقتصادي واجتماعي عميق ينهي حالة تهميش الشباب. ومن شأن هذا الإصلاح أن يمكّن الشباب الجزائري، الذين يشكلون حوالي 75 في المائة من السكان، من تقلد المناصب السياسية العليا، كما سيشجعهم على الانخراط بشكل أكبر في العملية السياسية، وهو ما يدعم الشفافية.
الإصلاح السياسي في حال تحقيقه سيدفع نحو تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشباب الجزائري. فمثلا، وفى ضوء أزمة الإسكان الطويلة في الجزائر، يجب على الحكومة أن تعمل على توسيع جهودها لزيادة فرص الشباب في الحصول على مساكن عامة ميسورة التكلفة بهدف مساعدة فئة الشباب العزاب والغير متزوجين والذين لا يستطيعون - بموجب القانون الحالي - الاستفادة من مختلف برامج الإسكان. وفي هذا السياق يجب مراجعة آليات التشغيل ومنح القروض البنكية للشباب لإنشاء مؤسسات اقتصادية صغيرة وناشئة، مع مراجعة قانون الصفقات العمومية من خلال إجبار مختلف المؤسسات الحكومية على منح نسبة معينة من إنجاز مختلف المشاريع للمؤسسات الاقتصادية الشبابية، مع توفير فرص الشغل في المناطق الداخلية والمعزولة، ودعم برامج التكوين.
وفي حين أنه من الواضح أن النخب الجزائرية تعمل بالفعل على إجراء بعض التغييرات، وذلك في ضوء الاحتجاجات المستمرة، فإن الإصلاح الحقيقي يجب يأخذ في الحسبان تلك المخاوف ويضع سياسات تعالج مشاكل الشباب إلى جانب فرض عقوبات صارمة على المتاجرين بالبشر. خلاف ذلك، من المرجح أن تستمر ظاهرة "الحراقة" في الجزائر.