- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الهجرة من القرن الافريقي إلى اليمن: ليس مجرد ظاهرة عابرة
رغم أن اليمن يعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية وبيئية خاصة به، إلا أن المزيد والمزيد من المهاجرين يعبرون حدود البلاد أملاً في حياة أفضل.
إن الهجرة عبر اليمن، أو إليه، من القرن الأفريقي هي ظاهرة تاريخية قديمة، ومع ذلك، ربما تختلف دوافعها وأحجامها من وقت لآخر. تشكل دول الخليج العربي خلال العقود الأخيرة منطقة جذب، ويؤدي اليمن بحكم موقعه في الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب وقربه من القرن الأفريقي دوراً كنقطة عبور رئيسية لأولئك الذين يسعون إلى العيش في ظل الاستقرار الاقتصادي في دول الخليج العربي، وهؤلاء الذين يتوقون إلى لم الشمل مع أقاربهم الذين سبق لهم الهجرة.
ساهمت حالة عدم الاستقرار الداخلي في ارتفاع عدد المهاجرين من القرن الإفريقي إلى شبه الجزيرة العربية، عبر اليمن، بنسبة 64 في المائة بين عامي 2021 و2022. وخلال الربع الأول من العام 2023، ارتفعت نسبة الوافدين من القرن الافريقي إلى اليمن بنسبة 87 في المائة خلال شهر مارس مقارنة بشهر فبراير. تعطينا هذه الإحصاءات فكرة عن ارتفاع جاذبية الهجرة من القرن الأفريقي إلى شبه الجزيرة العربية بين الحين والآخر، خاصة مع تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والبيئية في بلادهم.
في إثيوبيا، على سبيل المثال، أثر مزيج من العنف الطائفي وموجات الجفاف الشديد بشكل كبير على سبل عيش الكثيرين وخاصة أولئك الذين يقيمون في منطقة تيغراي. في الصومال، تسببت الحرب الأهلية المستمرة في فرار مئات الآلاف من الأفراد نتيجةً لما تخلفه الحرب من حالة عدم الاستقرار، فضلاً عن القضايا البيئية المماثلة بما في ذلك سلسلة الجفاف والفيضانات المدمرة. يتجه الفارّون أحياناً إلى البلدان المجاورة، مثل كينيا وإثيوبيا، ولكن أيضاً إلى شبه جزيرة.
بالطبع، شهد اليمن عدة صراعات واِضطِرابات لأكثر من عقد من الزمان، وعلى الرغم من انخفاض العنف السياسي لأدنى مستوياته منذ 2015 نتيجة الهدنة غير المعلنة منذ الربع الأخير من 2022، وزخم محادثات السلام، ما زال العنف يهدد بالظهور مرة أخرى، ولا تزال العديد من المخاوف باقية دون حل. يعاني اليمن مثل منطقة القرن الأفريقي من ظروف بيئية قاسية؛ إذ يشهد القرن الأفريقي أسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاماً؛ مما يؤثر على الأمن الغذائي وفرص كسب العيش بشدة. وفي اليمن، صُنف العام 2022 باعتباره أحد الأعوام الثلاثة الأكثر جفافاً في تاريخ البلاد ، حيث تسببت الظواهر المناخية المتطرفة في البلاد أيضاً، مثل الأمطار الغزيرة والفيضانات، في تدمير البنية التحتية وسُبل العيش. منذ النصف الأخير من شهر مارس / آذار، أثرت الفيضانات على أكثر من 9000 أسرة في اليمن – متسببةً في تلوث مياه الشرب، وتدمير شبكات الصرف الصحي، وخلق بيئة مواتية لانتقال الأمراض.
وبالرغم من الظروف غير المواتية التي يشهدها اليمن، إلا أن البلاد لا تزال جاذبة للمهاجرين الذين - على ما يبدو - ينظرون إلى اليمن كبديل جيد لأوطانهم. ونظرا للرقابة الصارمة التي تفرضها دول الخليج على المهاجرين والتخلي عنهم بشكل متزايد، لم يعد اليمن مجرد محطة عبور فحسب، بل أصبح وجهة نهائية للمهاجرين.
وفي هذا السياق، تعمل السلطات السعودية، على سبيل المثال، على تشديد سياساتها الحدودية وتتعاون بشكل متكرر مع البلدان الأصلية للمهاجرين لإعادتهم فور وصولهم إلى حدود المملكة. منذ عام 2017، تعمل المملكة على سن أنظمة عمل جديدة تحد من استخدام العمالة الأجنبية على أراضيها. مثلاً، بين عامي 2018 و2020، أعادت المملكة 300 ألف عامل إثيوبي.
ومن الجدير بالذكر أن سياسات المملكة العربية السعودية في مسألة الهجرة تمثل جزء من حركة عالمية أكبر تشمل الغرب أيضاً، حيث تكثف السلطات من مراقبة الحدود لإبعاد المهاجرين، بحجة أن المهاجرين يجب أن يظلوا أقرب إلى بلدانهم الأصلية حتى يتسنى لهم العودة إلى بلادهم عاجلاً، وهو ما مِن شأنه أن يؤدى إلى استعادة العلاقة الطبيعية بين الفرد والدولة. ونتيجة لهذه الرواية، فإن بلداناً مثل اليمن غالباً ما تكون ذات دخل منخفض أو متوسط وتعاني من الأزمات نفسها، كما أنها مثقلة بالمهاجرين التي لا تستطيع دعمهم. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هذه البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تأوي الآن 74٪ من لاجئي العالم وغيرهم من الأفراد الذين هم بحاجة إلى الحماية الدولية.
في جنوب شرق اليمن، أصبحت تداعيات هذه الظاهرة واضحة للعيان بالفعل، فوفقاً لتقرير صادر عن منظمة الهجرة الدولية باتت محافظات حضرموت والمهرة في جنوب شرق اليمن وجهات مفضلة للمهاجرين الراغبين في التوجه إلى سلطنة عمان. وفقاً للتقرير، تكمن جاذبية هذه المحافظات في عدد نقاط التفتيش الأقل المنتشرة فيها، والتواجد الأقل لحرس السواحل، علاوة على الاستقرار النسبي والقبول الجيد للمهاجرين في تلك المجتمعات. ومع ذلك، ونظراً للقيود الصارمة التي تفرضها عُمان على الحدود، ومع تدهور الخدمات العامة مثل القطاع الصحي في جميع أنحاء البلاد، صار المهاجرين الذين أُجبروا على البقاء في جنوب شرق اليمن معرضين للخطر بشكل خاص. هذا النمط يحدث أيضاً في أجزاء أخرى من البلاد.
من جانب آخر، يمكن لبعض المهاجرين العثور على فرصة عمل، والمساهمة في الصناعات الزراعية والحيوانية الأساسية في اليمن والعمل في عدد من الوظائف الأخرى غير الرسمية. فقبل سنوات التقيت بمجموعة من المهاجرين في شبوة الذين استطاعوا وغيرهم الحصول على فرصة عمل في مزارع القات في شمال اليمن.
كان هؤلاء المهاجرون يعتزمون المجيء إلى اليمن، بدلاً من المرور إلى بلد ثالث، وكانوا في الأساس مدفوعين بتجارب الأصدقاء والأقارب الذين سبق لهم الهجرة إلى اليمن، وقد أشاروا إلى أن العديد من المهاجرين الأفارقة كانوا يعملون في الحقول والمراعي في جميع أنحاء البلاد، وذلك رغم عدم وجود أرقام توضح بالتفصيل عدد المهاجرين أو اللاجئين الأفارقة العاملين بالفعل في قطاع الزراعة في اليمن.
ومع ذلك غالباً ما تكون الرحلة إلى شبة الجزيرة العربية محفوفة بالمخاطر، حيث تشير التقارير إلى أن المهربين تسببوا في تعريض الأفارقة المهاجرين في اليمن للاعتداء والتعذيب والابتزاز وغيرها من الجرائم، بما في ذلك الاتجار بالبشر. ومن ثم، ففي بلد مثل اليمن مزقته الحرب، لا يوجد سوى القليل جداً من البنية التحتية التي قد تساهم في التعامل مع هؤلاء المهربين أو حتى دعم المهاجرين عند وصولهم.
وقد صرحت أنجيلا ويليس، مديرة الإعلام والاتصالات بمنظمة الهجرة الدولية في اليمن، خلال المقابلة التي أجريتها معها أن المنظمة تعمل مع السلطات المحلية وتدعوهم بالالتزام تجاه المهاجرين بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، والذي يضمن معاملة المهاجرين غير التمييزية، والإنسانية، بغض النظر عن العرق أو الجنسية أو الأصل.
وعلى خطى العديد من الخبراء الذين دافعوا عن دمج المهاجرين واللاجئين في أسواق العمل في الدول التي يستقرون فيها، صرحت ويليس انه يجب السماح لهم بحرية الوصول إلى عمل بأجر عن طريق تقليل أي حواجز تحول دون استغلالهم بناءً على وضعهم واحتياجاتهم. من ثم، لن يؤدي هذا الاقتراح فقط إلى تجنب البدائل المؤذية مثل ترحيل المهاجرين لأوطانهم إلى الوطن - حيث من المرجح أن يواجه المهاجرون المزيد من المخاطر، بما في ذلك الحبس في المخيمات حيث تُنتهك حقوقهم باستمرار – ولكنه أيضا سيساهم في تخفيف الضغوط على المجتمعات المضيفة من خلال المساهمة في تنمية الاقتصادات المحلية.
بالطبع لا تستطيع السلطات اليمنية القيام بذلك بمفردها، خاصة أنها تواجه أزماتها الداخلية الخاصة بها. على هذا النحو، تلعب المنظمات الدولية دوراً حاسماً في تسهيل تطوير بنية تحتية مستدامة للهجرة في اليمن. وستتطلب هذه المنظمات بدورها دعم وتعاون الشركاء الحكوميين، الذين يمكنهم توفير الأموال والأدوات الدبلوماسية لإنشاء نظام أكثر أماناً وإنسانية.
في الوقت عينه، من الضروري إجراء معالجة جادة على المستوى الدولي للنزاعات والأزمات التي يعاني منها هؤلاء المهاجريين في بلدانهم الأصلية. إذا كانت دول مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودول أخرى تأمل في وقف تدفق المهاجرين عبر حدودها، فيجب عليها بذل كل ما في وسعها لتخفيف العنف في دول القرن الأفريقي، والمساهمة في تقليل آثار تغير المناخ.