- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الحكم بالسجن ثلاث سنوات ضد الناشط حيدر الزيدي والضغوط المتزايدة على النشطاء العراقيين
رغم ادعاء الحكومة العراقية دفاعها عن حرية التعبير، إلا أنها تستهدف المتظاهرين والمنتقدين بشكل متزايد من خلال الاعتقالات، وأحكام السجن الطويلة.
مع مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول، تصاعدت شرارة الاحتجاجات الغاضبة في ساحة التحرير، مركز الاحتجاجات في بغداد، ومدن جنوبية منها الناصرية، احتجاجًا على قرار القضاء العراقي الصادر بتاريخ 5 ديسمبر/ كانون الاول 2022، الحكم المشدد بالسجن لـ3 سنوات ضد الناشط حيدر الزيدي، البالغ 20 عامًا، علي خلفية اتهامه بالإساءة إلى مؤسسات الدولة، وتظهر تغريدات سابقة نشرها الزيدي على مواقع التواصل الخاصة به، يوجه فيها انتقادات إلى بعض الشخصيات الدينية وقيادات في "الحشد الشعبي"، الذي قام جناحه الأمني بالقبض عليه في وقت سابق، وهو اعتقال لا يستند إلى اوامر قضائية، وقد أُطلق سراحه دون أن يصدر القضاء حكمه عليه.
الزيدي هو واحد من بين عشرات الناشطين الذين تمت مضايقتهم أو تم اعتقاله بتهمة الاساءة إلى الرموز الدينية. في عام ٢٠١٩، أصدرت محكمة الجنح في محافظة النجف حكمًا مشابهًا لحكم الزيدي، على شخص يدعى علي سرور رزاق، صاحب مقهى في محافظة النجف، ذات الطبيعة الدينية المحافظة، بسبب بث مباشر على منصة فيس بوك أُتهم بالإساءة إلى الرموز الدينية.
تسببت التغريدة باعتقال الزيدي، على الرغم من نفيه كتابتها وقال إن حسابه على توتير تعرض إلى الاختراق، لكن إصرار السلطات القضائية على الحكم بالسجن والعقوبة المشددة، يراه مراقبون للشأن العراقي إنها خطوة يراد بها تخويف الشباب لإسكاتهم ومنعهم من التعبير والانتقاد وحتى من الاحتجاج السلمي المكفول دستوريًا.
لاتزال بعض القوانين المعمول بها في الدستور العراقي، تعود تشريعها إلي زمن حزب البعث منذ زمن صدام حسين، وعلى الرغم من كفالة الدستور العراقية لحرية التعبير والنشر، لكنها تتعارض مع بعض القوانين التي تحاسب كل من ينتقد الشخصيات السياسية ورموز الدولة، حيث نصت المادة 226 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 على أنه "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية."
عمليًا، يختلف تطبيق القانون حسب رأس المال السياسي الذي يملكه المدعى عليه، ففي يوليو/ تموز 2022، انتشر تسجيل صوتي مسرب، لرئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وهو يصف جماعات "الحشد" بـ "أمة الجبناء" ولم يتحرك القضاء العراقي أي خطوة لمحاسبته تحت ذريعة أن التسجيل مفبرك أو غير مؤكده صحته.
وعلى النقيض، اتخذ القضاء العراقي قرارًا سريعًا بالحكم بالسجن على الزيدي، وعندما خرج المحتجون للشارع للمطالبة بإسقاط التهم الكيدية الموجهة للزيدي، ردت القوات الأمنية القريبة من المتظاهرين عليهم بفتح النار، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص وجرح العشرات.
وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، أمر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بفتح تحقيق في مجريات احداث قتل المتظاهرين في المحافظة، ومحاسبة المسؤولين عن إطلاق النار. فيما أدانت اللجنة النيابية لحقوق الإنسان استخدام ضد المتظاهرين، وحملت السلطتين المحلية والاتحادية مسؤولية الحماية للمواطنين واحتواء الموقف بالطرق السلمية دون اللجوء إلى العنف الذي قد يجر الاوضاع إلى مالا يحمد عقباه وتزايد وتيرة الفوضى.
ومع ذلك، يرى العراقيون أن تشكيل اللجان التحقيقية هي أسلوب قديم اعتادت عليه من أجل حماية القاتل وليس لتحقيق العدالة. في الوقت عينه، حذر محللون سياسيون من تكرار أساليب القمع والاضطهاد ضد الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومنع أشكال التظاهر السلمي.
يقول المحلل السياسي أحمد خضر إلى الكاتب: "لا أتمنى أن يعاد مسلسل قمع المتظاهرين سواء في الناصرية أو في أي مدينة أخرى من العراق، كما أتمنى من السيد السوداني عدم تكرار تجربة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في التعامل مع المتظاهرين، لأن تكرار التجربة ستؤدي إلى نتائج كارثة هذه المرة. المشكلة هناك تشابه كبير في الخطاب الإعلامي الذي كان يوجه للمتظاهرين بزمن عبد المهدي، والخطاب الموجه في الوقت الحالي، وهذا يعطي انطباع مبدئي للعراقيين بان الأطراف التي كانت تتحكم بعبد المهدي عادت لتتحكم بالسوداني وهذه مشكلة كبيرة."
إنّ ما يجعل حكم الزيدي أكثر إثارة للدهشة هو أنه يأتي في وقت صُدم فيه العراقيون عندما علموا بالإفراج عن نور زهير، أول شخص متهم بالمشاركة في أكبر سرقة في تاريخ الأمة. يُزعم أن زهير قد تورط في فضيحة فساد حيث سرق أكثر من 2.5 مليار دولار من خزائن الأمانات الضريبية في العراق وذلك بالتواطؤ مع السلطات. وقد علق خضر على ذلك قائلا: "من المفارقات العجيبة والغريبة في العراق أن يتم إطلاق سراح سارق اعترف بجريمته وأن يحكم ناشط شاب بالسجن ثلاث سنوات أثر تغريدة مع العلم ان المادة القانونية التي حكم عليها الشاب حيدر الزيدي قابلة للغرامة المالية والمادة التي أوقف عليها نور زهير كفالتها صعبة لكن الفارق بين الاثنين أن قضية نور زهير وراءها صفقات سياسية مشبوهة وقضية حيدر الزيدي عوملت بصورة انتقامية."
حملت تلك الحوادث أثار مروعة، حيث أصبح الناشطون العراقيون يتجنبون توجيه الانتقادات للشخصيات الدينية والسياسية خشية أن يتم محاسبتهم أو مضايقتهم، كما يستخدم بعض الناشطين حسابات بأسماء وهمية من اجل حماية أنفسهم من المراقبة الحكومية والجماعات المسلحة خارجة عن سلطة الدولة. كما يواجه الصحفيون المستقلون أيضًا ضغوطًا كبيرة؛ حيث يخضعون للمراقبة بسبب تغطيتهم التي ينظر إليها على انها تجاوز للخط الأحمر، خاصة إذا قاموا بتقديم تقارير حول مواضيع معينة، كما يتعرضون لمشقة كبيرة لمواصلة عملهم والكشف عن الحقيقة. ويرى كلا الفريقين أن قضية الزيدي يراد بها تكميم الأفواه الذي تتعمده السلطات لإسكات الأصوات العالية المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة.
ومع ذلك، يُصر العراقيون على الاحتجاج دعماً لحرية التعبير وللمطالبة بالإنصاف القانوني في الاحداث السابقة لقتل للمتظاهرين. ويتحدث الشاب وعد العزاوي، وهو متظاهر من بغداد يعيش في ألمانيا بعدها غادر العراق العام الماضي للعلاج كونه أحد جرحى تظاهرات تشرين، يقول إلى الكاتب: "أنا أحد الأشخاص الناشطين في التظاهرات وغادرت العراق لإكمال العلاج لكنّي بقيت هنا بعدما تخلت عنا الحكومة العراقية والسفارة العراقية في المانيا بعد انتهاء فيزا العلاج. وأخشى العودة حتى لا يتم التعامل معي كما عُومل صديقي حيدر الزيدي، الذي حكم عليه بالسجن بسبب رأيه السياسي."
ويضيف العزاوي الذي كان صديقا للزيدي حيث قال " الزيدي لديه مبادرات إنسانية ويساعد المحتاجين وكان على السلطات القضائية ألّا تتعامل معه بهذه الطريقة، حيث هناك شخصيات تستحق هذا الحكم لكن القضاء العراقي أفرج عنها، كما هناك تجار مخدرات عفت عنهم الدولة بقرار عفو عام. يكمل العزاوي حديثه للكاتب: "تحاول الحكومة العراقية بشتى الطرق تلميع صورتها أمام العالم بأنها تحترم الحريات وحقوق الإنسان، وهذا شيء غير صحيح وواضح لدى الجميع، حيث يلاقي كل من يثقف ضد النظام أو يعبر عن رأي مخالف لها، مصير الاعتقال أو القمع أو التغييب، كما حصل مع عدد كبير من الشباب خلال الاحتجاجات عام 2019 وما بعدها."
وقد شهد العراق خلال السنوات الماضية موجة كبيرة من النزوح أو هجرة الاعلاميين والناشطين الذين شاركوا في التظاهرات العراقية منذ انطلاقها، بإتجاه مناطق إقليم كردستان العراق أو نحو بلدان أوروبية وعربية، بحثًا عن بيئة آمنة وخوفًا على حياتهم وتجنبًا للملاحقة المستمرة بسبب نشاطهم السياسي. ومع ذلك، فإن ما تسفر عنه تلك الضغوطات في الغالب هو انها تمنع هؤلاء النشطاء والصحفيين من النضال من أجل حقوقهم المشروعة في الكرامة والحرية، وهي حقوق حُرموا منها في بلادهم لسنوات عديدة.