- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الجنسانية ووسائل الإعلام الاجتماعية في السياسة اللبنانية
منع وزيرا الإعلام والعدل اللبنانيين ملحم رياشي وسليم جريصاتي مطلع شهر آذار تداول فيديو كليب لمغنية اشتهرت بفيديوهات وصور جريئة مثيرة هي ميريام كلينك وذلك بعد ساعات من بثه وفرضوا غرامات مالية على من يتداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث كانت الساحة الأوسع لانتشاره والجدل حوله.
رغم محدودية قدرة قرار المنع في عصر الديجيتال إلا أن قرار المنع هذا يمتلك حجة قوية هي استخدام طفلة في فيديو ايروتيكي. هنا لا يسع أي شخص مهما كان متحررا من تجاوز انتهاك صارخ كهذا إذ من حق أي كان أن ينتج محتوى جريء لكن إشراك أطفال في عمل يلامس الجنس أمر يتجاوز الحدود وينتهك الطفولة.
المشكلة أن القضية لا تتوقف هنا، فحين نعيش في بلد حافل بالتناقضات السياسية والأمنية والاجتماعية مثل لبنان وفي منطقة مجنونة مثل الشرق الأوسط يصعب عدم النظر إلى السياق الأوسع الذي حصلت فيه قضية المنع هذه وكيف تم تناولها في الإعلام بشقيه التقليدي والإلكتروني. فتحت شعار حماية الطفولة، وهذا واجب، تسللت إلى الخطاب الرسمي المرافق للمنع عبارات تتكرر في حالات تتعلق بحضور النساء في مجالات الترفيه في الإعلام بكافة أشكاله. مجددا عادت عبارات "حماية الأخلاق والآداب العامة" و"صورة المرأة" و"القيم الدينية والطبيعة المحافظة للمجتمع" من التسلل عبر حملة شرسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد المغنية كلينك علما أن الحملة ركزت عليها متجاهلة شريكها في الفيديو وهو المغني جاد خليفة فصب الغاضبون جام رفضهم عليها دونا عن شريكها في الفيديو الهابط.
هذه القصة ستنطوي بعد أيام لكنها ستضاف إلى محطات عديدة متكررة تتعلق بالموقف العام بشقيه الرسمي والاجتماعي من مسألة الترفيه والمواد الفنية الاستهلاكية في الإعلام وموقع النساء في مجتمعات تعيش ازدواجية هوية ما بين قوانين مجحفة وتقاليد محافظة وما بين توق للتحرر والانفتاح.
هذا النقاش لا ينحصر بدولة بعينها لكنه هنا في لبنان يأخذ منحا تصاعديا في ظل الطبيعة المنفتحة التي عرف بها هذا البلد رغم أن المسار لبلوغ قوانين عادلة لا يزال طويلا ومتعثرا.
قبل شهرين تماما عشنا نقاشا مشابها وإن كان أكثر صراحة في تناوله لصورة المرأة وحدود الجرأة المسموح بها خصوصا في المجالات العامة ومن بينها الإعلام، فعلى خلفية برنامج ترفيهي جريء لجهة استضافته نساء يتحدثن عن رغباتهن الجنسية استنفرت أيضا جهات رسمية خصوصا في مجلس النواب اللبناني إذ دعا بعض النواب لوقف هذا النوع من البرامج التي وصفها وزير الإعلام بأنها مخالفة للآداب العامة فيما تحدث وزراء ونواب آخرون عن ضرورة عدم الإساءة إلى صورة المرأة اللبنانية.
المفارقة هي أن النواب الذين استنفروا ضد برنامج يقدم سيدات يتحدثن بجرأة عن رغباتهن كانوا قد ردوا ورفضوا مشروع قانون يجرم التحرش الجنسي ضد النساء بل وبحسب النائب الذي طرح المشروع فإن الفكرة لقيت سخرية واستخفافا من قبل نواب كثر بحيث جرى رفض الفكرة دون نقاش.
لكن بعد حملة الانتقادات التي جوبه بها إهمال النواب عادت حكومة سعد الحريري لتقر في يوم عيد المرأة مشروع قانون يجرم التحرش الجنسي لكن هذا طبعا لن يصبح نافذا قبل أن يناقش ويقر في الهيئة العامة لمجلس النواب وهذا تحد آخر سيواجه هذا المشروع.
مجلس النواب هذا كان سبق لأحد أعضائه أن طرح في بداية العام خلال جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اسم المغنية ميريام كلينك في ورقة التصويت ما جعل جلسة الاقتراع تضج بالضحك والتعليقات وكاد نواب أن يطلقوا ما بنفوسهم من هوامات حيال مغنية جريئة ومثيرة. هذه المغنية أصبحت مادة للسخرية اليوم في لبنان وتواجه احتمالا بدخول السجن.
هذا المقال لا يهدف الدفاع عن فيديو كليب انتهك الطفولة لكنه محاولة للتوقف عند تلك الازدواجية المفرطة التي نمارسها في تعاملاتنا خصوصا في قضايا تتعلق بالنساء وبحقوقهن بما فيها حقهن في الجرأة في الفن ولو كان هابطا.
لن أقول جديدا حين أشير إلى كم الانتهاكات التي تعاني منها اللبنانيات وبشكل يرعاه القانون والمجتمع لجهة عدم مساواتها في الحقوق في قضايا الأحوال الشخصية وعدم قدرتها على منح الجنسية لأبنائها والإجحاف في مجال الحقوق الاقتصادية وضعف تمثيلها السياسي بحيث يعتبر من الأدنى في العالم وهذه كلها اجحافات مزمنة. من هنا تبدو الهجمة باتجاه منع برامج ترفيهية وفيديو كليبات محاولة لاستمرار أحكام القبضة القانونية والمجتمعية على النساء...
في الحقيقة فإن النظرة إلى المرأة وموقعها في الحياة العامة والخاصة في لبنان والمنطقة عموما سواء في الإعلام أو في مختلف المجالات العامة ليس إلا ظاهرة من ظواهر عديدة لإشكاليات معقدة تتعلق بموروث العقل العربي. المؤسف هنا هو أن النقلة التقنية وثورة وسائل التواصل لم تفض إلى تطوير في الذهنية العربية على النحو الذي نطمح اليه رغم كل الإيجابيات التي حملتها لجهة توسيع مجالات النقاش وتعدد الآراء وابتكار حملات للتحشيد خلف قضايا عادلة وهذا حصل فعلا ومن بينها قضايا تتعلق بحقوق النساء.
فأنا وكصحافية لها تجربة لأكثر من عقدين شاركت في عدد من دورات تدريب للصحافيين والصحافيات في منطقتنا لمناقشة المصطلحات المستخدمة في تغطية قضايا تتعلق بالعنف ضد النساء. كنت كثيرا ما اصطدم بحقيقة أن هناك نسبة لا يستهان بها من شبان وشابات ممن يعرفون تماما انعكاسات صحافة الإثارة خصوصا تلك التي تروج لمحتوى نمطي مبتذل في الفن أو في السياسة على تكريس موقف سلبي من حقوق النساء لكنهم مع ذلك يستخدمونها. ولدى نقاشي مع البعض منهم فوجئت بحجم الدفاع عن تلك الأساليب بصفتها مبررة وأن الميديا الجديدة تحتاجها لأننا في عصر منافسة وبالتالي لابد من جذب المتابعين من خلالها. من هناك تكثر عناوين من نوع "ليال الجنس في غرف نوم داعش" فيصبح الحديث عن عنف فظيع يتعلق باغتصاب تنظيم "داعش" الممنهج لفتيات ونساء ايزديات هو جنس وإثارة.
هذه المثالب التي عممتها وسائل التواصل الاجتماعي تحديدا لا تلغي أبدا حجم الإيجابيات التي أنتجها التواصل الحر لجهة فسح المجال لأصوات جديدة لجهة أتاحت نقاشات بشأن العديد من القضايا وتحديدا تلك المتعلقة بحقوق النساء. وهنا ساهمت العديد من الحملات الإلكترونية على تعميم وعي إيجابي أيضا بقضايا عديدة.
بالنسبة لي رهاني في المرحلة الحالية هو على هذه الوسائط الحديثة لأن الإعلام التقليدي ورغم انه مازال الأقوى والأكثر نفاذا مجتمعيا لكن أجهزة الإعلام لا يمكن أن تبث محتوي إيجابي أو تحرري علماني عن المرأة إلا إذا كانت الدولة أو الأحزاب أو الجهات التي تمتلك هذه الأجهزة مؤمنة بقضية المرأة أصلا وأعني القناعة الحقيقية لا تلك التي تستعمل لتحسين المظهر في العلاقات العامة.
هذا الأمر غير حاصل الآن.
لذلك مساحة العمل عبر الأنترنت بكافة مجالاته هي المتاحة حاليا لأي تجمعات أو شخصيات تنشد التغيير والمساواة. فالدولة أو السلطة الحاكمة في المجتمعات العربية لم تتخذ بعد موقفا متحدا في ايجابيته من المرأة بوجه عام وبالتالي فإن صورة المرأة وحضورها في الإعلام يتأثران بالموقف الرسمي.
وهنا تتفاوت الحقوق الممنوحة للنساء من دولة عربية إلى أخرى وتبعا لهذه الحقيقة نجد صورا متفاوتة ما بين مجتمع عربي وآخر رغم أن هناك مشترك أساسي يتعلق تحديدا بالدين والطوائف وهو أمر تضاعفت سطوته في السنوات الأخيرة في ظل الحروب والأزمات الطاحنة وفي ظل الهجمة المضادة التي تعرض لها الربيع العربي من قبل أنظمة مستبدة وجماعات متطرفة.
لذلك فإن تغيير أوضاع النساء نحو مسار منصف وعقلاني لايزال ينتظر شائكا ويتخبط بالكثير من العقبات المرعبة أحيانا. وها نحن نستعيض عن قسوة الواقعي برحابة الافتراضي وهذا العالم الغير حقيقي له بعد تعويضي بالإضافة لبعده الأخر المتمثل كوسيلة ضغط على الواقع لإحداث تغيير في البنية الذكورية للمؤسسات السياسية والاجتماعية.
لكن العالم الافتراضي سيف ذو حدين ذاك أن ابتذال المرأة امر لم يقتصر فعله على ميريام كلينك فثمة رجال في نظامنا الذكوري يعززونه لدعم مواقعهم التفوقية.
للأسف، إلى أن يحصل ذاك التوازن المنشود فسنواصل نقاش قضية مغنية الفيديو المثير..