- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الكاظمي يعود بثقة لزيارة المكتب البيضاوي
تُظهر زيارة رئيس الوزراء العراقي الكاظمي الأخيرة رؤية إيجابية للعلاقات الأمريكية-العراقية، كما تساهم في زيادة الثقة بين القادة العراقيين.
منذ قرابة العام بالضبط، تحدّثتُ عن تفاصيل زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى البيت الأبيض في عهد ترامب. وخلال الأسبوع الماضي، انضم الكاظمي إلى قائمة قصيرة جدًا من قادة العالم الذين قاموا بزيارتين إلى المكتب البيضاوي في غضون سنتين، وكانت هذه المرة لزيارة الرئيس جو بايدن.
على منوال العام الفائت، أمضيتُ ثلاثة أيام مع الوفد، وتخلل ذلك حوارٌ فردي مع رئيس الوزراء الكاظمي. لقد كُتب الكثير عن نتائج هذه الزيارة –وخصوصًا عن تجديد التصريح بصورة مشتركة عن عدم وجود قوات قتالية أمريكية في العراق- لكنني سأركّز في هذه المقالة على "إحساس" الزيارة ووضع العلاقات الأمريكية العراقية والمعنويات البالغة الأهمية للحكومة العراقية.
الانطباع البارز من هذه الزيارة هو ازدياد ثقة المسؤولين العراقيين، لا سيما رئيس الوزراء. ففي آب/أغسطس 2020، كانت الحكومة العراقية والكاظمي نفسه لا يزالان يترنّحان من حادثة كارثية وقعت في 25 حزيران/يونيو حين قامت ميليشيا "كتائب حزب الله" بتطويق منزل رئيس الوزراء في محاولة فاشلة، ولكن سافرة لتأمين الإفراج عن مطلِق صواريخ من "كتائب حزب الله" كان قد اعتُقل بسبب تنفيذ هجمات إرهابية على السفارة الأمريكية في بغداد. وبعد شهر واحد، كانت الحكومة العراقية محبطة، وهذا ما أثار تعاطف فريق ترامب ودعمه.
بعد عامٍ على ذلك، ها هو فريق الكاظمي يمنح بعض الأمل: فبدلاً من طلب الحلول، جاءت الحكومة العراقية إلى واشنطن بخططها العملية الخاصة وأطرها الزمنية الواقعية. فالحكومة قادرة الآن على الدفاع عن ممراتها الداخلية من غزو الميليشيات، ويعود بعض الفضل في ذلك إلى الدعم الدولي. ومن المرجح أن تُجرى الانتخابات العراقية في تشرين الأول/أكتوبر 2021 -بصرف النظر عما توحيه العروض المسرحية الحالية للأحزاب السياسية- وستكون للحكومة الناشئة عنها ولايةٌ من أربع سنوات كاملة، بخلاف حكومة 2018-2020 التي اقتُطعت ولايتها أو حكومة تصريف الأعمال برئاسة الكاظمي خلال 2020-2021.
السعي إلى ولاية ثانية
بخلاف رئيسَي الحكومة العراقية الأخيرين، اللذين احتجّا بأنهما انجرّا مُكرهَين إلى السلطة، أشعر أن الكاظمي يريد أن يكون رئيسًا للوزراء لولاية كاملة. وكانت هذه عقبة ذهنية مهمة توجّب التغلب عليها لأن العراق بحاجةٍ إلى رئيس وزراء له حلفاء وخطة ورغبة في الحكم. فالوقت ليس مناسبًا للتظاهر أو التواضع، بل يحتاج العراق إلى قيادة. وفي هذه الزيارة، لم يعتذر الكاظمي عن كيفية عمله حتى الآن وكان واضحًا بشأن مخططاته لولاية ثانية.
ومَن يراقب السياسة العراقية عن كثب يلاحظ أن القوى السياسية تنتظم بشكل ثابت خلف نموذج رئيس الوزراء المعتدل مثل الكاظمي، أيْ شخص يتمتع بدعم دولي قوي وبالرغبة في تقوية الدولة عبر تقليص الميليشيات المدعومة من إيران بأسرع ما يمكن. أما بالنسبة إلى مجلس النواب، فستشهد الانتخابات المقبلة في العراق على انقسام أكبر، حيث يُرجَّح أن يسيطر مقتدى الصدر على الحزب الأكبر، وأن يكون للأكراد تمثيلٌ قوي، إلى جانب قائمة مرقّعة من المعتدلين وتكتل متضائل للإسلاميين الشيعة المدعومين من إيران. وستكون شخصية مثل الكاظمي المرشح الأوفر حظًا لقيادة هذه الحكومة الائتلافية.
غير أن إحدى العقبات أمام هذه التركيبة هي قضية الانسحاب العسكري الأمريكي. فالكتلة المدعومة من إيران تناصر هذه القضية منذ أن دعت مجلس النواب في 5 كانون الثاني/يناير 2020 إلى طرد المستشارين الأجانب بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني والزعيم الرئيسي للميليشيا العراقية أبو مهدي المهندس. لكن الاقتراح نال تأييدًا سياسيًا واسعًا، فالصدريون يؤيدون فكرة إنهاء أي احتلال أجنبي في العراق من الناحية الإيديولوجية، ويتوجب على القوميين الشيعة تبنّي ما يتم التوافق عليه.
لكن الكاظمي حقق إنجازًا مهمًا خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، حين ضمن انسحاب القوات القتالية الأمريكية بحلول 31 كانون الأول/ديسمبر 2021 مع إبقاء بعثة استشارية عسكرية ثابتة - وهو قرار سارع مقتدى الصدر وغيره من القوميين الشيعة وحتى تحالف "الفتح" المدعوم من إيران إلى الإشادة به.
لا يخفى على أحد أن الميليشيات الإيرانية، أمثال "كتائب حزب الله"، ستستمر بالادعاء بأنها تقاوم احتلالًا أمريكيًا غير موجود. لكن مع الإعلان عن الانسحاب، يصبح بالإمكان عزلها خارج الحياة السياسية العامة. والواقع أن ارتباك وكلاء إيران وشعورهم بالانفضاح يتجلّى في بياناتهم الخجولة وهجماتهم الضئيلة بعد زيارة الكاظمي إلى البيت الأبيض في 26 تموز/يوليو.
العلاقات الأمريكية العراقية
في آب/أغسطس 2020، كان فريق الكاظمي متوترًا وقلقًا بشأن كيفية استقباله في البيت الأبيض في عهد ترامب، ولم يسترخِ لحظةً، مرتقبًا انقلاب الرئيس ترامب أو وزير الخارجية مايك بومبيو عليه بشكل غير متوقع، أو حشره للقيام بالتزامات لن يتمكن من الوفاء بها، أو إحراجه في العلن. لكن ما حدث هو أن فريق ترامب كان المضيف المثالي ومرّت الزيارة بسهولة ونجاح. مع ذلك، جاء الفريق العراقي إلى واشنطن في تموز/يوليو من هذه السنة وهو يعلم مسبقًا أنه سيحظى باستقبال جيد من الحكومة والكونغرس الأمريكيين الممتنَّين، إذ يدرك كلاهما أن أعضاء فريق الكاظمي يعملون على إصلاح السيادة العراقية بأسرع ما تسمح به أدواتهم المحدودة.
وقد سمح إحساس الاطمئنان هذا للكاظمي ووزرائه بوضع رؤية إيجابية لما قد تبدو عليه مرحلة الحكم المقبلة في العراق: إجراء الانتخابات بمراقبة الأمم المتحدة، وتشكيل تجمّع للقوى المعتدلة، وتعزيز أدوات الدولة، وأخذ خطوة كبيرة إلى الأمام نحو تحقيق سيادة القانون ومكافحة الفساد، وتعزيز العلاقات مع المجتمعين الإقليمي والدولي، والاندفاع نحو تحقيق صافي الصفر في الانبعاثات البيئية من خلال الحد من حرق الغاز. بالنسبة إلى المسؤولين الأمريكيين، تبيّن هذه الرؤية أن العراق يتغير ببطء من دولة تلتمس مساعدة المجتمع الدولي إلى دولة تطرح الحلول على طاولة المفاوضات.
ما تُظهره الزيارتان المتتاليتان هو أن الولايات المتحدة تدرك، في أعماقها، أن العراق مهمٌ لمجموعة أسباب لا علاقة لها بحرب العراق بين عامَي 2003 و2011 ولا بالصراع ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" ما بعد العام 2014.
لا يزال العراق عاملاً يحرّك إما الاستقرار أو عدم الاستقرار في المنطقة والعالم، ويُنظر إليه أكثر فأكثر (إضافةً إلى إسرائيل والأردن) كصديق وشريك - وليس كمنطقة حرب أو كبلدٍ تحت وصاية المجتمع الدولي. ولهذا كان رئيس الوزراء العراقي أول مسؤول عربي يتلقى اتصالاً من جو بايدن، وثاني مسؤول عربي (بعد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني) يزور المكتب البيضاوي.
حريٌ بالعراقيين أن يفتخروا بالزيارتين العراقيتين إلى المكتب البيضاوي في غضون سنتين - فكلتاهما كانت عبارة عن حوارات ناجحة جدًا بالرغم من الاختلافات الهائلة بين الرئيسين الأمريكيين وإدارتهما. وحتى مع خسارة الشرق الأوسط موقعَ الصدارة على قائمة السياسات الخارجية الأمريكية وأُفول "الحروب الأبدية"، يحظى العراق بمكانة خاصة ومهمة في السياسات الأمريكية - أكانت الإدارة جمهورية أو ديمقراطية.