- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الخوف من مرحلة ما بعد الانتخابات: هل سيشتعل برميل البارود في العراق؟
تُظهر استطلاعات حديثة للرأي العام أن غالبية العراقيين يتوقعون أن تُفضي الانتخابات إلى زيادة المشكلات الأمنية والسياسية في البلاد، حيث أنه من المتوقع أن تحافظ الميليشيات والعناصر المهيمنة على نفوذها.
ليس خافياً أهمية الانتخابات (المبكرة) في العراق بعد أسابيع قليلة، فهي أول انتخابات عراقية مبكرة فرضتها الإرادة الشعبية الممثلة بانتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019. والمفارقة الغريبة هي أن القوى السياسية الحاكمة في العراق التي لم تكن ترغب في انتخابات (مبكرة) باتت هي المدافع القوي عن هذه الانتخابات، في حين أن قوى شباب تشرين تحولت الى اقوى معارض للانتخابات.
والمتابع للأجواء الانتخابية في العراق هذه الأيام، بمكنه بوضوح رصد تنامي حملات المقاطعة الشبابية للانتخابات، كما يمكنه بوضوح رصد القوى التقليدية كأنشط اللاعبين على مسرح التهيؤ للانتخابات! ففي الوقت الذي يؤكد فيه الساسة التقليديون انهم يستجيبون لقواعد اللعبة الديموقراطية التي ارتضاها العراقيون بالاحتكام الى صندوق الانتخابات كوسيلة وحيدة للتغيير، فأن الداعين للمقاطعة يؤكدون عدم قدرة هذه الانتخابات على أحداث التغيير الذي طالبوا به في انتفاضة تشرين.
لذلك ومنذ الإعلان عن موعد الانتخابات المبكرة قبل عدة أشهر عبر معظم العراقيين عن عدم ثقتهم بقدرة الانتخابات على تحقيق التأثير المنشود في القرار السياسي العراقي بحسب استطلاع للرأي العام أجرته المجموعة المستقلة للأبحاث في ربيع هذه السنة وشمل عينة وطنية شاملة تم اختيارها بالطريقة العشوائية الاحتمالية متعددة المراحل لتمثل كل أطياف المجتمع العراقي.
لقد جاءت نتائج ذلك الاستطلاع الذي اجري مع حوالي 2000 عراقي وجها لوجه لتؤكد انه من بين جميع العراقيين، تعتقد أقلية أن التصويت هو الطريقة الأكثر فاعلية للتأثير على عملية صنع القرار السياسي. ومن بين هؤلاء الذين قالوا إن بإمكان العراقيين العاديين التأثير على عملية صنع القرار، يعتقد 14٪ فقط من السنة، و11٪ من الشيعة، و31٪ من الأكراد أن التصويت هو السبيل للقيام بذلك.
بناءً على هذه النتائج، جاءت نتائج استطلاع جديد انجز في العراق مؤخرا وشمل عينة وطنية شاملة من 2500 شخص اختيروا بطريقة عشوائية احتمالية متعددة المراحل، لتؤكد المخاوف مما قد يحصل بعد الانتخابات. وكما قلت في مقالي السابق هنا قبل ستة أشهر فان السؤال المهم الآن لم يعد إذا كان التغيير في المشهد السياسي العراقي سيحصل أم لا، بل كيف سيحصل التغيير! وإذا ما كان التغيير سيحدث من خلال أليات الانتخابات أو عن طريق اضطرابات ستحدث خارج النظام السياسي.
الحقيقة هي أنها مسألة وقت فقط قبل أن يحصل التغيير في العراق، وكلما مضى وقت أطول بدون أحداث ذلك التغيير من خلال آليات ديموقراطية سلمية كلما زادت احتمالات العنف والفوضى. لقد اظهر الاستطلاع الذي جرى هذا الشهر أن أزمة الثقة تتسع بين النظام السياسي (وليس الحكومة فقط) وبين الشعب وبالذات في المنطقة الجنوبية من العراق التي يبدو أنها تجلس فوق برميل بارود ينتظر الشرارة.
فعلى الرغم من أن 60% من العراقيين عموما لا يعتقدون أن الانتخابات القادمة ستؤدي لتحسين الوضع في العراق فان هذه النسبة تقفز بين الشيعة لتصبح حوالي 70% وهي ملفتة للنظر! لا بل أن ثلاثة من كل أربعة من أبناء المنطقة الجنوبية قالوا الانتخابات(المبكرة) المقبلة ستزيد من نفوذ الأحزاب الحالية الحاكمة. ونفس النسبة أفادت انهم يتوقعون أن نتائج الانتخابات ستعزز من نفوذ الميليشيات في مناطقهم. والخطر من ذلك أن اثنين من كل ثلاثة عراقيين عموما، وثلاثة من كل أربعة من الشيعة يعتقدون أن نتائج الانتخابات ستؤدي لحدوث مشاكل أمنية وسياسية في مناطقهم، خاصة في ما يتعلق بإجراءات الأمن والسلامة في العراق.
من جهة أخرى فان نتائج هذا الاستطلاع التي تؤكد أن نسبة المشاركة في التصويت على هذه الانتخابات لن تكون أفضل من نسبة المشاركة المتدنية في انتخابات عام 2018 تزيد من المخاوف بخصوص ما يمكن أن يحصل في المناطق الجنوبية بعد إعلان نتائج الانتخابات بخاصة وان كل التوقعات تشير الى بقاء القوى السياسية الحالية مهيمنة على المشهد السياسي مما سيسبب إحباطا لأولئك الذين شاركوا وهم يطمحون بالتغيير، وتأكيداً لشكوك أولئك الذين قاطعوا لأنهم متأكدين من عدم جدوى آلية الانتخاب لإحداث التغيير المنشود.
في ظل حالات فقدان الأمل بالمستقبل وعدم الرضا العالي الذي أكدته نتائج الاستطلاع، سيكون العنف أو الفوضى هما البديل المحتمل. ففي الوقت الذي يشعر فيه واحد فقط من كل ثلاث عراقيين أن الأوضاع في البلد يمكن أن تتحسن خلال سنة، فإن النسبة تتدنى بين الشيعة لتصبح واحد من كل أربعة. وفي الوقت الذي قال فيه ثلاثة من كل أربع عراقيين تقريبا انهم راضين عن حياتهم عموما فان النسبة تنخفض لتصل الى اقل من الثلث بين الشيعة. لذلك لم يكن مستغرباً في ظل هذه النتائج أن يتوقع حوالي 60% من العراقيين عموما عودة انتفاضة تشرين بعد الانتخابات. أما في مناطق الانتفاضة ذاتها (أي الجنوب) فان النسبة تقفز الى أكثر من 70%.
إن الأرقام أعلاه تشير بما لا يقبل الشك أن هناك قلقاً من احتمال حصول اضطرابات أمنية و\أو سياسية. إن هذا يتطلب من الحكومة العراقية ومن القوى السياسية الاستعداد الى خريف وشتاء ساخنين. وما لم تكن القوى السياسية مستعدة لتقديم تنازلات مشابهة لتلك التي قدمتها لتهدئة الشارع أو حتى أكثر من ذلك، فان الموقف قد يتطور الى ما لا يحمد عقباه.