- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
اللاجئون يطالبون "بالحرية" التي منحها الاتحاد الأوروبي للأوكرانيين
أدى ترحيب الاتحاد الأوروبي باللاجئين الأوكرانيين إلى تحفيز المهاجرين الآخرين المحاصرين في ليتوانيا الى المطالبة بمعاملة متساوية كلاجئين حرب.
في مطلع العام الماضي، تدفق آلاف المهاجرين غير النظاميين من جنسيات مختلفة، عبروا الحدود البيلاروسية متجهين نحو ليتوانيا، يشكل العرب نسبة كبيرة، بعدما هاجروا بلدانهم الأم، التي لازالت غير مستقرة نسبيًا، مثل العراق وسوريا وليبيا، حالمين بالوصول إلى أوربا بحثًا عن حياة مستقرة لهم و لعوائلهم.
وفى ظل هذا الارتفاع في أعداد المهاجرين الواصلين إلى ليتوانيا بشكل غير شرعي، حملت الحكومة الليتوانية رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو المسؤولية الكاملة بذلك، مشيرا إلى أن الأخير يريد الانتقام بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على نظامه في 20 تشرين الأول/أكتوبر والتي جاءت ردًا على ما وصفه الاتحاد الأوروبي بانتخابات رئاسية مزورة. فيما كشفت تقارير صحفية أن حكومة بيلاروسيا قامت بتسهيل عملية تدفق اللاجئين بإتجاه الحدود الليتوانية، كجزء من مخططها الإنتقامي.
شهور من المعاناة
ومع ذلك، لم يكن المهاجرون الوافدون على علم في البداية بأنهم أصبحوا بيادق في خلاف حول العقوبات، فبعد رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، ورحلة مكلفة الثمن، دفع فيها المهاجرين الألاف الدولار للمهربين من أجل الوصول إلى ليتوانيا، لم تسير الأمور كما كان مخطط لها حيث وجدوا أنفسهم في مخيمات كانت بالأصل سجون، يعانون بداخلها من ظروف معيشية وصحية صعبة، بحسب حديث عدد من المهاجرين إلى الكاتب، فيما ينتظر معضهم قرارات طلبات اللجوء.
ومع ذلك، تم رفض معظم طلبات اللجوء المقدمة من قبل المهاجرين.، وصرّح القسم الإعلامي في وزارة الداخلية الليتوانية "أن هناك قرابة 2000 مهاجر عراقي يشكلون الأغلبية بين المهاجرين في المخيمات، يتوزعون على خمسة مخيمات متفرقة، وقد مُنح حق الإقامة لخمسة أشخاص فقط لا غير".
ويقول علي الصالح، شاب من مدينة الزور السورية لكنه الآن يعيش في مخيم اللجوء في ليتوانيا: "وصلت إلى ليتوانيا في شهر نوفمبر 2021، وتقدمت بطلب اللجوء إلى دائرة الهجرة، ولكن للأسف بعد انتظار فترة طويلة، جاء الرد بالرفض، تقدمت بطلب استئناف القرار وكان الرد سلبي أيضا. أما الطعام الذي يُقدم لنا، فهو لا يستسيغة حتى الحيوان، السلطات الليتوانية تتعمد في معاملتها السيئة معنا للضغط علينا من أجل العودة إلى بلداننا، وهذا غير ممكن بالنسبة لي، أنا من سوريا والظروف هناك غير مناسبة إطلاقًا للعودة".
ويشكو عدد من المهاجرين، ممكن تحدث معهم الكاتب، من أمراض نفسية وجسدية، حتى منهم ظهرت عليه أعراض فيروس كورونا، ويخشى هؤلاء من إنتشار العدوى في عموم المخيم، فيما تقول وزارة الداخلية بحسب مقابلة أجراها الكاتب معهم، أن هناك 55 مهاجر ظهرت نتائجهم إيجابية بفيروس كورونا، تم عزلهم في ثلاث مشافي، فيما تواصل اللجان الطبية تقديم التطعيمات لهؤلاء الراغبين بالتطعيم ضد فيروس كورونا.
أحد هؤلاء الشباب الذين استلم قرار رفض طلب لجؤه، هو الشاب العراقي حيدر عزيز، من محافظة ديالى، يقول: "أن أعيش في المخيم، الذي هو عبارة عن سجن في الأصل، كانت السلطات الليتوانية تضع فيه السجناء، واليوم أنا فيه منذ حوالي سبعة أشهر. حقًا نعيش فيه حياة السجناء، أنه مكان مغلق لا يسمح لنا بالخروج منه، كما تحيط بها الأسلاك الشائكة من الخارج خشية خروجنا منه، وتسأل، أين هي الحرية التي يتحدثون فيها دول الغرب؟"
ويضيف عزيز: "بسبب هذه الظروف الصعبة التي نعيشها، عاد كثير من العراقيين إلى البلاد بعدما تقدموا بطلب العودة الطوعية رغم خطورة الأوضاع بالنسبة لهم هناك". في موقعها الرسمي، أشار الداخلية الليتوانية إلى أن 98 مواطنًا عراقيًا غادروا ليتوانيا إلى العراق بعد طلبهم بالعودة الطوعية إلى بلدهم، بسبب عدم حصولهم على حق اللجوء.
وتضيف وزارة الداخلية الليتوانية للكاتب: "كل من لا يوافق على قرار دائرة الهجرة لعدم منحهم حق اللجوء، بإمكانهم اللجوء إلى المحاكم لاستئنافه القرار. فيما يمنح مبلغ 1000 يورو لمن يرغب بالعودة الطوعية. وبهذا الصدد، قام 755 مهاجر بالعودة ممن عبر عن رغبته في العودة إلى البلاد. بكل الأحوال، إذا لم يتم منح المهاجر حق اللجوء، فعليه العودة إلى بلده الأم، أو سيتم إعادته إلى بلده الأصلي".
سيبقى حيدر عزيز في ليتوانيا لكنه يشعر انه محاصر حيث أضاف قائلا: "تزورنا عدد من وسائل الإعلام والمنظمات الدولية من أجل توثيق حياتنا لكن السلطات تحاسبنا وتقوم بسحب الموبايل الشخصي لمنعنا من التواصل من العالم الخارجي في حال صرحنا لوسائل الإعلام بشكل واضح وعلني. فأين هي الحرية التي جئنا إليها؟ مع شديد الأسف نعيش هكذا وتقف الدولة صامتة عاجزة عن مساعدتنا".
مشاهدة الكيل بمكيالين
استمرت هذه الأزمة منذ شهور، لكن الهجوم الروسي الأخير على أوكرانيا - الذي سهله التعاون البيلاروسي –أدى الى تفاقمها حيث زاد من تدفق المهاجرين إلى الدول الأوروبية. وفي تقرير نشرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئينUNHCR، ذكرت فيه إلى أن أكثر من مليوني شخص غادر من أوكرانيا باتجاه دول الاتحاد الأوروبي من البلدان المجاورة، فيما يتوقع أن يصل العدد إلى أكثر من 4 ملايين شخص، بحاجة إلى المساعدة الطارئة والحماية.
من الواضح أن هؤلاء اللاجئين يحتاجون إلى الرعاية والدعم، لكن لا يسع المهاجرين العرب إلا مقارنة الترحيب المختلف الذي تلقاه الأوكرانيين على حدود الاتحاد الأوروبي وبين المعاملة التي تلقاها أولئك الفارين من صراعات أخرى. وفى السياق ذاته، يقول عزيز: "منذ اليوم الأول الذي أعلنت فيه روسيا الحرب على أوكرانيا، سارعت دول الاتحاد الأوروبي بفتح بلدانها إلى الأوكرانيين، ورحبت بهم ومنحهم فرص العمل والإقامة الدائمة دون قيد أو شرط، فيما واجهنا نحن أشبع أشكال التمييز والعنصرية فقط لكوننا عرب لا نشبههم. لقد وضعوهم (الأوكرانيين) في فنادق فارقة 5 نجوم بينما نحن مصيرنا السجون المغلقة، في كل غرفة يعيش 20 شخص"،
بالإضافة الى ذلك، أفاد بعض المهاجرون من أصول عربية أو أفريقية أو هندية أنهم واجهوا تمييزا مماثلا على الحدود بين أوكرانيا وبولندا، وقد وثقت تقارير لهؤلاء وهم عالقين على الحدود ويواجهون إجراءات صعبة ومشددة من أجل الدخول إلى بولندا، بعدما فروا من صواريخ الجيش الروسي والقصف الذي لم يتوقف على المدن الأوكرانية، وذلك رغم ادعاء بولندا بفتح حدودها أمام اللاجئين "بغض النظر عن الجنسية".
وردا على الصور التي نشرتها الدول الأوروبية وهي تفتح حدودها على مصراعيها أمام الأوكرانيين الفارين من الحرب، قام المهاجرون غير الأوكرانيين الذين تقطعت بهم السبل في ليتوانيا العام الماضي بتصعيد مطالبهم. وفى هذا الصدد، يطالب اللاجئون في ليتوانيا الأمم المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي بالتعامل مع قضاياهم كما تعاملت مع الأوكرانيين، سيما أن معظمهم جاؤوا من بلدان غير مستقرة وعانت الحرب على مدى سنوات عدة، من مطالبهم هي منح الإقامة المؤقتة أو الدائمة، وتوفير فرص عمل لهم، بعد أن استفذ معظمهم أمواله التي كانت معه، وأن يتم إطلاق سراحهم من السجون التي يعيشون فيها، لبدء حياتهم التي حلموا بها وحرموا منها في بلدانهم.
وأظهر بعض المهاجرين وثائق تشير إلى قيام دائرة الهجرة الليتوانية بتجديد فترة الاحتجاز داخل المخيمات فترة 6 أشهر جديدة، قرارٌ رد عليه المهاجرين من خلال الإضراب عن الطعام، مما تسبب بحالات فقدان للوعي وضعف في البنية الجسمانية، فيما نجا آخرون من محاولات للانتحار، بحسب مقابلات أجراها الكاتب مع عدد من المهاجرين.
ويقول على الصالح: "لقد نقضي كل وقتنا داخل السجن، نريد الحرية، نريد العمل حتى لا ينظر إلينا نحن مواطنون غير منتجين أو عبء عليهم، لا نريد منهم الأموال فقط التعامل دون تمييز ومساواتها بالمواطنين الأوكرانيون الفارين من بلادهم نتيجة الحرب الروسية ضدهم. على الرغم من أن سوريا مرّت نفس الحرب ونفس المعاناة التي تسببت بها روسيا في بلدنا. أين هي حقوق الإنسان التي يتحدث بها دول الغرب؟" وكمل الصالح قائلًا: "أناشد الإتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان للنظر في قضيتنا والتعامل معنا بروح الإنسانية، لا نستطيع البقاء أكثر في السجون المغلقة، ما هو مصيرنا؟ نريد الحرية."