- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
العلاقات السودانية الإسرائيلية: ضمان الدعم المدني خلال فترة التحول الديمقراطي
في خطوة تم الإعلان عنها للتو، قام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بزيارة الخرطوم أمس، وذلك بالتزامن مع زيارته لإسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة. وتأتى هذه الزيارة في وقت ينصب فيه الاهتمام على اتفاق السلام الإسرائيلي الإماراتي. وفي أعقاب زيارته بومبيو المعلنة، يتساءل مراقبون دوليون عما إذا كان السودان التالي في مسار السلام مع إسرائيل.
ومع ذلك، تواجه الحكومة السودانية، خلال عملية الانتقال الديمقراطي انقسامات حادة بين المكون العسكري والمدني والتي قد تؤدي إلى بروز علاقة غير متوازنة مع إسرائيل في حالة استمرار عملية التطبيع. إن إقامة علاقات مستقبلية بين البلدين سيساهم في تعزيز المجتمع المدني السوداني ولن يقف حائلا أمام الانتقال السلمي إلى الحكم الديمقراطي.
والى جانب الانقسام بين الجانب العسكري والمدني، هناك أيضا انقسامات داخل قوى الحرية والتغيير الحاضنة الرئيسية لحكومة حمدوك، حيث أنها تتشكل من مجموعة من الأحزاب التي تختلف جذريا فيما بينها في كثير من القضايا ذات الارتباطات الأيديولوجية، فعلى سبيل المثال ليس هناك اتفاق حتى الآن بين الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي ذو الخلفية الإسلامية وقيادات الحزب الشيوعي السوداني وحزب المؤتمر السوداني وتجمع المهنيين على مستقبل علاقات السودان الخارجية حيث ينادي بعضهم بالاستقلالية التامة عن المحاور والبعض الآخر يؤمن بأن هذا أمر يصعب تحقيقه الآن.
وحتى الآن، أدت تصريحات الحكومة السودانية المتناقضة حول علاقاتها مع إسرائيل إلى ارتباك وتكهنات حول ما إذا كانت الخرطوم تسعى حقا إلى التطبيع. ففي مقابلة مع "قناة سكاي نيوز" عربية، في الثامن عشر من شهر آب/ أغسطس، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية حيدر بدوي على القيام بإجراء محادثات دبلوماسية بين البلدين. وفي نفس اليوم أكد وزير الخارجية السوداني المكلف عمر قمر الدين في بيان أن وزارة الخارجية تلقت بدهشة تلك التصريحات، وأن وزارته لم تناقش مسألة العلاقات مع إسرائيل. وفي اليوم التالي تمت إقالة المتحدث باسم الخارجية. ومن ثم، ظل موضوع التطبيع بين البلدين يلفه الغموض.
يظهر موقف الحكومة السودانية هنا حالة من التخبط والانقسام، فالتصريحات المتضاربة للمتحدث باسم الخارجية، تضع رئيس الوزراء حمدوك في وضع حساس تجاه موقفها من التطبيع، كما يمكن أيضا تفسيرها بعدم معرفة حكومة حمدوك للمرة الثانية أن شركاءه في الحكومة قد شرعوا في إجراء مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. وفى هذا الإطار، أكد وزير الإعلام السوداني أن " الحكومة الانتقالية لا تملك تفويضا بشأن قرار التطبيع مع إسرائيل"، وانه في مثل هذه الأمور يجب لانتظار حتى يتم تشكيل سلطة تشريعية انتقالية.
من ناحية أخرى، أنهت المؤسسة العسكرية موقفها وذلك في لحظة غير مسبوقة من تاريخ السودان عندما التقى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو في كمبالا عاصمة أوغندا في شباط/فبراير الماضي، واتفق الطرفان على فتح قنوات اتصال بين البلدين. ومن الواضح أن هذه القنوات قائمة برعاية المحور الذي يتعاون معه الخرطوم حاليا وهو محور الإمارات-السعودية- ومصر. ومنها أيضا يتضح أن مسؤول ملف العلاقات التي تتعلق بأمن السودان القومي هو المكون العسكري وتحديدا عبد الفتاح البرهان والذي من المفترض أنه لا يملك سلطة تنفيذية.
حاليا، يتوقع الشارع العربي أن تحذو السودان نحو التطبيع مع إسرائيل وذلك على غرار الإمارات. إضافة الى ذلك، تشير تعليقات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضا إلى أن التطبيع هو مسألة وقت فقط، حيث قال في بيان رسمي أن "إسرائيل والسودان والمنطقة برمتها ستستفيد من اتفاق السلام (مع الإمارات) وستبني معا مستقبلا أفضل لجميع شعوب المنطقة. وسنقوم بما هو ضروري لتحويل هذه الرؤية واقعا".
السودان التي عرف برفضه الاعتراف والتعاون والتفاوض مع إسرائيل لعقود، يأمل الآن في حل مشاكل خلفها له النظام السابق، فالجانب المدني المتمثل في حمدوك وقوى الحرية والتغيير يحاول من جهته بناء علاقات إقليمية تساعده في قضيته الأولى وهي إزالة اسم السودان من قائمة العقوبات الامريكية والتي تتطلب تعويض ضحايا الأعمال الإرهابية وملف السلام مع الحركات المسلحة، والتعاون في ملف مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان والصحافة والدين، والعلاقة مع كوريا الشمالية، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. ومن ثم، يمكن للعلاقات مع إسرائيل أن تفتح الطريق أمام السودان للوصول الى البيت الأبيض وصندوق النقد الدولي. ويُفهم من ذلك أن التطبيع مع إسرائيل سيساعد على إزالة السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهو ما أعلن عنه بومبيو للتو.
ومن الجدير بالذكر أن التطبيع بين السودان وإسرائيل لم يأت من العدم، حيث أن تاريخ العلاقات بين البلدين ليس بجديد، فقد قام جعفر نميري، الرئيس السابق للسودان بترحيل اليهود الفلاشا وتسهيل استيطانهم في إسرائيل. ومع ذلك، توقفت جميع الاتصالات بعد الانقلاب العسكري الذي أتى بعمر البشير الى السلطة عام 1989، والذي قاده زعيم حركة الإخوان السودانية حسن الترابي. بدأ نظام البشير حكمه بمناصبة العداء لإسرائيل والولايات المتحدة، والتقارب مع إيران والجماعات المتطرفة. كما قام الترابي بنفسه بدعوة حماس وأسامة بن لادن وعدد من القيادات المتطرفة للعمل وفتح معسكرات تدريب في السودان أمام تلك الجماعات المتطرفة التي يربطها ببعضنا البعض كراهيتها للولايات المتحدة الامريكية.
ولكن وبعد المفاصلة الشهيرة التي أدت الى انفصال الترابي والبشير في كانون الأول/ ديسمبر عام 1999 والتي تم على أساسها نفى الترابي من البلاد وتجرّيده من كافة سلطاته، أصبح البشير يفكر في تثبيت دعائم حكمه فقام بقطع العلاقات مع إيران ومارس سياسة التقارب مع السعودية والإمارات وقطر، وبعدها أصبح التطبيع بين دول الخليج وبين إسرائيل خيارا ممكنا. كما صرح وزير الخارجية البشير إبراهيم غندور أن السودان لا تمانع من دراسة إمكانية التطبيع مع إسرائيل. وهو أمر أعتقد السودان في ذلك الوقت أنه الطريق المثالي لإزالة السودان من قائمة الإرهاب الامريكية واستمرار حكم البشير الدكتاتوري المبني على الفساد.
حاليا، يسعى الجانب العسكري في الحكومة السودانية الانتقالية لجذب الانتباه الأمريكي وإرضاء القوى الإقليمية التي تدعم قيام حكومة عسكرية في السودان. وهناك مخاوف من أنه يستغل الجانب العسكري ورقة التطبيع في هذا الأمر ويسير في نفس خطى حكومة البشير لتدعيم حكمة والتأثير على التحول الديموقراطية والانتقال السلمي المتوقع في 2022.
من خلال التفاوض مع الجناح العسكري في السودان قد تلعب إسرائيل دورا يصب في مصلحة الفصيل العسكري السوداني. ومع ذلك، فإن إقامة علاقات متوازنة ومستمرة مع السودان لا يجب أن تكون عن طريق المكون العسكري وتجاهل المكون المدني، فالمزاج العام في الشارع السوداني حاليا هو ضد النظام السابق والذي كان يرفع شعارات المعادية لإسرائيل لعقود وهو يبحث حاليا عن علاقات سلام مع العالم. ولكن هذا قد يتغير إذا ارتبط الأمر بالعسكر وبتشريع بقائهم في الحكم.
ومن هنا يجب على إسرائيل أن تبحث عن صداقة وعلاقة حقيقة مع السودان تضمن عدم رفض الشارع السوداني لها في المستقبل، فتجاهل الطرف المدني لن يصب في مصلحة إسرائيل في المستقبل، حيث أن قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين الحاضنة الرئيسية لحمدوك تتمتع بتأثير كبير على الشارع السوداني
وعلى الجانب السوداني، يجب على حمدوك أن يقوم بفتح نقاش سياسي عام مع القوى السياسية الداخلية وعمل حوار وطني حول هذه المسالة حتى لا تكون عبارة عن نقاش سري بين قنوات سرية وإقليمية ومؤامرات على الطريقة الشرق أوسطية بل واعتقد أن مسألة عرضها لاستفتاء شعبي هو واجب لحكومة تمهد لانتقال ديموقراطي وفي حالة الترجيح الشعبي يجب على السودان فتح قنوات تواصل علنية وشفافة مع تل أبيب تنسجم مع السودان الجديد الذي يرغب بالانفتاح وبناء علاقات أساسها هو مصلحة السودان أولا.