- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المعارضة الجزائرية والدوران في حلقة مفرغة
مثلما كان متوقعا أعلنت العديد من أحزاب المعارضة في الجزائر قرارها بالمشاركة في الانتخابات التشريعية (النيابية) المقررة في الرابع مايو/ آيار المقبل، وفي الواقع فإن هذا القرار لم يكن مستغربا من أحزاب عجزت عن التوافق على مشروع سياسي يخرج البلاد من أزمتها.
رغم أن المعارضة تمكنت خلال العامين الأخيرين من تجاوز خلافاتها الأيديولوجية والسياسية ، من خلال الإعلان عما يسمى ب هيئة التنسيق والمتابعة للمعارضة ، والتي ضمت لفيفا من الأحزاب الإسلامية والديمقراطية والقومية ، توافقت على ما سمي بمشروع الانتقال الديمقراطي ، وهي خارطة طريق لتحقيق التغيير السلمي في البلاد، وقد توصلت إليها هذه الأحزاب خلال تجمعها في مؤتمر مزفران واحد يونيو/حزيران 2014 ،وفى مارس 2016 ، غير أن هذا التوافق لم يكتب له النجاح ، وفشل أمام أول اختبار رغم دعوات البعض بالمقاطعة، حيث سارعت العديد من قوى المعارضة إلى إعلان مشاركتها في هذا الاستحقاق الانتخابي ، وهو ما فجر جدلا واسعا وتسبب في تراشق الاتهامات بين مختلف القيادات السياسية.
وفي الواقع الأحزاب المعلنة لقرار المشاركة هي مجبرة لا مخيرة، فالمجال الوحيد لتحرك المعارضة بعيدا عن مختلف الأعراس الانتخابية هو البرلمان الذي تمارس فيه شغبها ضد السلطة، وتضمن ظهورها عبر وسائل الإعلام، من خلال بيانات، وأسئلة كتابية موجهة لأعضاء الحكومة، تنتهي بها الرحلة في الأدراج المظلمة لرئيس البرلمان العربي ولد خليفة، أو المكاتب الدائرة في فلكه. وبعيدا عن تلك النداءات المتكررة لإنشاء “هيئة مستقلة لتنظيم ومراقبة العملية الانتخابية"، فأحزاب المعارضة لا تمتلك مشاريع سياسية متكاملة تعمل على تحقيقها وفق رؤية استراتيجية طويلة الأمد، تضمن تحقيق مشروع الانتقال الديمقراطي.
وهناك خيار ضمني أخر يتمثل في النزول إلى الشارع واللجوء إلى العنف لتغيير النظام، لكن الجزائريون ما زالوا يتذكرون جيدا ما جرى في مرحلة التسعينات من أحداث دموية تسببت في مقتل أكثر من 200 ألف شخص حسب إحصاءات رسمية، وما زالوا يشهدون ما يحدث حاليا من فوضى في دول الربيع العربي.
المعارضة تبرر مشاركتها في البرلمانيات القادمة بحجة السعي لامتلاك أدوات القوة، بينما غالبية المتتبعين يتساءلون أية قوة ستجنيها من مؤسسة لا يمتلك فيها النائب سوى حق الذهاب في نهاية الشهر إلى البنك للحصول على مرتبه، وعدا ذلك فإن هذه الأحزاب ستتحول إلى شاهد زور لا غير على كل مشاريع القوانين التي تمررها الأغلبية النيابية.
عملية التغيير التي ينبري لها كل حرّ ومخلص، لا يمكن أن تتحقق فقط بالرغبة، والرجاء، والنوايا الحسنة، والخطابات الرنانة والحماسية، لكنها تستدعي عملا متواصلا، ممنهجا، وفق رؤية استراتيجية واضحة المعالم، لا ردود أفعال مناسباتية سريعا ما تختفي آثارها مع اختفاء وزوال مسبباتها.
أدوات القوة الحقيقية التي يجب أن تتحصل عليها المعارضة تتمثل في المساهمة ودعم النقابات المستقلة، والتي تدافع عن حقوق العمال المهضومة، هذه الفئة التي تصارع الآن لوحدها، وفي كل المجالات، في وجه قوانين جائرة تعصف بمصير ومستقبل الآلاف من الأسر الجزائرية، ولعل ما حدث مع موضوع إلغاء التقاعد النسبي خير دليل، حيث لم تتمكن لا الأحزاب السياسية، ولا النقابات العمالية، ولا نواب البرلمان من إلغاء القانون المجحف إلا يعد تدخل الرئيس بوتفليقة شخصيا، والذي أجل تطبيق القانون إلى ما بعد 2019 تاريخ نهاية ولايته الرئاسية الحالية. وكان من المتوقع أن يؤدى هذا القانون إلى زيادة حدة مشكلة البطالة بين الشباب الذين يشكلون نسبة كبيرة من الباحثين عن عمل.
تعتبر وسائل الإعلام المؤثرة أيضا احدى أدوات القوة، خاصة أننا في عام 2017 ومن غير اللائق أن تتحدث وتتباكى المعارضة على غلق مجال الإعلام في وجهها. والواقع يقول إذا منعت الأحزاب من تطوير مواقعها الإلكترونية التي تعيش تخلفا رهيبا، فلا يوجد هناك مانع من استغلال منصات الإعلام الإلكتروني، هذه المنصات التي خاض غمارها مجموعة من الشباب أزعجوا بها السلطة، لدرجة دفعت الرئيس شخصيا للتحذير من آثار هذا النوع من الإعلام، من يمنع المعارضة من ولوجها واستغلالها وصناعة رأي عام مساند لها.
وإذا كانت المعارضة تتحجج بغلق مجال السمعي البصري، فمن يمنعها من إنشاء إعلامها الخاص؟
واللافت أن أحزاب المعارضة ينضوي تحت لوائها العشرات من رجال المال والأعمال، غير أن هؤلاء لا يستثمرون في قطاع الإعلام، وتأتي الحاجة الملحة لانخراط هؤلاء في هذا المسعى في ظل الأزمات المالية التي تعاني منها الصحف الخاصة بسبب غلق منابع الإشهار والإعلان عنها كون سوق الإشهار الذي تتحكم فيه الحكومة يشهد تراجعا كبيرا بسبب تهاوي أسعار النفط، وبالتالي فإن تدخل رجال المال المستقلين عن الحكومة يمكن أن يساهم في إنقاذ العشرات من الصحف المهددة بالإفلاس، ويساعد المعارضة على الوصول إلى وسائل الإعلام التقليدية.
أدوات القوة الحقيقية تتمثل في إنشاء وتأسيس شبكة مالية في هيئة اقتصادية تنافس منتدى رجال الأعمال، وهو المنتدى الذي يقبع تحت وصاية الحكومة، من يمنع المعارضة من لم شمل تجارها ورجال أعمالها في تكتل اقتصادي مؤثر تدافع به عن خياراتها الاقتصادية.
القوة الحقيقية تتمثل في عدم الانزواء والانكفاء في المكاتب المغلقة، وإصدار البيانات في الفنادق الفخمة ولكن بالتغلغل وسط المجتمع الجزائري، وملامسة همومه، ومساندة المنظمات المدنية، والدفع بالعمل الخيري والاجتماعي للأمام.
وعلى الأحزاب ألا تكتفي بالنشاط السياسي بل يجب أن تساهم بأنشطة تبرز القيم الثقافية وتبيّن الوجه الحضاري الحقيقي للمجتمع الجزائري، أم أن السلطة تقف في وجه ذلك؟
ثم من يمنع المعارضة من إنشاء مركز تفكير مستقل يحدد لها خططها المستقبلية على عدة مستويات، وتتم دعوة خبراء الجزائر للمشاركة فيها؟
على الرغم من فشل المعارضة الجزائرية في التوصل إلى اتفاق على المستوى الإقليمي، يمكن للأحزاب السياسية الجزائرية أن تلعب دور الوسيط بين حكومتها وبين الأحزاب السياسية المؤثرة في المنقطة المغاربية وبشكل خاص الأحزاب الإسلامية التي تمتلك معها شبكة علاقات قوية.
في زمن يرفض فيه التقدم السياسي والاقتصادي، فإننا نقول أن المعارضة مصيرها إلى زوال إذا لم تبادر بمراجعة جذرية وعميقة لسياساتها من خلال الاستفادة من تجارب ألثلاث عقود التي تمثل عمر التعددية الحزبية، لكن الذي يحدث أن نفس الممارسات ونفس الخطابات ونفس الأشخاص من أولئك الذين عهدناهم في تسعينيات القرن الماضي، وسبب ذلك أن أغلب قادة المعارضة، هؤلاء كل واحد فيهم يرى في نفسه "القائد الملهم" ويرفض الانصياع لحركة التاريخ وسنن الكون، من خلال رفض فكرة التداول على المناصب القيادية، والسماح للجيل الجديد من و النشطاء الشباب بتولي مناصب حزبية قيادية، والمحزن في ذلك أن جحافل "المناضلين" ما زالوا يؤمنون بفكرة "القائد المعصوم".