صحيحٌ أن المعارضة الإيرانية اصطفت إلى جانب حركة الاحتجاج التي شهدتها البلاد مؤخرًا، لكن البراهين على قدرتها على الاضطلاع بدور تنظيمي أو قيادي في الاحتجاجات المستقبلية لا تزال محدودة.
قوى المعارضة الإيرانية
ولّدت الحركة الاحتجاجية التي حملت شعار "امرأة، حياة، حرية" بعد مقتل مهسا (جينا) أميني على أيدي الشرطة الشرعية الإيرانية تضامنًا غير مسبوق ومطالبات بالتغيير، على الرغم من الجهود الهائلة التي بذلها النظام لقمع الاحتجاجات.
ومع أن بعض المحللين أشاروا إلى أن تغيير النظام بات وشيكًا، إلا أن هذا التغيير لا يمكن أن يحدث إلا إذا أصبح لهذه المطالب مركز قيادة وسلطة وطنية تتألف من مجموعات مختلفة وأفراد متنوعين يمثلون المعارضة الإيرانية. ولكن بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر، يبدو أن قوى المعارضة الإيرانية عاجزة عن إنشاء مثل هذه القيادة أو تقديم مساهمات ذات مغزى في الحركة على الأرض.
يمكن تصنيف جماعات المعارضة ضد الجمهورية الإسلامية ضمن ست فئات: الجماعات العرقية، والقوميون، والملكيون، واليساريون، والمسلمون التقدميون، و"منظمة مجاهدي خلق الإيرانية."
وحتى ضمن هذه الفئات، قد تبرز تفاوتات كبيرة في الأيديولوجية والتركيبة. على صعيد المجموعات العرقية مثلًا، تتمتع عادةً الأحزاب الكردية بالنفوذ الأكبر، ويمثلها كل من "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" وحزب "كوملة." وبين القوميين، تعتبر "الجبهة الوطنية" والتيارات المرتبطة بها الأطراف الأبرز. أما الجناح "اليساري" في إيران فهو أكثر تنوعًا بعض الشيء ويشمل "سازمان فدائیان خلق ایران" (اکثریت) و"حزب اليسار الإيراني" و"حزب توده الإيراني" و"اتحاد الجمهوريين الإيرانيين."
وهذه هي أيضًا حال مجموعة الملكيين في المعارضة، إذ تتكون هذه الفئة من عدة مجموعات صغيرة وكبيرة، بعضها يدعم الأمير رضا بهلوي والبعض الآخر يعارضه. والكيان الملكي الأكثر شهرة هو "الحزب الدستوري الإيراني" (الديمقراطيون الليبراليون). ولكن في خضم الاحتجاجات الأخيرة، ظهرت منظمات ملكية جديدة، منها "حزب إيران نوفين" الذي أسسته شبكة سياسية تدعى "فرشكرد" (أي "إيران النهضة") تدعم الأمير.
على النحو نفسه، ينقسم المسلمون التقدميون المناهضون للنظام إلى عدة تيارات ومجموعات لها آراء متضاربة حول النظام الإسلامي. ويندرج الإصلاحيون عادةً، ممّن دعوا سابقًا إلى إجراء تغييرات إصلاحية مع الحفاظ على النظام الحالي، ضمن هذه الفئة عندما يبتعدون عن النظام. والمثال الأحدث على ذلك هو مير حسين موسوي، رئيس وزراء الجمهورية الإسلامية السابق، الذي صرّح في رسالته الأخيرة بأنه يعتقد بأن تنفيذ الإصلاحات في ظل النظام أمر مستحيل. والواقع أن المواقف المماثلة موجودة بشكل واضح وملحوظ داخل إيران.
بالإضافة إلى ذلك، تضم المعارضة الإيرانية أيضًا عدة شخصيات مؤثرة ممّن لا يتفقون بالضرورة مع أي حزب، ولكنهم يعارضون النظام في الوقت نفسه. ويشمل هؤلاء مسيح علي نجاد، والأمير رضا بهلوي، وحامد إسماعيليون، وعلي كريمي، وشيرين عبادي، ونازانين بنيادي، والإمام السني من مدينة زاهدان مولوي عبد الحميد. وتضم هذه القائمة أيضًا الكثير من الكتّاب والمثقفين والفنانين والناشطين المؤثرين الذين عارضوا النظام الإسلامي علنًا، ناهيك عن عدد لا يحصى من الأصوات المعارِضة.
والجدير بالذكر هو أن هذه التجمعات تفتقر منذ فترة طويلة إلى التنظيم والتنسيق سواء على الصعيد الداخلي أو بين بعضها بعضًا. ومع أنها تتفق كلها في معارضتها للنظام، إلا أن تناقضاتها في التعامل مع المعضلة الحالية وفي تبنّي استراتيجيات النضال المتبادل تحول دون تضامنها.
وقد تجلى غياب التنسيق بين أصوات المعارضة بشكل خاص خلال الاحتجاجات الأخيرة. ففي حين ظهرت مجموعات مركّبة مثل قرار الجمعية الوطنية (شوراي ملى تصميم) ومجلس إدارة المرحلة الانتقالية الإيراني في السنوات الماضية لدعم الاحتجاجات الشعبية، ما من أدلة مهمة على أن الاحتجاجات الأخيرة كانت بأي شكل من الأشكال منظمة أو منسقة من قبل أي من جماعات المعارضة، لا بل الواقع أنه ليس واضحًا إلى أي مدى كان المتظاهرون مبالين برسائل المعارضة.
وفي حين أعربت جماعات المعارضة في كثير من الأحيان عن رغبتها في الإطاحة بالنظام الإسلامي، لا يبدو أنها متفقة بالإجماع على شكل هذه الإطاحة. وحتى في الحالات التي دافع فيها المتظاهرون صراحةً عن النظام الملكي، لا يبدو أن أحزاب المعارضة الفعلية الموالية للملكية لها أي علاقة بتنظيم مثل هذه المطالب أو تشجيعها.
عيبان
من ناحية تنظيم الاحتجاجات الحالية في إيران وقيادتها، بدا أن المعارضة الرسمية للنظام قد تأخرت في التصرف إذ تخلفت عن الاحتجاجات الجارية، بينما بقي هذا الأخير متقدمًا بعدة خطوات. تسلط هذه الظاهرة الضوء على عيبين يشوبان جماعات المعارضة الإيرانية منذ مدة طويلة، وهما الخلافات المتأصلة التي تطبع محاولات التنسيق الداخلي والخارجي، والطريقة التي تحبط بها هذه الخلافات محاولات المعارضة لتقديم قيادة قادرة على قيادة حركة شعبية داخل إيران.
يعود غياب التنسيق هذا إلى عدة عوامل مختلفة. من جهة، تجد جماعات المعارضة الإيرانية نفسها مقيّدةً بأيديولوجياتها الخاصة. إذ تؤمن مثلًا "منظمة مجاهدي خلق الإيرانية" بشدة بقيادة المجاهدين وأهدافهم لدرجة أنها تعتبر نفسها القائدة الوحيدة للثورة المستقبلية في إيران. ونتيجة لذلك، لا ترى حاجة إلى التحالف مع القوى الأخرى أو حتى تنسيق الجهود للاحتجاجات. وعلى الرغم من كونها ربما جماعة المعارضة الأكثر خبرة، فهي لم تبرز خلال الاحتجاجات الحالية، وما من دليل على ترداد شعار واحد لصالحها داخل إيران.
من جهة أخرى، إن تشجيع الانقسامات داخل الجماعات السياسية المعارضة في إيران هو جزء من الاستراتيجية التي يتبعها النظام للحد من فعاليتها. فإحداث الفتنة بين جماعات المعارضة هو أحد الأساليب المعروفة التي تستخدمها الجمهورية الإسلامية لتفرّق وتسود. وقد أتقن النظام هذه الاستراتيجية أثناء الاحتجاجات الأخيرة، إذ نشر سردية مفادها أن المظاهرات "انفصالية" بطبيعتها بهدف عزل بعض جماعات المعارضة، وتحديدًا الجماعات العرقية، عن التيارات الأخرى. وعلى المنوال نفسه، فرض النظام سردية تحصر فكرة الإطاحة بالنظام بمطلب أخف هو التحرر من الحجاب الإلزامي.
في حين أن الأقليات العرقية المعارِضة قد تتحد معًا من خلال جهود مثل "مركز تعاون أحزاب كردستان إيران" أو مؤتمر القوميات لإيران فيدرالية" الذي يضم عددًا من المجموعات العرقية الأكثر نفوذًا في إيران، إلا أن التعاون على نطاق أوسع لا يزال حقيقة بعيدة.
القيادة الوطنية وحركة الاحتجاج الجديدة
بطبيعة الحال، بذلت المعارضة جهودًا كثيرة للعمل المشترك، وأكدت معظم الشخصيات والجماعات النافذة على ضرورة تشكيل ائتلاف. حتى أنه صدرت إعلانات مشتركة عن الجماعات الجمهورية والقومية، بما في ذلك إعلان من شخصيات معروفة، ورسالة جماعية من مشاهير سياسيين معروفين في 1 كانون الثاني/يناير 2023، وخطط لمختلف "البرلمانات المنفية" و"مجالس نقل السلطة" وما إلى ذلك. ويشكل "التضامن من أجل حرية إيران"، أو "جبهة هفت أبان"، في بروكسل مثالًا حديثًا آخر.
ولكن مظاهر التضامن الوطني هذه لا تولد تلقائيًا القيادة الوطنية اللازمة لتحقيق الحرية. فهذه القيادة قد تتطور بعدة طرق. يقترح البعض أن القيادة الوطنية اللازمة لقيادة حركة ما تنبثق بشكل عفوي وطبيعي من الحركة نفسها، بينما يجادل آخرون بأن القيادة تنبع من قرار النخب الديمقراطية المرتبطة بالحركة المذكورة، ومن إرادتها ومخططاتها. وعلى الرغم من أن هذين الخيارين المحتملين كانا موضوع نقاشات مختلفة في الأشهر الأخيرة، يبدو أن الخيار الثاني هو على الأرجح الأكثر ثباتًا واستدامة. ولكنه لسوء الحظ الخيار الأقل احتمالًا في حالة إيران، أقله في الوقت الراهن.
في الواقع، يوجد حاليًا عدد كبير من "القادة" بين جماعات المعارضة. ولكن حتى الآن، لا يبدو أن أيًا منهم قادر على تنسيق مجموعاته وفصائله السياسية، ناهيك عن تشكيل ائتلاف وطني. ومن أجل الخروج بقيادة مستقبلية تقود الحركة السياسية في إيران، يجب على الأحزاب الكثيرة والأفراد المتعددين الذين يأملون الانتقال إلى الديمقراطية أن يتوصلوا إلى اتفاق جماعي تسترشد به الجهود اللاحقة.
إذا فشلت المعارضة في تشكيل ائتلاف وخفّف النظام تدابيره القمعية بوجه الاحتجاجات، فمن الممكن أن تظهر انشقاقات جديدة داخل النظام بعد وفاة خامنئي. وفي ضوء ذلك، قد يصبح النظام أكثر مرونة ويعمل على ضمّ فصائل المعارضة الأقل تعنّتًا تحت جناحه لمجرد الحفاظ على الوضع القائم وتأليب جماعات المعارضة بعضها ضد بعض.