- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المغرب والجزائر يغازلون إفريقيا: الاتحاد الأفريقي يظهر مدى جودة هذا الأمر
تعتبر التحولات في السياسة القارية الإفريقية، الى جانب اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية من مكونات الخلاف المتعمق بين المغرب والجزائر.
في حين ركزت وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية والمحللون بشكل كبير على أزمة الخليج والأزمات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أنها تغاضت عن النزاع طويل الأمد على القائم على أعتاب أوروبا والذي إن لم يتم التعامل معه من خلال الدبلوماسية وخفض التصعيد والوساطة، يمكن أن يكون له تداعيات جيوسياسية واقتصادية وأمنية وإنسانية على كل من أوروبا والولايات المتحدة على المدى البعيد.
وصلت الخصومة القائمة منذ عقود من الزمن بين المغرب والجزائر إلى ذروة جديدة خلال الأشهر القليلة الماضية بعد سلسلة من الضربات الدبلوماسية التي وجهها المغرب إلى الجزائر، أحدثها كان اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، حيث شكّل القرار مفاجأة للمسؤولين الجزائريين، كما أدى الذي أحرزه المغرب في الصحراء الغربية خلال السنوات الأربع الماضية الى تفاقم استياءهم.
وقد أدى قرار المغرب بإحياء الروابط الدبلوماسية مع إسرائيل إلى حملة إعلامية انتقادية واسعة غير مسبوقة ضد الرباط، وكان القاسم المشترك لحرب الإهانات هذه هو الإيحاءات المعادية للسامية حيث وصفت وسائل الإعلام الجزائرية والمسؤولين رفيعي المستوى مرارًا هذه الخطوة بأنها محاولة "صهيونية" لزعزعة الاستقرار في الجزائر ويشار دائمًا إلى إسرائيل باسم "الصهاينة" أو "الكيان الصهيوني". كما يتم تصوير اليهود في وسائل الإعلام الجزائرية بشكل صادم على أنهم مصدر خطر على الجزائر ووصف العاهل المغربي على أنه العمود الفقري لهم.
ومما زاد الطين بلة، هو وصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في إحدى أولى إطلالاته العلنية بعدما أمضى أربعة أشهر في مستشفى في ألمانيا بسبب إصابته بـ "كوفيد-19"، المغرب على أنه "محتل" للصحراء الغربية وتلك الأرض على أنها "المستعمرة الأخيرة في أفريقيا". ورغم مطالبة العديد من المغاربة على وسائل التواصل الاجتماعي الحكومة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر ردًا على ذلك، تجاهلت المملكة تعليقات الرئيس.
وأتت هذه الخطوات في وقت تشهد فيه الجزائر اضطرابات داخلية غير مسبوقة – فعجز الدولة عن مواجهة جائحة "كوفيد-19" والأزمة الاقتصادية التي فاقمها هبوط أسعار النفط واستنزاف خزينة الدولة، كلها عوامل تُعتبر بمثابة تذكير مدوٍ للمراقبين بأولويات النخبة الحاكمة في الجزائر. وفي هذا السياق، لا تزال المصالحة بين المغرب والجزائر مجرد سراب.
اعتاد القادة الجزائريون لأكثر من ثلاثة عقود على وضع المغرب في موقف دفاعي، ويبدو أنهم في حيرة من أمرهم بشأن الاستراتيجية التي يجب تبنيها للتكيف مع تبدل ميزان القوة في إفريقيا ومنع المغرب من حشد المزيد من الدعم الدبلوماسي في الصحراء الغربية. سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي، يبدو أن الجزائر غير قادرة على مواكبة سياسة المغرب الخارجية التطلعية والحازمة وتصميمها على لعب دور قيادي في السياسة الأفريقية، فضلاً عن إنهاء نزاع الصحراء الغربية.
القمة الإفريقية تكشف محدودية النفوذ الجزائري المتضائل
شكّلت قمة الاتحاد الأفريقي في دورتها الـ 34 التي عُقدت افتراضيًا في 6 و7 شباط/فبراير، حلقة جديدة مهمة في السباق الإقليمي الشرس بين المغرب والجزائر في أفريقيا. وقد أظهرت القمة وما أعقبها مرة أخرى بوضوح الانشقاق بين دولتي المغرب العربي.
وقبل انعقاد القمة، قام وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم بجولة أفريقية لحشد التأييد لأجندة بلاده وزيادة دعمها خلال قمة الاتحاد الأفريقي المقبلة من أجل تقويض الزخم السياسي الذي حصده المغرب خلال الأشهر القليلة الماضية.
لكن الجهود الجزائرية فشلت مع تحول ميزان القوى في إفريقيا تدريجيًا لصالح موقف المغرب. وقد بدأت هذه العملية مع عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الأفريقي قبل 4 سنوات، ما يعكس عزم البلاد التوحد مجددًا مع أسرتها الأفريقية واستعادة مكانتها الشرعية ضمن الاتحاد.
وتؤكّد الإنجازات السياسية والدبلوماسية التي حققها المغرب خلال هذه الفترة بوضوح قرار المملكة باستعادة مقعدها في أديس أبابا. فقد كان التحرر من سياسة المقعد الفارغ التي انتهجها في أفريقيا أحد أهم القرارات السياسية المتخذة تحت قيادة الملك محمد السادس. لكن المغرب ما كان أبدًا ليغيّر مقاربة الاتحاد الأفريقي إزاء الخلاف على الصحراء الغربية لو لم ينضم مجددًا إلى هذه الهيئة القارية.
ويعكس الهجوم الشرس الذي شنه الإعلام الجزائري مؤخرًا على المغرب والنقد اللاذع للملك محمد السادس مخاوف الجزائر إزاء المكاسب التي حققها المغرب خلال السنوات الأربعة الماضية.
ومن ثم، يجب وضع هذه الهجمات في سياقاتها الإقليمية والعالمية، حيث جاءت الهجمات بعد أن استطاع المغرب كبح نفوذ الجزائر في إفريقيا وتحييد مكائدها منذ ما يقرب من أربعة عقود عندما كان المغرب غائبا عن الاتحاد الأفريقي.
أثر عضوية المغرب في الاتحاد الأفريقي
طيلة ما يقرب من 40 عامًا، كان المغرب لا يتواصل سوى مع عدد من دول غرب أفريقيا، وكان تأثير البلاد خارج هذا المحيط ضئيلًا حيث ألحق انسحابه من الاتحاد الأفريقي الضرر بالبلاد ومنعه من الاضطلاع بدور أكثر فعالية في القارة.
في غضون ذلك، بذلت الجزائر جهودًا أكبر بكثير لحث الدول الأفريقية على تأييد موقفها من الصحراء الغربية. لكن هذا الأمر تغيّر في مطلع العام 2014. فقد كان تعيين رئيس موزمبيق السابق جواكيم شيسانو مبعوث الاتحاد الأفريقي الخاص للصحراء الغربية، أحد المحفزات التي دفعت بالمغرب إلى إعادة النظر في سياسته الأفريقية بالكامل، والتفكير باستعادة مقعده ضمن الاتحاد الأفريقي.
وخلال السنوات العديدة الماضية، سعى المغرب إلى تغيير هذه الديناميكية، حيث قام الملك محمد السادس بأكثر من 50 زيارة إلى أكثر من 26 دولة أفريقية بين عامي 2000 و2017. وعلى النقيض، كانت الجزائر غائبة بشكل واضح وافتقرت إلى أي استراتيجية للتنافس مع المغرب أو تقديم بديل عن البلدان الأفريقية.
توج هذا الزخم الجديد بعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في كانون الثاني/يناير 2017. وبعد عودته إلى الاتحاد، سعى المغرب إلى أن يحل محل الجزائر وعمل على تفكيك محور أبوجا-الجزائر العاصمة-بريتوريا.
وقرر المغرب الخروج من دائرة الراحة في غرب أفريقيا ساعيًا لحشد دعم الدول في شرق وجنوب أفريقيا. وقد نجحت الجهود الدبلوماسية في إقناع نيجيريا وإثيوبيا بالحفاظ على الحياد الإيجابي في الخلاف على الصحراء الغربية. وقد أثبتت الشراكة التي ضمنها المغرب مع نيجيريا قبل 4 سنوات تبدل ميزان القوة في القارة الأفريقية.
وقبل عودة المغرب إلى الاتحاد، عوّلت الجزائر لفترة طويلة على محور أبوجا-الجزائر العاصمة-بريتوريا لتطبيق أجندتها ضمن الاتحاد الأفريقي ورسم مواقف المنظمة من العديد من القضايا الإقليمية. ومن أبرز القضايا التي استخدمت فيها هذا التكتيك كانت الصراع على الصحراء الغربية، من أجل ممارسة الضغوط على الرباط وإضعاف حظوظها بالاحتفاظ بسيادتها على الأرض. وبفضل سيطرتها على هيكلية صنع القرار في الاتحاد الأفريقي، تمكنت الجزائر من إضافة منصب المبعوث الشخصي للاتحاد إلى الصحراء الغربية وتكليف رئيس موزمبيق السابق جواكيم شيسانو بهذه المهمة.
ومنذ تعيينه ولغاية العام 2017، عمل شيسانو على التشديد على دور الاتحاد الأفريقي في إنهاء الخلاف على الصحراء الغربية بما يتماشى مع أجندة الجزائر وذلك وسط ممارسة الضغوط على المغرب في الأمم المتحدة ومن خلال عدد من الإحاطات ذات الصلة المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي.
ومع ذلك، لم تدم تجربة شيسانو طويلًا وسرعان ما أصبح منصبه غير ملائم. وخلال القمة الـ31 التي عقدت في موريتانيا في تموز/يوليو 2018، قال الاتحاد الأفريقي إن إدارة الصراع تقع ضمن نطاق سلطة الأمم المتحدة الحصرية، مشددًا على أن دوره محصور بدعم العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. وشكّل هذا القرار المهم لحظة حاسمة، كما فتح الباب على مصراعيه أمام فترة من الانتكاسات الديبلوماسية غير المسبوقة بالنسبة للجزائر.
الرباط وأبوجا
يعتبر توطيد المغرب مؤخرًا لعلاقاته الثنائية في المجالين الاقتصادي والسياسي مع نيجيريا مثالًا على هذه الجهود. فقد هيّأت زيارة الملك محمد السادس إلى نيجيريا في كانون الأول/ديسمبر 2016 وزيارة الرئيس النيجيري إلى المملكة في حزيران/يونيو 2018 الأرضية اللازمة لحقبة جديدة من التعاون الذي يعود بالفائدة على الطرفين.
وخلال فترة قصيرة من الوقت، نجح المغرب في بناء الثقة مع نيجيريا بفضل السياسة الأفريقية التي نفذها على مدى العقد الماضي. وقد تُرجم هذا التقارب بإطلاق مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي سيغيّر ميزان القوة المستقبلي.
كما عزّز الاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك محمد السادس مع نظيره النيجيري محمد بخاري في 31 كانون الثاني/يناير التواؤم بين مصالح البلدين الاستراتيجية وعزمهما على الاستفادة بالكامل من الإمكانيات التي تتيحها علاقاتهما الثنائية. وشدّد الرئيسان على تمسكهما بقرب العلاقة بينهما والمضي قدمًا في مشروع خط أنابيب الغاز. وفور إتمامه، سيمكّن هذا المشروع نيجيريا من تصدير مواردها من الطاقة إلى أوروبا. وبدوره، سيبني المغرب مصنعًا للأسمدة في نيجيريا بحلول العام 2023، من خلال المجموعة الحكومية العملاقة في مجال تصدير الفوسفاط "المكتب الشريف للفوسفاط".
وبدأت سياسة اليد المفتوحة التي ينتهجها المغرب إزاء نيجيريا تؤتي ثمارها أساسًا. فرغم أن نيجيريا لم تقرر بعد تعليق اعترافها بالجمهورية التي تطلق على نفسها تسمية "البوليساريو" (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب)، إلا أنها تبنت مؤخرًا نهج الحياد الإيجابي. ولغاية العام 2015، قررت نيجيريا دعمها لجبهة البوليساريو خلال الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد في أيلول/سبتمبر من كل عام. ولم تدعم نيجيريا الجبهة فحسب، بل ساوت قضية الصحراء الغربية بالظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون.
وبينما كانت معالم الطبيعة الجديدة للعلاقات بين المغرب ونيجيريا ترتسم، اختفت الصحراء الغربية من خطاب نيجيريا السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. والأكثر من ذلك، غيرت نيجيريا خطابها ولم تعد تُظهر تحيزًا تجاه أجندة الجزائر. وبدلًا من ذلك، انضمت نيجيريا إلى مجموعة الدول التي تطالب طرفي النزاع بالتوصل إلى حل سياسي يوافقان عليه عملًا بقرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
علاوةً على ذلك، وبعد زيارة وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم إلى أبوجا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نشرت وزارة الخارجية النيجيرية بيانًا لم تأتِ فيه على ذكر الصحراء الغربية.
مثل البيان انتكاسة خطيرة لكبير الدبلوماسيين الجزائريين. وجاءت جولته الإفريقية في أعقاب قرار المغرب بطرد أعضاء البوليساريو من معبر الكركرات وكان هدفها حث الدول الإفريقية على إدانة تحرك المغرب.
انقسام قاري متبدل
أظهرت قمة الاتحاد الأفريقي الـ 34 التي عُقدت في أديس أبابا الشهر الفائت بوضوح النفوذ الجديد الذي تتمتع به الجزائر. فالجزائر لم تعد تشغل أي مقعد في مجالس ولجان الاتحاد، بما فيها "مجلس السلم والأمن"، الذي ترأسته منذ العام 2008.
وخلال القمة، أُعيد انتخاب رئيس تشاد السابق موسى فكي لرئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي لأربع سنوات، الذي تعتبره الرباط مؤيدًا لمصالحها. كما جرى انتخاب رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية – وهي إحدى الدول الأفريقية الخمس عشرة التي فتحت قنصلية لها في الصحراء الغربية بناء على طلب المغرب – لتولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي. فضلًا عن ذلك، لم تتطرق القمة إلى مسألة الصحراء الغربية رغم محاولات الجزائر وجنوب أفريقيا إدراجها على جدول الأعمال.
هذا ويُعتبر أن تكون دول على غرار زامبيا – التي كانت اعترفت بالجمهورية التي تطلق على نفسها تسمية "البوليساريو" – فتحت قنصلية لها في الصحراء الغربية دليلًا على تقهقر نفوذ الجزائر في أفريقيا وتبدّل ميزان القوة في القارة. وتدرك الجزائر أن هذه التطورات ليست سوى خطوات أولية وأن الدول الأفريقية الأخرى ستسير على الأرجح على الخطى نفسها، وهو ما يمثل ضربة أخرى لطموحها في إنشاء دولة تابعة لها في جنوب المغرب.
ويبدو أيضًا أن الجزائر تدرك أن طرد البوليساريو من الاتحاد لم يعد مسألة قرار، بل وقت، حيث تشهد حاليا كيف أن قواعد اللعبة السياسية في الاتحاد الأفريقي قد تغيرت وبدأت تميل تدريجياً لصالح المغرب.
تدرك الجزائر أن الوقت يميل لصالح المغرب، الذي أظهر عزمه على زيادة الدعم الدولي لبسط سيادته على الصحراء الغربية. ومن هذ المنطلق أصبح المغرب الآن يقف على أرضية اقوى خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصراء العربية وهو ما عزز الإجماع العالمي حول الحاجة إلى إيجاد حل مقبول للطرفين على أساس خطة الحكم الذاتي المغربية. إن زيادة الدعم الدولي الموجهة للمغرب سيؤدى الى زيادة فرص التوصل إلى حل سياسي، وتراجع فرص الجزائر في تسليح البوليساريو ضد المغرب.
التداعيات على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
وفى مواجهة هذه التطورات التي تهدد بزعزعة الاستقرار في واحدة من آخر ملاذات السلام المتبقية في المنطقة، يجب ألا يبقى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مكتوفي الأيدي. إن التصعيد الأخير لوسائل الإعلام الجزائرية والهجمات الكلامية ضد المغرب يعكس عقلية المحصلة الصفرية للنخبة الحاكمة الجزائرية، وعدم قدرتها على التسوية واستعدادها لاتخاذ إجراءات متطرفة قد تهدد وضعها الداخلي والخارجي إذا ما تغير الوضع القائم.
رغم موجات الاحتجاجات المستمرة التي ينظمها الشعب الجزائري منذ شباط/فبراير 2019 ودعواتهم إلى تغيير النظام وإقامة دولة مدنية محررة من قبض الجيش؛ ورغم رغبة المغرب واستعداده لفتح فصل جديد في العلاقات بين الجزائر والرباط، يبدو أن النخبة الحاكمة الجزائرية عازمة على التمسك بالسلطة وإبقاء المغرب العربي في حالة من السلام البارد. ويمكن لهذا الموقف أن يتطور بسرعة إلى مواجهة عسكرية.
تواجه الجزائر أزمة داخلية تشكك في وضعها واحتجاجات شوارع مصممة على إنهاء احتكار المؤسسة العسكرية للسلطة، وسياق إقليمي عان فيه الجزائر من ضربات دبلوماسية متتالية من قبل المغرب. لذلك، هناك احتمال أن تطلق الجزائر مواجهة عسكرية بهدف تشتيت انتباه الشعب وحشد الدعم ضد عدو خارجي.
وقد يكون لهذا السيناريو تداعيات إنسانية وأمنية واقتصادية وجيوسياسية هائلة ليس فقط على البلدين فحسب، بل أيضًا على المصالح الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في المنطقة. وقد تؤدى المواجهات العسكرية الى عرقلة الأنشطة الاقتصادية الدولية في مضيق جبل طارق، ثاني أكبر مسار بحري في العالم، وقد يعيق ذلك أيضا عملية تصدير الغاز من الجزائر إلى أوروبا. كما أنه قد يتسبب بموجات غير مسبوقة من المهاجرين والأشخاص المشردين داخليًا.
قد يؤدي تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين من المغاربة والجزائريين من جنوب الصحراء الكبرى إلى الشواطئ الأوروبية إلى انهيار هيكل الهجرة في الاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى زيادة التوترات في المجتمعات الأوروبية وتفاقم كراهية الأجانب وصعود الشعبوية. ولا بدّ لأزمة الهجرة الناتجة عن الحرب الأهلية في سوريا وليبيا من أن تكون بمثابة تذكير صارخ بالآثار التي خلفتها أزمات الهجرة على السياسة في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يترك أثرًا ثانويًا على مصالح الولايات المتحدة أيضًا.
يمكن أيضا أن تمهد حالة عدم الاستقرار في المنطقة الطريق أمام الجماعات الإرهابية والمقاتلين الأجانب في، وهو ما قد يكون له عواقب طويلة الأمد على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويمكن للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجنب هذا السيناريو من خلال قيادة جهود دبلوماسية ترمي إلى التخفيف من التوترات بين البلدين، بما يضمن بقاءها تحت السيطرة وعدم تخطيها حرب الكلام المعتادة.
في أعقاب قرارها بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، يجب على الولايات المتحدة العمل على إقناع النخبة الجزائرية الحاكمة بضرورة دعم العملية السياسية للأمم المتحدة التي تهدف إلى مساعدة أطراف النزاع على التوصل إلى حل مقبول للطرفين مبنى على أساس تسوية متسق مع قرارات مجلس الأمن. كما يجب على الولايات المتحدة الضغط على الجزائر للتخلي عن عقلية المحصلة الصفرية والعمل جنبًا إلى جنب مع المغرب للتوصل إلى حل يحفظ ماء الوجه ويحافظ على الاستقرار والسلام الإقليميين.
إن التصعيد الراهن بين المغرب والجزائر يتطلب اهتمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ويسلّط الضوء على حاجة الطرفين إلى الاستفادة من نفوذهما السياسي والاقتصادي لإذابة الجليد بين المغرب والجزائر، وبالتالي تجنّب سيناريو اندلاع مواجهة عسكرية شاملة في المغرب العربي.