- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المغرب يتحد في أعقاب الزلزال
غداة الزلزال المدمر، لاقت البلاد موجة من التضامن والحشد المجتمعي على نطاق واسع. تساعد صعوبة الوضع من الناحية اللوجستية والجغرافية في تفسير إحجام المغرب عن قبول جميع عروض المساعدة الدولية بشكل عشوائي.
شهد المغرب هذا الأسبوع واحدًا من أكثر الزلازل قوّة وفتكًا يضرب البلاد منذ زلزال أكادير في العام 1960. و هذا قد اتى الزلزال نتيجة صدع سطحي مائل تحت سلسلة جبال الأطلس الكبير ضربت إقليم الحوز في 8 أيلول/سبتمبر 2023 عند الساعة 11:11 مساءً بالتوقيت المحلي ووصلت قوّته إلى 6.8 درجات على مقياس ريختر. تم تحديد مركز الزلزال بالقرب من قرية إغيل على مسافة ما يقارب 71.8 كلم (44.6 أميال) جنوب غرب مدينة مراكش، و قد شعر به سكان أكادير والدار البيضاء والرباط والمحمدية ومدن أبعد منها.
و لقد خلّف الزلزال أكثر من 2900 قتيل و5000 جريح، أغلبهم في أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة، وقدرت منظمة الصحة العالمية أن حوالي 300 ألف شخص في مراكش والمناطق المحيطة بها تضرروا من الكارثة. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت الكثير من المباني والمعالم التاريخية في مدن مثل مراكش وتارودانت وأكادير.
استجابة فورية
أعلن الديوان الملكي الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام عملًا بتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مع القيام على الفور بإنشاء لجنة وزارية لوضع برنامج لترميم المنازل المتضررة وإعادة بنائها. وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد أصدر توجيهات ملكية تقضي بتقديم المساعدة الفورية للفئات التي تضررت من الزلزال، لا سيّما الأيتام، وتوفير الغذاء والماء والكساء والسكن المؤقت في المناطق المتضررة. وفي الوقت عينه، صدرت أوامر ملكية تقضي بتعزيز فرق البحث لتسريع عمليات الإنقاذ والإخلاء للجرحى، كما تمّ توجيه فرق للاستعداد لإجراء تقييم عاجل لأوضاع الأحياء السكنية في القرى المتضررة لتحديد إمكانية عودة السكان ونطاق الإصلاحات في المنازل الغير صالحة للسكن.
وتبعًا لأوامر جلالته، أكدت القوات المسلحة الملكية المغربية نشر وحدات التدخل المتخصصة في المناطق المتضررة، بما في ذلك فرق البحث والإنقاذ والمستشفيات الميدانية، كما أخذوا يوصلون المساعدات الإغاثية إلى المناطق المتضررة من الزلزال. وذكر الأمين العام للمديرية العامة للشؤون الداخلية أن المسؤولين، بما في ذلك الفرق الأمنية، يعملون على تجميع الموارد لتقديم المساعدة اللازمة من أجل تقييم الأضرار وتوثيقها. كما عملت وحدات الحماية المدنية إلى جانب عناصر الإنقاذ المحليين على إزالة الركام من الطرقات لتسهيل وصول سيارات الإسعاف ومركبات الإغاثة إلى المناطق المتضررة بعد أن واجهت صعوبة نتيجة ازدحام الطرق وانسدادها في المناطق الجبلية بفعل الصخور المتساقطة.
موجة دعم محلية
غداة الزلزال المدمر، لاقت البلاد موجة من التضامن والحشد المجتمعي على نطاق واسع. فقد تآزر المغاربة من كلّ حدب وصوب لدعم المناطق المتضررة من الزلزال وتحديدًا تلك الواقعة في المناطق الجبلية النائية، بمن فيهم ناشطون من المجتمع المدني ومدافعون عن حقوق الإنسان وأفراد من المجتمع. وفي مدن مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة، استجاب عشرات الآلاف من المغاربة لنداءات السلطات لتلبية الحاجة الملحّة للتبرع بالدم. والجدير بالذكر أن أعضاء المنتخب المغربي لكرة القدم ومدرب الفريق وليد الركراكي الذين كانوا يستعدون لمباراة ضد ليبيريا في إطار تصفيات التأهيل إلى كأس الأمم الأفريقية (التي ألغيت لاحقًا بسبب الزلزال) تبرعوا بالدم ودعوا إلى التضامن مع الضحايا. كما ناشد مدير المديرية العامة للأمن الوطني كافة أفراد قطاع الأمن للتبرع بالدم لا سيّما في المناطق المتضررة.
ومن جهة أخرى، تم إطلاق مبادرات شعبية لنقل المواد الغذائية والمياه والبطانيات والأدوية إلى القرى المتضررة وأوّلها تلك التي لم تتلقّ المساعدات بعد. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التضامن العفوي والواسع النطاق لم يسهم في تقديم مساعدات أساسية للمناطق المتضررة فحسب، بل سلط الضوء أيضًا على القيم الإنسانية التي يتحلّى بها المغاربة في أوقات الأزمات ووحدة صفهم التي يشهد عليها التدفق المستمر للدعم الذي حوّل جهود الإنقاذ والإغاثة إلى مصدر فخر وطني.
هذا وقد حظيت هذه الاستجابة الجماعية بما تستحقه من ثناء على المستوى الدولي، إذ أكّدت استعداد المغرب لمواجهة هذه المأساة بموارده الخاصة وبدعم شعبه. وشرعت وسائل الإعلام الدولية لتسليط الضوء على وحدة المغاربة اللافتة للنظر, ومن المتوقع أن تستمر موجة الدعم هذه في الازدياد مع وصول شحنات المساعدات الكبيرة من مختلف المدن المغربية.
تيسير المساعدة النقدية
كما ظهرت خطوات كبيرة على صعيد العمل الخيري في الاستجابة للزلزال. وفي هذا الإطار، أنشات الحكومة بتوجيهات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس حسابًا مصرفيًا مخصصًا لجمع المساهمات والتبرعات لإغاثة ضحايا الزلزال. وبالإضافة إلى هذه الجهود الرسمية، أطلقت المنظمات غير الحكومية حملات لجمع الأموال والمساعدات. كما أنشأت لجنتا المالية والتنمية الاقتصادية في البرلمان المغربي حساب خزينة للإغاثة، بما يتماشى مع الإطار القانوني لهذه الحسابات المنصوص عليه في الدستور المغربي وقانون المالية، وسيؤدي هذا الحساب المتخصص دورًا محوريًا في تنسيق الموارد من أجل جهود الإغاثة الفورية والترميم وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الزلزال. وهذا كله يبرهن على التزام المغرب بالاستجابة الفعالة للكوارث الطبيعية وتعزيز قدراته على إدارة الكوارث.
وفي السياق عينه، أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب عن مساهمة خيرية بقيمة 50 مليون درهم مغربي (5 ملايين دولار) للصندوق الخاص للمساهمات التطوعية التضامنية. وقد تخلى الكثير من المصارف المغربية عن رسوم التحويل المعتادة في ما يخص المواطنين الذين يقدمون التبرعات إلى الحساب المصرفي الخاص، كما اختارت مصارف مثل البنك الشعبي وبنك "سي آي إتش" عدم فرض رسوم على التحويل، متأثرة على الأرجح بالموقف الذي اتخذه بنك المغرب سابقًا بشأن هذه المسألة.
إدارة الجهود الدولية
بعد انتشار نبأ المأساة التي ضرب المغرب، تدفقت عروض المساعدة من جميع أنحاء العالم. وقد أعلن بيان صادر عن وزارة الداخلية يوم الأحد أن السلطات المغربية "استجابت في هذه المرحلة بالذات لعروض الدعم التي قدمتها الدول الصديقة إسبانيا وقطر والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة وبالإضافة إلى ذلك، وصلت فرق من إسرائيل وتونس والسنغال يوم الأحد لمساعدة الجهود المحلية في أعمال البحث والإنقاذ. كما جاءت عروض الدعم من دول مثل الولايات المتحدة وتونس وتركيا وغيرها.
وقد صممت الحكومة استجابتها لعروض المساعدات الدولية بما يتناسب مع احتياجاتها وقدراتها الحالية. وفي حين أن بعض المصادر صوّرت هذا الرد على أنه رفض للمساعدة الأجنبية، فقد يشير العدد المحدود لفرق الإنقاذ الدولية على الأرض إلى التعقيدات اللوجستية والتنظيمية في هذه المنطقة. و قبول المساعدات لا يقتصر فقط على تلقي السلع وتوزيعها على المحتاجين فحسب، بل يتطلب نهجًا جيد التنسيق يتضمن أحكامًا لوجستية وتنظيمية لتسهيل حسن سير عمليات المساعدة. وتتطلب هذه الجهود أعمالًا أساسية وموارد كبيرة، ما قد لا يتوفر بسهولة، لا سيّما في ظل الأزمة التي تواجهها السلطات المحلية في هذه اللحظة.
وعليه، إن لم يتم إجراء تقييم شامل للأضرار والاحتياجات الفعلية لتوجيه الاستجابات للمساعدة الدولية، ثمة خطر بأن ينتهي الأمر بتوفر كمية هائلة من السلع غير الضرورية وتبديد الموظفين و هو الأمر الذي يزيد من تعقيد عملية إدارة الأزمة بدلاً من حلّها. وفي ظل المشاكل اللوجستية الكامنة وحواجز الطرق والافتقار إلى خطوط النقل الكافية، سيكون من الصعب استيعاب عدد كبير من فرق الإنقاذ الأجنبية ونقلها إلى المناطق المتضررة من دون تأخير جهود البحث والإنقاذ الجارية. وعلاوة على ذلك، يمثل الموقع الجغرافي للمناطق المتضررة تحديًا كبيرًا أمام التنقل ما سيتطلب من الأفراد غير الملمين بها قدرًا كبيرًا من الوقت للتعرف عليها والتمكن من عبور الأرض الجبلية للمنطقة. وبهذا تساعد صعوبة الوضع من الناحية اللوجستية والجغرافية في تفسير إحجام المغرب عن قبول جميع عروض المساعدة الدولية بشكل عشوائي، إلا أن الحكومة أعلنت انفتاحها لتقبل المزيد من المساعدات الدولية مع مواكبة لأي تغيرات تطرأ على الوضع الحالي وبعد إجراء تقييمات دقيقة.