- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المحرقة اليهودية "الهولوكوست" والوعي الجمعي العربي
بالإضافة إلى المبادرات التي برزت على المستوى الرسمي، ينبغي على الدول العربية العمل على مكافحة ظاهرة إنكار الهولوكوست على المستوى الشعبي حتى يتسنى لهم مكافحة انتشار المؤامرات البغيضة.
في 20 يناير/كانون الثاني 2022 تبنت الأمم المتحدة قرارا يهدف إلى مكافحة إنكار المحرقة النازية لليهود، أو ما يعرف اختصارا باسم "الهولوكوست"، وجرت الموافقة على القرار الذي قدمته إسرائيل وألمانيا، من دون تصويت في الجمعية العامة المكونة من 193 عضوا. وقالت الأمم المتحدة إن هذه الخطوة تبعث "برسالة قوية ضد إنكار أو تشويه هذه الحقائق التاريخية. وعلى الرغم من أن قرار الأمم المتحدة لمتعلق بإنكار المحرقة قد دعا الشركات التي تدير شبكات التواصل الاجتماعي إلى "اتخاذ تدابير فعّالة لمكافحة معاداة السامية وإنكار أو تشويه المحرقة"، إلا أن نظريات المؤامرة المعادية للسامية ما زالت متفشية بشكل كبير في المجتمعات العربية حيث يمكن رؤيتها يوميا بشكل كثيف على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم ما يبدو من تحسّن في هذا الواقع بعد قيام بعض الدول العربية الشريكة في اتفاق "إبراهام للسلام" بإلقاء الضوء على قضية الهولوكوست إلا أن استطلاع للراي الذي أجراه مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في يونيو 2010، أظهر أن نسبة 56% من المواطنين في الدول الستة التي استهدفها الاستطلاع وهي مصر والأردن ولبنان والمعرب والإمارات العربية المتحدة لا تتعاطف مع قضية المحرقة وذلك مقابل 3% فقط يتعاطفون معها.
ويعود انتشار الحس المؤامراتى إلى عقود طويلة من التلقين والأدلجة التي مارستها أنظمة عربية من خلال المؤسسات التعليمية على كافة مستوياتها. هناك من لا ينكر حدوث الهولوكوست، لكنه لا يتعاطف معها، بل يرى أن اليهود نالوا ما يستحقونه، وهناك من يذهب أبعد من ذلك ويتوعّد بتكرار المحرقة. وترى شريحة كبيرة ممن ينكرون المحرقة في الدول العربية أن اليهود الدين لقوا حتفهم قد توفوا لأسباب طبيعية أو حُكم عليهم بالإعدام من قبل الدولة لأسباب جنائية، وان الحلفاء قاموا عمدا بتضخيم عدد اليهود الذين قتلوا خلال الحرب. كما يروا أن آلة الدعاية اليهودية روجت لخرافة المحرقة لانتزاع مبالغ ضخمة من ألمانيا لتبرير برنامج تأسيس دولة إسرائيل، وأن هناك مؤامرة كبيرة تشارك فيها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية واليهود وإسرائيل لاستغلال المحرقة لأهدافهم السياسة. وبالطبع، بقِيَتْ أصوات منكري المحرقة تصدح وصارت تحظى بدعم إعلامي في اغلب الدول العربية. فبعد أن وافقت المكتبة الوطنية التونسية في عام 2018 على استضافة معرض متنقل لـ"متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة"، قام بعض ممن ينكرون المحرقة بإغلاق المتحف، وبرزت أخبارهم في الصحف التونسية التي وصفت ما قاموا به بالنجاح.
ومن ناحية أخرى، وعلى المستوى الرسمي، اكتسبت المبادرات الجديدة المتعلقة بالمحرقة زخما كبيرا من قبل بعض الرموز السياسة والدينية، ففي عام 2009، أصدر للملك محمد السادس بيانا وصف المحرقة بأنها "واحدة من أكثر الفصول مأساوية في التاريخ الحديث". وجاء هذا البيات في أعقاب توقيع المغرب على أول اتفاقية مشاركة أرشيفية بين مكتبة وطنية عربية و"متحف ذكرى الهولوكوست في الولايات المتحدة. كما تم تأسيس منظمة للمسلمين المغاربة الشباب، تسمى "ميمونة"، للحفاظ على تراث الجالية اليهودية المحلية، بما فيها تجربتها خلال المحرقة. ومن جهة أخرى، أصدر الأمين العام لـ "رابطة العالم الإسلامي" ومقرها في السعودية - في عام 2018، بيانا يدين إنكار المحرقة، وقام بزيارة "متحف المحرقة" في واشنطن. وفى عام 2020، قاد وفداً من رجال الدين المسلمين بزيارة طويلة ومثيرة إلى "معسكر أوشفيتز "للاعتقال والإبادة.
إن ندرة المعلومات حول الهولوكوست في كثير من البلدان العربية تمثل سببا رئيسيا وراء إنكارها، حيث يحتاج المواطن العربي أن يرى الهولوكوست كما تعرض في متاحف واشنطن وأوروبا، فيرى القصص والصور و المآسي التي مرت بها ملايين العائلات وذكرياتهم. لذلك، فان تعريف المواطن العربي على الهولوكوست على المستوى الإنساني وتقديمها بشكل قريب من واقعه، كفيل بإفهامه بأن الظروف والأحداث التي تسببت في اندلاع العنف المآسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط اليوم مماثلة لتلك التي تسببت في عملية الإبادة الجماعية التي حدثت في أوروبا في القرن العشرين. لذلك، قد تدفع تلك التجربة المأساوية التي مرت بها شعوب المنطقة من حروب أهلية طاحنة وإرهاب وتهجير قصرى على يد التيارات الدينية المتطرفة والأنظمة المتسلطة، الى المشاركة في النقاش العالمي حول التوعية ضد الإبادة الجماعية وإنكار المحرقة.
وهناك أيضا ضرورة لدمج لتدريس المحرقة في المراحل التعليمية المختلفة في الدول العربية، وهو ما قد يساهم في خلق جيلا أكثر تسامحا وتعاطفا مع ضحايا المحرقة. ينبغي أيضا على الدول العربية أن تقوم بـ"الاستثمار" في إنشاء المتاحف بغية رفع وعى عامة الشعب حول المحرقة النازية والفظائع التي ارتكبت في حق اليهود. يحب أيضا أن تساهم منظمات المجتمع المدني خاصة تلك التي تهتم بقضايا حقوق الإنسان والسلام، بتنظيم أنشطة تهدف الى رفع الوعي العام حول جريمة المحرقة وما تعرض له اليهود من مآسي.إضافة الى ذلك، يمكن لقطاع الفن والدراما في الدول العربية أن يعمل على إنتاج مواد فنية من مسرحيات، وأفلام، ومسلسلات درامية تتناول قضية المحرقة وتساهم فلى رفع الوعي العام حول القضية، فاغلب الأعمال الفنية التي تناولت موضوع المحرقة باللغات الأجنبية وغير متاحة للمواطن العادي.
وأخيرا، كشفت أبحاث علمية جديدة في ألمانيا أن ضمن ضحايا المحرقة يوجد عرب وخصوصا من رعايا شمال إفريقيا الذين كانوا مجندين في الجيش الفرنسي. ومن ثم، قد يساهم ظهور تلك الحقاق التاريخية في توسيع الاهتمام بهذه المأساة الإنسانية لدى الرأي العام العربي وتأكيد مصداقيتها. كما قام بعض المؤرخون أخيراً بسرد الرواية العربية للمحرقة، أي اضطهاد مئات الآلاف من اليهود الذين كانوا يعيشون في تلك الأراضي العربية التي وقعت تحت سيطرة ألمانيا النازية أو فرنسا الفيشية أو إيطاليا الفاشية، وإبراز الدور الذي لعبه العرب كجناة ومتفرجين وحتى منقذين. كل ذلك قد يساهم في رفع الوعي العربي حول المحرقة وقطع الطريق على من ينكرونها.